اختتمت فعاليات الدّورة الثامنة لمهرجان السّرد في أبركان الذي احتضَن أنشطته «فضاء الشّرق» على مدى ثلاثة أيام من 23 ماي إلى 25 منه. وقد عمل المهرجان على النّبش في مِحوَر: “الأدب والتّحولات الرّقمية” وموضوع: « السّرد والسّينما»، ومُقاربة الإتلاف والاختلاف بين الكلمة والصورة في عملية السّرد، وبين السّرد والسينما كشكلين فنّيَين يتفقان أحيانًا في النّسق الزّمني، ويختلفان الصّوت السردي بين التوهّم والتّماهي، وبين الثورة الرّقمية بصفتها عملية انتقال من تقنيات ميكانيكية وتماثلية إلى الإلكترونيات الرقمية وخوارزميات، في علاقات تشابكية بين الكتابة والنشر والتلقي. وكيف غيّر الإنترنت طرق القراءة بشكل تفاعلي بين النص والقارئ وبين هذا القارئ والمُؤلف؟ وهل يمكن أن يصبح الأدب مُستقبلا رهينة بيد خوارزميات الآلة والتكنولوجيا؟
افتتح المهرجان أشغاله بمعرض للفنّ التشكيلي، ساهم فيه الفنان عبد الحفيظ مديوني»Mélodies picturales» والفنانة سلمى لعتيكي بعرض»إكريليك2» والفنان نبيل رمضاني «وُجوه إفريقية». هذا المعرض للفن التشكيلي ساهم من خلال الاحتفاء باللون والرّمز بالكلمة، وهي التي بها نُسائل الواقع، والفنّ هو «أرقى أشكال التعبير» كما قال مديوني. وعن تجربتها الفنية قالت الفنانة التشكيلية الشابة سلمى: «مارستُ الفنّ منذُ نعومة أظافري، حيث شكّل الرّسم لي وسيلة للتّعبير والتّأمّل»، قبل أن تضيف» تنقلتُ في تجربتي الفنية بين مدارس وأساليب متعدّدة، إلى أن توقفت عند الفنّ التجريدي، وهو الذي وجدت فيه صوتاً حقيقياً لما يجول في الرّوح، والتعبير عمّا يختمرُ في الأعماق». وفي نفس السّياق تقول عن هذه التجربة الشابة: «حاولتُ بعد سنوات من البحث والتجريب أن أصقل أسلوبي الخاص في التعبير التجريدي، حيث مزجت بين اللون والفراغ والحركة، لكي أخلق عوالم بصرية أخرى موازية تنبضُ بالإحساس والصّدق».
بعدها تمّ تكريم شاهيناز العتروس، لما قدّمته من تضحيات وخدمات للعمل الجمعوي، والأستاذ رمضان مهداوي صاحب «فضاء الشرق»، وهو المكان الذي وهبه مهداوي للشباب البركاني بكل نكران للذات، من أجل أن يُمارس فيه كل أنواع الأنشطة الثقافية بالمدينة. أما الكاتب عبد السلام الصديقي، فقد ألقى كلمة تحت عنوان: «سيمفونية الألوان» تحدث فيها عن تجربة الفنان التشكيلي عبد الحفيظ مديوني.
جلسة القراءات القصصية الأولى كانت من تسيير الشاعر جمال أزراغيد، ساهم فيها القصّاصون بقراءات قصصية: محمد كرّوم، ربيعة عبد الكامل، عبد الرحمن الوادي، نعيمة غرّافي، رمضان مهداوي، أحمد بوزفور، ومن تجارب الشباب البركاني المبدع في كتابة القصة، استمع الحضور إلى قراءات للقصاصين: محمد الهدار، عبد الحق بن عبد الله، عبد القهار الحجاري، زلفة أشهبون.
الجلسة النقدية الأولى كانت حول: «الأدبُ والتحوّلات الرقمية»، شارك فيها كل من الدكتور مصطفى رمضاني من جامعة وجدة والدكتور إبراهيم عمري من كلية تازة متعدّدة التخصّصات، حاول فيها الباحث تسليط الضوء على بعض «التحوُّلات في الأدب في العصر الرّقمي»، مُضيفا في ذات الوقت أن «هذه التحوُّلات طالت بعض مُسلمات نظرية الأدب، من قبيل: مفهوم النصّ والمُؤلف والقارئ، انطلاقا من تصوُّرات نظرية جديدة في التشكل»، وقدّم أمثلة إبداعية غربية وعربية على ذلك، بسطها الباحث إبراهيم عمري أمام الجمهور الحاضر بجديته المعهودة.
أما جلسة القراءات القصصية الثانية، فقد شارك فيها القصاصون والقصاصات: عبد الحكيم امعيوَة (طبيب نفساني من الناظور)، سعيد ملوكي، عبد اللطيف النيلة، مليكة صراري، علي بنساعود، مريم لحلو، إدريس الواغيش، شيماء الملياني ننتوسي، أحمد بوعبد الله، (طبيب جرّاج من وجدة)، حسن برطال، محمد مجعيط، الحسين قيسامي وميمون العرّاص. وكان الجديدُ والجميلُ في هذا المهرجان السردي، هو استماع الجمهور الحاضر إلى قصص من إبداع طبيب جرّاح من وجدة وطبيب آخر نفساني من الناظور، ربّما أصبح الأمرُ معتادًا في الشرق والغرب عمومًا، ولكنه تحوُّل جديدٌ وجميلٌ في الثقافة المغربية.
الجلسة النقدية الثانية خُصّصت لمحور: «السّرد والسينما» ساهم فيها النقاد: محمد قيسامي، يحيى عمارة، محمد دخيسي، فريد بوجيدة، تطرّقوا في مداخلاتهم إلى العلاقة بين الخطاب الروائي والقصصي، وعلاقة المخرج بالقاص والمؤلف، وتعالقُ السينما والسرد، كما تطرقوا فيها الترابط النصي بين الرواية والقصة كحدث والسينما كصورة ومشهد. واختتم المهرجان أشغاله برحلة استكشافية إلى منطقة تافوغالت الجميلة، حيث كنا على بُعد كيلومترات قليلة من البلدة التي ينتمي إلى حكيم زيّاش. المنطقة زاخرة بمناظر طبيعية وتراث لامادي، زُرنا فيها أقدم قشلة وأكبر سجن فرنسي مهجور، وهو من أشهر بقايا الاستعمار الفرنسي في جبال بني يزناسن.
مهرجَان السّرد يُنهي أشغاله في أبركان

الكاتب : إدريس الواغيش
بتاريخ : 02/06/2025