«من هو البكاي؟» : سيرة رجل أسرته النازية وفاوض من أجل استقلال المغرب

 

«من هو سي البكاي؟»، ماذا نعرف عن أول رئيس حكومة لما بعد الاستقلال، وكيف نشأت تلك العلاقة المعقدة والمركبة بين فرنسا والمغرب؟
مداخل عديدة يمكن من خلالها قراءة كتاب » «من هو سي البكاي؟«« لمؤلفته نعيمة لهبيل التاجموعتي، نجلة البكاي، والذي تم تقديم ترجمته الى العربية أول أمس الجمعة 16 ماي بقاعة «أفق» ضمن فعاليات الدورة 29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط.
اللقاء الذي سيره عبد السلام أبو درار، وشارك في بسط أهم مضامين الكتاب المقدم خلاله كل من المؤلفة نعيمة لهبيل ومترجمه إلى العربية توفيق سخان والصادر عن منشورات مرسم (2024)، وقف عند أهم المحطات من سيرة الراحل البكاي بن مبارك لهبيل بدءا من نشأته في 1907 ببركان يتيما بعد 7 سنوات من وفاة والده مبارك الهبيل سنة 1913، أي سنة بعد توقيع معاهدة الحماية، لتهتم به الوالدة «طاما» التي كسرت تقاليد مجتمع الشرق المحافظ ونقلت ابنها من »المسيد« إلى المدرسة الفرنسية وهو في الثالثة عشر من عمره قبل أن يلتحق بالمدرسة العسكرية الفرنسية ضمن قلة قليلة مختارة من جميع أنحاء المغرب ليتخرج منها سنة 1926 برصيد ثقافي متميز أهله لزيارة فرنسا واكتشاف ثقافتها و اختبارالعمل الجمعوي، قبل أن يصهر معارفة بالثقافة الشرقية حين التحق في 1932 بالجيش الفرنسي في سوريا ولبنان، حيث طور هناك قدراته العسكرية.
ومن المحطات الهامة التي أثرت في مسار وسيرة الرجل، حسب ابنته نعيمة الهبيل مؤلفة الكتاب، فإن التحاقه بصفوف الجيش الفرنسي في الحرب العالمية الثانية ليحارب مع فرنسا ضد النازية، كان له أثر على حياته العملية، بعد إصابته في رجله اليمنى سنة 1940 واعتقاله من طرف جيش النازية قبل أن يتم تسليمه في صفقة لتبادل الأسرى، حيث في رحلة علاجه بفرنسا سيتم بتر رجله واستبدالها بأخرى خشبية، وليتم سنة 1972 توشيحه بوسام الشرف الفرنسي كبطل حرب تكسر حلمه، حيث اضطر إلى التفرغ للعمل المدني بتدبير شؤون صفر في 1944.
كيف تفاعل البكاي بن مبارك مع تصاعد المقاومة المغربية ضد فرنسا؟ هل كان للرجل دور محوري في مفاوضات إكس ليبان، وما حدود علاقته بولي العهد آنذاك الحسن الثاني والسلطان محمد الخامس؟
أسئلة أغفل الكتاب الوقوف عندها بتفصيل ربما بسبب ندرة الوقائق التاريخية التي يوجد جزء كبير منها في الأرشيف الفرنسي، أو لأن الكتاب موجه بالأساس للناشئة، لكنه قدم البكاي في لحظة تصاعد المقاومة في بداية الخمسينات، وتحديدا بعد تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، في صورة الوطني المرتبط ببلده وعرشه، حيث يوما واحدا بعد نفي الملك محمد الخامس سيقدم استقالته من الباشوية مصرحا بأن العمل مع الحماية الفرنسية غير شرعي، وليدخل في تنسيق مع الأمير الحسن الثاني وقتها والسلطان محمد الخامس كان من نتائجه اتخاذه باريس منفى اختياريا وقاعدة للصراع السياسي والديبلوماسي من أجل الاستقلال، رغم أنه لم ينتم يوما لأي تيار سياسي إلا أنه حافظ على علاقات جيدة مع رجالات الحركة الوطنية والملك ومع فرنسا، ما مكنه من لعب دور مهم كمحاور جيد ورجل ثقة لدى كل الأطراف.
وفي هذا الصدد يتطرق الكتاب إلى شهادة الوطني الراحل عبد الرحيم بوعبيد في مذكراته «»شهادا وتأملات« « الذي أشار الى أن «الرجل ذا الشخصية القوية كانت له إمكانية ولوج جميع الأوساط السياسية والمالية تقريبا. وباعتباره فقد رجله في الحرب، فقد كان بمثابة الند المضاد للكلاوي، بل يجسد الاستقامة بعينها ممزوجة بنوع من الصفاء.
قاد الرجل الذي قال إنه «قدم رجلا من أجل الحرية ومستعد للتقديم الثانية من أجل المغرب» جلسات مفاوضات انتهت بإقالة بن عرفة قبل أن يكوّن ضمن شخصيات أخرى: محمد المقري، الصبيحي، أوعسو «مجلس حراس العرش» قبل عودة الملك محمد الخامس من المنفى بعد أن وقع وثيقة الاستقلال مع فرنسا في 26 أكتوبر 1955 ومع إسبانيا في 12 أبريل من نفس السنة، ثم ليقود بعدها في 23 دجنبر 1955 أول حكومة مغربية ضمت كذلك كلا من الزغاري، تدريس المحمدي، عبد الرحيم بوعبيد، عبد الله ابراهيم، م الشرقاوي، رضا كديرة، عبد الكريم بن جلون، الحسن السوسي، عبد القادر بنجلون، م. الفاسي، أحمد النجاعي، أ[مد اليزيدي، التهامي الوزاني، عبد المالك فرج. محمد بن بوشعيب، أحمد بن سودة، قبل أن يتم تقليص عدد الوزراء في النسخة الثانية لحكومة البكاي بن مبارك.
توفيق السخان، مترجم العمل، توقف عند أبرز التحديات التي تواجه المترجم، خاصة في مجال التاريخ والسيرة، بالاضافة إلى حساسية الفئة الموجه إليها، موضحا أن الترجمة تأتي في سياق استحضار الذاكرة الجمعية، ومحاولة إضاءة جزء من التاريخ المغربي وتعريف الجيل الجديد به بلغة بسيطة دون الوقوع في التبسيط المخل، مع ضبط المفاهيم والمصطلحات حتى لا يتم تحريفها عن معناها الأصلي.
هل قال الكتاب كل شيء؟ ما المسكوت عنه في حياة البكاي؟ ماهي التنازلات التي قدمت في مفاوضات إكس ليبان؟
أسئلة لم يجب عنها الكتاب في انتظار إجابة التاريخ.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 18/05/2024