من يتحمل مسؤولية تراجع مستوى التعليم في المدرسة العمومية؟

كان الأساتذة في سنوات السبعينيات والثمانينيات يجدون صعوبة في مجاراة إيقاع القسم الذي يتسم بالتنافسية والندية بين التلاميذ، إلى درجة أن المدرس يضطر إلى الإعداد الجيد وجمع أكبرعدد ممكن من المعارف والمعلومات، التي قد يجدها محل سؤال للتلاميذ النجباء في القسم، الذين كانوا يشكلون أكثر من 60 في المائة.
المستوى الآن، يؤسف له، باعتبار أن المجتهدين والجادين في القسم لا يتجاوزون أصابع اليد، متسائلا كيف وصل تلامذتنا لهذا المستوى المنحل في التعاطي مع الشأن التعليمي؟.
إن ما يعيشه فضاؤنا التعليمي من ويلات الإضرابات والتسرب المدرسي ومحدودية البرامج وعدم جدواها، التي أصبحت، ضاغطة وثقيلة على الفهم لدى البعض، وكثرة المقررات تجعل المدرس منهمكا طيلة الوقت في السرد والإملاء، في سباق مع الزمن بغية إتمام الدروس في الوقت المحدد، كما أن فقدان المدرسة العمومية لدورها في ترسيخ الفعل التربوي القويم، كان له وقع في ما آل إليه المستوى التعليمي من تدهور.
مسؤولية تدني المستوى التعليمي تتحملها بعض الأطر التعليمية التي التحقت بهذا القطاع فقط من زاوية الحصول على رقم مالي في الوظيفة العمومية، وهذه النوعية ساهمت في هذا التواضع، بسبب محدوديتها البيداغوجية، هذا دون أن ننسى الأثر السلبي للتدهور الاقتصادي الذي يعرفه المجتمع المغربي طيلة السنوات الماضية والذي جعل الأسر تجد صعوبة في تلبية مطالب أبنائها ومراقبتهم ومتابعة أحوالهم الدراسية.
وما من شك أن تيهان هذه الأسر في البحث المضني عن لقمة عيش جعل هذه الأخيرة خارج التغطية، ليبقى الخاسر الأكبر من تدني مستوى التعليم، هو التلميذ المغربي، الذي لا حول ولا قوة له أمام غياب التوجيه الفاعل والمتفاعل مع ما يطلبه المشهد التعليمي على المستوى العالمي. فتلميذ اليوم هو رجل الغد، وبالتالي فأي إخلال في مستوى بنائه وتكوينه سيعطي مواطنا غير منتج.
يرتبط مستوى التعليم في بلادنا بآليات العمل وطاقاته والظروف المؤثرة فيه، ومدى تحلي المسؤولين عنه بالروح الوطنية في تسريع وتيرة إصلاح منظومة التربية والتكوين حتى تحرق المراحل التي أهملتها في سنوات مضت والتي جعلت العديد من التقارير الوطنية والدولية تضعنا في ومواقع لا تشرف سمعة المغرب وتاريخه ونباغة أطره.
ومن أجل مواجهة هذا التراجع المهول في المستوى التحصيلي للناشئة، الضرورة تفرض الاهتمام بالعنصر البشري، الذي هو في حاجة ماسة إلى إعادة تكوينه، بما يوافق الوضعية الراهنة للمشهد السوسيو اقتصادي، عبر إرساء البنيات الجهوية للتكوين تضع بيداغوجيا التدريس على سكتها الصحيحة، وبالتالي إعادة الاعتبار لمهنة التدريس وبت روح المسؤولية كذلك لدى التلميذ وتجسير الهوة التي كانت نتيجة التهاون والتخاذل، الذي أدى إلى العزوف والتسرب الدراسي.
إن الضرورة تفرض كذلك، تغيير النظرة الضيقة للتعليم والتعلم بسلوك مناهج تربوية فاعلة قريبة من عالم المتعلم مع تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ بالوسطين الحضري والقروي وتنويع أساليب التعلم وجعلها سهلة وفي متناول التلميذ وتكسير الجدار الذي يمنع المتعلم عن الانفتاح عن وسطه والإحساس بسهولة ولوجه لعالم الشغل إذا ما قام بمجهودات معقولة.
كما على الأسر أن تبث في نفسية أبنائها المتعلمين إحساسا بالمسؤولية، وبأهمية الحصول على الشهادة، بالرغم من ضيق وعاء الشغل، فاعتبار الشهادة قيمة مادية معنوية من شأنه أن يكسر التأثير السلبي للتلميذ بما يوجد عليه من سبقوه في المجال وحصلوا على شهادات ووجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل.
إن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، كان بمثابة خارطة الطريق لمعالجة كل ما يمكن أن يكون مصدر الداء، لكن بطء التنفيذ وعدم فعالية آليات التطبيق وتخلف بنود الميثاق عن مواعيدها المحددة، التي كانت مرتبطة، في الزمان، باستحقاقات وتحديات كبرى وطنية ودولية، ولد العديد في الويلات، ويمكن اعتبار الهدر المدرسي والفشل الدراسي وضعف أداء المدرسة العمومية إحدى نتائجها العكسية.


الكاتب : ذ.عبد المجيد صراط

  

بتاريخ : 17/05/2017