خذ آلة حاسبة، و أنجز العملية الحسابية التالية 12489 مضروبة في العدد 8897 ؟ لكن قبل أن تضغط على علامة تساوي، قم بإملاء العملية نفسها شفويا على شاب ثلاثيني واقف أمامك، يدعى حميط الماط . أجزم لك، أنه سيقدم لك النتيجة بسرعة خارقة للعادة قبل أن تظهر على شاشة آلتك الحاسبة.

الآن، هل تشكك في صحة هذه الرواية ؟ إذا كان نعم .. فما عليك إلا أن تقوم بعملية بحث حول شخصية كائن متشرد بفاس زمن الجائحة،لااسمه حميد الماط ( قريقيبة )، دون اسمه على محرك « غوغل « كي تتأكد بنفسك، ستعثر بالتأكيد على مواصفات شاب بسبع صنايع، لكن برزق « ضايع « و ستبهرك النتيجة .
إذا لم ترقك هذه الفكرة، جرب أختها الثانية، أكتب تاريخ ميلادك بدقة، أو امليه، وقبل أن يرجع إليك طرفك، سيكون حميد الماط قد فصله بالشهور والأيام و الأسابيع الساعات و الدقائق و الثانية .. يبدو انك منذهل و غير مصدق للوهلة الأولى، نقدر ذلك و نتفهمه .. لكنها الحقيقة. فالآلة الحاسبة لا تستطيع القيام بذلك في أقل من بضع ثوان.. لكن حميد الماط يفعلها .
هذا الرجل العبقري الأسرع من الآلة الحاسبة يعيش اليوم بفاس حالة اجتماعية قاهرة، دون عمل قار، و بلا تغطية اجتماعية، بلا أفق يحميه ولا عيشة لائقة تضمن كرامته كإنسان، و كونه في المغرب، و رب أسرة، فهو لا يملك غير موهبته، لكن هذه الملكة، و هذه العبقرية التي قلما يجود الزمان بمثلها ، تعيش التشرد بكل ما في الكلمة من معنى ، دون أن يلتفت إليه أحد من المسؤولين و الأوصياء على الشأن العام بفاس، و لا أحد من سلطاتها و منتخبيها بإحسان …
و الآن لنستمع لهذا الرجل ، الذي استمعت إليه معظم القنوات التلفزية في العالم ، و خصصت له حلقات و برامج و احتضنته في استوديوهات و لقاءات عبر الأثير، حققت من خلال ذلك أرقاما قياسية عبر ملايين المشاهدات، و ذاع صيتها في أوساط المشاهدين في العالم العربي و خارجه و كان حظ حميد الماط دريهمات معدودة.
يقول حميد الماط « السلام عليكم خوتي ، معاكم خوكم حميد الماط، من مدينة فاس، موهبة في الرياضيات، أسرع من الحاسبة، ظهرت على العديد من القنوات الفضائية المحلية و العالمية، يكفي فقط أن تكتب « حميد الماط « أو عبقري مغربي أو مغربي أسرع من الآلة الحاسبة على محرك البحث في غوغل و ستتأكد، المهم خوتي تلات بي الوقت و تهمشت، منذ مدة و نا كانقلب على خدمة .. والو عافاكم لي قدر إساعدني نلقا شي خدمة هذا رقم الهاتف ديالي: 0672097719 لي ما قدرش إعاوني غير إبارطاجي مع تحيات أخوكم حميد الماط «
و الآن ، من الأجدر بالتكريم حميد الماط أم دنية باطمة ؟ من الأحق بالاحتفاء حميد الماط أم الحاجة الحمداوية ؟
كان حريا على السلطات بفاس أن تطلق اسمه على شارع من شوارعها ، أو مؤسسة من مؤسساتها ، أو فضاء علمي تكريما لهذا العبقري الملهم . بدل تركه فريسة للهشاشة و الفقر الرجيم .
الآن فقط أدركت كم كنت غبيا ، أي والله ، كنت غبيا عندما تخيلت لفترة أن حميد الماط لا يستطيع المرور في الشارع المغربي كغيره من المشاهير النجوم ، من فرط المعجبين طالبي التوقيعات، لكن حميد الماط اليوم تلى به الزمان ، يبحث عن قوت يومه دون جدوى، في ظل الجائحة و ظلم ذوي القربى الأشد مضاضة، فضلا عن بطالة أقوى وأشد في الفتك والتدمير النفسي والاجتماعي .
ليظل حميد الماط وصمة عار ليس على جبين فاس التي أنجبته و على سلطاتها التي تتشفى في انهياره و موته التدريجي فحسب، بل على وطن يحبه حتى النخاع .. عار و الله عار أن يستغيث عبقري و موهبة في الحساب و يبح حلقه في مدينة منسوبة على العلم و العلماء دون جدوى…