مهرجان الثقافة الصوفية في دورته 13 : حلول التواصل.. أسفار روحانية عبر الفضاء الأزرق

 

في الوقت الذي ألغيت فيه المهرجانات المغربية الدولية، قرر منظمو مهرجان الثقافة الصوفية الاستمرار في نشر الوعي بالثقافة الصوفية وأعلامها، وهكذا انطلقت فعاليات هذه الدورة الافتراضية يوم 17 اكتوبر الجاري إلى غاية 26 منه، عبر الفضاء الأزرق، محلقة بعشاق هذا الفن الرفيع إلى عوالم ربانية مفعمة بالصفاء الروحي، حيث تتخلص الأجساد البشرية من كل ما هو دنيوي لتعانق التقوى والطهر في أبهى تجلياتهما.
وهكذا شكلت هذه الدورة، يقول الدكتور فوزي الصقلي.. مؤسس ومبدع مهرجان الثقافة الصوفية، الجواب الثقافي الإبداعي للوقوف على ظاهرة وباء كورونا الذي جثم بكل ثقله على العالم، حاصدا مئات الآلاف من الأرواح البشرية، وأضاف ..إن هذه الدورة تنهل من التراث الصوفي الكوني على غرار الدورات السابقة.
ولعل الباقة المتميزة لبرنامج هذه الدورة تفتح آفاقا جديدة لاكتشاف ما يزخر به هذا الفن من كنوز ثقافية متنوعة تساعد المشاهد الافتراضي ليتناسى ولو إلى حين وباء كوفيد 19 لينتشي بالأشعار الصوفية التي أضفت عليها الألحان الموسيقية الرائعة رونقا سحريا مبهرا.
الدورة 13 من مهرجان الثقافة الصوفية الافتراضية تميزت بكونها جمعت بين الموائد المستديرة والسهرات الموسيقية الصوفية، وهكذا صدح الصوت الرخيم للفنان الجميل مروان حاجي في فضاء من الفضاءات التي تزخر بها فاس العتيقة المدينة الروحية ذات التاريخ التليد، مرددا أشعار رائد الصوفية ابن عربي، إذ شكل الأداء والألحان والشعر ثالوثا متكاملا ليلامس برفق متتبعي سهرته الفنية الافتراضية، وفي نفس الوقت نظمت مائدة مستديرة ناقش خلالها عدد من المفكرين المغاربة والأجانب حياة ابن عربي، هذا الشاعر الفيلسوف المتصوف والذي يعرف بالشيخ الأكبر لدى المتصوفين، هذا المتصوف ذو المولد الأندلسي الذي غادره لأسباب سياسية ودينية، حيث ترك ذخائر من الكتب الصوفية الهامة في طليعتها معارف ربانية روحانية وديوان ترجمان الأسواق الذي يعكس فيه صورا من صور الوجود عبر تعابير الفناء والبقاء تيمنا بأفكار المتصوف الحلاج، إلا أن هذا الصوفي الجليل قتل بدمشق عقوبة على أفكاره ومؤلفاته الصوفية العديدة.
برنامج الدورة 13 تميز أيضا بتنظيم موائد مستديرة ومواضيع للنقاش في الفلسفة الصوفية في طليعتها ندوة حول الحكم والروحانيات في مواجهة الرهانات السياسية ومائدة مستديرة حول فاس مدينة الإسلام تخلل هذه السهرة بث فيلم حول الصوفية، ومائدة أخرى حول النبي إبراهيم، بالإضافة إلى مائدة مستدير ة حول لسان الدين ابن الخطيب والملقب بذي الوزارتين، وهو عالم أندلسي شاعر وفيلسوف وفقيه مالكي وطبيب تخرج من جامعة القرويين بفاس، والذي اشتهر بقصيدته الرائعة التي يقول في مطلعها… جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس، وقد رحل إلى المغرب فاتهمه القاضي النبهاني بالزندقة والإلحاد والطعن في الإسلام والرسول محمد ص لتحرق كتبه بساحة غرناطة، وبعد ذلك تم سجنه ومات مخنوقا وأحرقت جثته وعبث بها، وخلال كل الموائد المستديرة تم بث فيديوهات عن الطرق الصوفية للزاوية القادرية البوشيشتية والزاوية الصقلية وكذا الطريقة الصوفية للزاوية الوزانية.
هذا، وتميز برنامج المهرجان بجلسات ماستر كلاس مع مفكرين من المغرب وآخرين من بعض الدول الأجنبية بطريقة افتراضية، كما أن الفنانة المبدعة أمال عيوش أمتعت ممتتبعي فقرات برنامج مهرجان الثقافة الصوفية الافتراضي في دورته هاته بإلقاء نظرات ممتعة عن حكم جحا.
ولم يخل البرنامج الغني للمهرجان من لقاءات مع فنانين، كان في طليعتهم الفنان عبد لله مالك، وعلى هامش المهرجان أقيم معرض فني ضم عددا من اللوحات الرائعة، كما تم عقد اتفاقية شراكة مع عدد من المفكرين والمهتمين بالثقافة الصوفية في طليعتهم مصطفى فهمي والدكتور مولاي عبد لله الوزاني.
وجملة القول، فإن الدورة 13 الافتراضية لمهرجان الثقافة الصوفية كان متميزا واستطاع أن يغني فكر المتتبع الافتراضي بزخم هام ومتنوع من مختارات الثقافة الصوفية، ومما لاشك فيه أن هذه الدورة الافتراضية التي بذلت فيها جهود جبارة من طرف المنظمين، ستعود بالنفع العميم على فاس وستحرك عجلة اقتصادها الذي خيم عليه الكساد والجمود بعد أن يرفع لله وباء كورونا، حيث سيحج الآلاف من عشاق الثقافة الصوفية للوقوف على ما تزخر به أزقة ودروب فاس العتيقة من آماكن وأضرحة وزوايا صوفية.


الكاتب : فاس: محمد بوهلال

  

بتاريخ : 27/10/2020