انطلقت فعاليات الدورة الثانية والعشرين للمهرجان الدولي «مغرب الحكايات»، الذي تنظمه الأكاديمية الدولية للتراث الثقافي اللامادي، من 6 إلى 13 يوليوز الجاري، بمدينة الرباط تحت الرعايةالملكية ، حول تيمة «حكايات الماء»، واختيار شعاره البليغ: «حكايتك ماء.. ارويها ترويك».
الماء، هذا العنصر الكوني الذي رافق الذاكرة البشرية وأسس لتوازنها الوجودي، سيكون ضيف الحكاية ومحورها، من أنهار الغانج، إلى روافد الأمازون، ومن قناة بنما إلى وديان الأطلس، في رحلة عبر العوالم المتخيلة التي نسجها الخيال الشعبي، وشكلت جسورا بين الإنسان والطبيعة، والذاكرة والمستقبل.
الدورة الجديدة للمهرجان لا تحتفي بالماء فقط كعنصر بيئي،وفق بلاغ الجهة المنظمة، بل كرمز ثقافي كوني ظل على مر العصور مصدر إلهام للأساطير والرؤى والسرديات الكبرى، ورافعة لتأملات كبرى حول الحياة والتجدد، وهو ما تسعى الدورة إلى استحضاره بلغة الحكواتيين، وبأساليب معاصرة تربط بين التراث الشفهي والإبداع الرقمي.
في سابقة لافتة، تحل جمهورية بنما ضيفة شرف على هذه الدورة، لما تزخر به من تقاليد شفوية وذاكرة ثقافية غنية متجذّرة في ثقافة الماء والغابات والتنوع البيولوجي، وهي مشاركة تروم تعميق الحوار الثقافي جنوب–جنوب، وتثمين جسور التواصل الحكائي بين أمريكا اللاتينية والمغرب.
برمجة المهرجان هذه السنة تزخر بمحطات فنية وأكاديمية غنية، أبرزها حلقات الحكي الكبرى بمشاركة رواة من المغرب وخارجه، وندوة دولية تنعقد يوم 10 يوليوز 2025، ابتداء من التاسعة صباحا بمعهد الدراسات الإسبانية البرتغالية بالرباط، بتعاون مع جامعة محمد الخامس، حول موضوع «الماء في المتخيل الإنساني العالمي»، تجمع بين باحثين وأكاديميين لمناقشة حضور الماء في التراث الشفهي والرمزي، وربط الحكاية بالتحديات البيئية المعاصرة.
ووفاء لنهج التكوين المستمر الذي دأبت عليه الأكاديمية، تنظم ورشات تطبيقية مفتوحة، إلى جانب ماستر كلاس احترافي يوم 11 يوليوز 2025، بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية – جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، تحت إشراف خبراء ورواة محترفين، حول «فن الحكاية بين الممارسات التقليدية وآفاق الابتكار الرقمي»، بهدف تأهيل جيل جديد من الحكواتيين وتجهيزهم بأدوات حديثة تجمع بين الإبداع والحس البيئي.
ومن أقوى لحظات هذه الدورة، التفاتة رمزية لتكريم «الگرّاب» المغربي، أحد رموز التراث المادي المرتبط بالماء، بما يمثله من ذاكرة شعبية غنية، وبما يشكله من حضور اجتماعي وثقافي مهدد بالاندثار. زيه التقليدي وصوته وجرته النحاسية ستعود إلى الواجهة بوصفها جزءا من الحكاية المغربية الأصيلة.
كما يكرم المهرجان في هذه النسخة أحد رموزه الكبار، الحكواتي المرحوم «ولد هنيا»، الذي وافته المنية مؤخرا، والذي ظل ملازما لهذا العرس الثقافي منذ دوراته الأولى، واشتهر بعروضه التي مزجت بين الحكاية والطقس المغربي العريق في تقديم الشاي المغربي على «الصينية»، بأسلوبه الخاص.
الدورة الحالية لا تخفي رهانها على الحكاية كقوة ناعمة لإعادة التفكير في قضايا العصر، وتعزيز الحوار الثقافي بين الشعوب، وترسيخ التراث المادي واللامادي كرافعة للتحسيس البيئي والتربية على قيم العيش المشترك.
وفي إطار فعاليات المهرجان، سيكون جمهور الرباط على موعد يوم 9 يوليوز، ابتداء من الساعة 20:30 مساء، بحديقة التجارب النباتية – شارع النصر، مع سمر حكائي فني حول أسطورة «إيسلي وتيسليت»، كعربون حب لحكاية مغربية تأبى النسيان، وسفينة خيال ستحمل المتلقي إلى عوالم سحرية يتم اكتشافها لحظة بلحظة.