نبيل دريوش: المواطن الإسباني البسيط صار يدفع ثمن استمرار مشكلة الصحراء عبر فواتير الغاز

نبيل دريوش، كاتب ومتخصص في العلاقات المغربية الاسبانية ومؤلف كتاب «الجوار الحذر» خص مجلة «أطاليار» بحوار شرح من خلاله أهم معالم المشهد الدولي الجديد الذي تندرج في إطاره العلاقات المغربية – الإسبانية كما أنه قدم المفاتيح لفهم المرحلة الدبلوماسية الجديدة بين المملكتين

 كيف جاءتك فكرة اصدارك لكتابك «الجوار الحذر» باللغة الإسبانية؟

بالمغرب هناك فقط صحافيين أو ثلاثة ممن يتابعون العلاقات المغربية – الإسبانية بدقة ويكتبون باستمرار عن الشأن الإسباني، وهذا غير كاف، والواقع أن متابعتي للموضوع هي ما جعله يتحول لدي إلى هوس يومي ويدفعني للكتابة وإصدار كتب حوله، وذلك مع الأخذ بالاعتبار العلاقات الاستراتيجية والتاريخية والإنسانية والثقافية بين البلدين، فالمغرب هو البلد عربي مسلم الذي يمثل الحضارة الإسلامية غربا و خلف مضيق جبل طارق تبدأ الحضارة الغربية، وإذا نظرنا إلى الأمر من هذه الزاوية فإننا ندرك كيف أن البلدين يساهمان في بناء تاريخ الإنسانية، لا يتعلق الأمر بجوار عادي. علاقاتنا بقيمة عالية بما تمثله على المستوى الثقافي والإنساني، فنحن نجسد القنطرة بين الغرب والشرق، ووفق هذا المنطق أريد القول إن العالم القديم اختفى وعوضه عالم جديد، وباعتبارنا في نهاية المطاف مواطنين واعيين وبتمتع بقدر من المسؤولية، طرحت السؤال عما يمكننا فعله من أجل الخروج من نفق الأفكار المسبقة ومعادلة المورو/ المسيحي التي أنتجها أجدادنا ولم يكن لنا أي يد في وضعها.
إذا كان الموتى هم من يتحكم في جزء من علاقاتنا عبر هذه القواعد التي وضعوها، فإنهم هم الأحياء ونحن الموتى، لا يمكننا اليوم أن نعيد نفس خطابات صحافيي القرن العشرين لأنهم عاشوا زمنهم وتأثروا به، من هنا جاءتني فكرة الكتاب، ففي القرن الواحد والعشرين علينا أن نكون برغماتيين أكثر و أن نطمر المشاكل الإيديولوجية.

 خلال القرن الواحد والعشرين نجد أن مجموعة من الأفكار المسبقة مازالت راسخة في تربة العلاقات بين المغرب واسبانيا ويجب إزالتها ، إلى أي حد يتحكم الجهل في هذه العلاقات؟

أظن أن الجهل هي كلمة رئيسية عندما نتحدث عن العلاقات المغربية –الإسبانية، فالإنسان عدو لما يجهل، وهذه طبيعة البشر، فالأفكار المسبقة كانت دائما حاضرة في التصور الإسباني عن المغرب، فهذا البلد جسد طيلة قرون عديدة العدو الطبيعي لإسبانيا، فعبارة «المورو» مازال لها معنى قوي في المخيال الجمعي الإسباني، يتعلق الأمر بكلمة واحدة، لكنها تلخص نفسية صنعت عبر قرون من الصراع والحروب، السلام والتعايش، الكراهية والحب، ومن رحم هذه الفكرة ولد عنوان الكتاب، لأنه في نظري لم نستطع بعد الخروج من هذا النفق التاريخي، وأظن أن القرن الواحد والعشرين والعولمة تتيحان لنا فرصة ذهبية من أجل طمر السيوف المتخيلة وتشييد الجسور إنسانيا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا.
وبودي أن أضيف أن علاقاتنا ما زالت تدبر في جزء منها بقواعد الأجداد، وإذا كان أجدادنا قد صنعوا تاريخهم الخاص بهم وأرسوا قواعد تناسب وضعهم، فنحن لا نصنع حاضرنا بقواعدنا الخاصة، فقد تحولت قواعد الموتى إلى عقيدة، لهذا أقول دائما إن الموتى لم يدفنوا بشكل كامل، فليرقدوا في سلام…. قريبا.
علاوة على ذلك، يجب الاعتراف بأن جزءا من النخبة الإسبانية تجهل المغرب تماما، بل إن هناك من لا يريدون معرفة أي شيء مختلف عما يعتقدون أنه حق وواقع، وبالمقابل نجد أن صورة اسبانيا ايجابية عموما لدى النخبة المغربية بيد أن هذه الصورة تتأثر بالمواقف السياسية لمدريد حول الصحراء المغربية، وتجدر الإشارة هنا إلى مشكلة أخرى وهي مشكلة اللغة، فبسبب عدم اتقان اللغة الإسبانية من طرف جزء مهم من النخبة المغربية تبدو اسبانيا بلدا بعيدا أكثر مما هي عليه في الواقع ونتيجة لذلك هناك اهتمام محدود بالحياة السياسية في اسبانيا، وهذه المشكلة هي نتيجة لغياب حضور ثقافي اسبانيا قوي بالمغرب رغم أنه لا يمكننا القفز على الجهود الجبارة التي تقوم بها بعض المؤسسات الإسبانية وفي مقدمتها المراكز الثقافية الإسبانية – سيرفانتيس.
طيب، إذا كانت الجغرافيا قدرا لا مفر منه، والتاريخ مكتوب على صفحات جف مدادها بخط أجدادنا، فيبقى أن التحدي المطروح علينا في القرن الواحد والعشرين هو كيفية التخلص من الإرث السلبي وبناء علاقات متينة ومثمرة، ليس هناك وصفة سحرية لتصحيح التاريخ، لكن علينا الإمعان في بعض التجارب مثل تجربة فرنسا وألمانيا اللتان وجدتا بلسما شافيا لجراحهما بعد الحرب العالمية الثانية، هل يكون قدرنا كمتوسطيين أن نفعل العكس؟ لا أدري.
الدول لا مشاعر لها ولا يمكنها أن تقع في الحب، فالدول لها مصالح وحسابات جيو-استراتيجية تحكمها، الدولة هي منظومة ذكية باستطاعتها احراز التوافقات والتوصل إلى اتفاقات، كما أن الدولة الأكثر ذكاءا هي تلك التي تستطيع التأقلم مع التغييرات الحاصلة في محيطها وتبحث دائما عن تحقيق المنفعة من وراء هذه التغيرات، لذلك وجب علينا تجاوز مرحلة «الجوار الحذر» والاتجاه إلى إرساء علاقات استراتيجية، وأعتقد أن خطاب جلالة الملك محمد السادس يوم 20 غشت الأخير يذهب في هذا الاتجاه.

 هل اسبانيا والاتحاد الأوروبي واعيان بعمليتي التطوير والتحديث التي يعيشها المغرب؟

المغرب حاليا هو بلد مختلف تماما، لن أبالغ إذا قلت إنه في مقدمة البلدان الصاعدة بالعالم العربي والقارة الإفريقية، وبدون أدنى شك فنحن نتحدث اليوم عن قوة اقليمية. هذا التغيير الجذري الذي عاشه المغرب يجد تفسيره في كلمة واحدة وهي الحكامة الرشيدة للملك محمد السادس، فشخصيا لا ألحظ اليوم أية فوارق بين مدينة مغربية وهي طنجة وبين مدن أوروبية.
إسبانيا و الاتحاد الأوروبي يعلمون تماما بالأهمية الجيو – استراتيجية للمغرب وبالقفزات الجبارة التي قام بها هذا البلد على جميع المستويات خلال العقدين الماضيين، إضافة إلى ذلك فاسبانيا والاتحاد الأوروبي هما في حاجة بجوارهما إلى بلد مزدهر ومستقر وموحد وآمن، وغالبية الزعماء الأوروبيون هم على وعي تام بذلك، لذلك فالمغرب يتمتع، تاريخيا، باحترام خاص من طرف الجميع بالقارة الأوروبية.

 هل من الضروري أن تعلم نخبنا الاقتصادية والسياسية أن استقرار المغرب يعني استقرار اسبانيا وأوروبا والعكس صحيح؟

أظن أنهم يدركون ذلك تماما، حسب وجهة نظري، فالتغيير في النخب السياسية جعل جزءا من هذه النخب يقع في نوع من السذاجة السياسية، ويجب ألا نغفل أن المرء في الغالب لا يولد رجل دولة، بل هو تمرين وتراكم للتجارب، وهي طريق ليست دائما مفروشة بالورود، فكما يقول الشاعر الإشبيلي أنطونيو ماتشادو الطريق يرسم أثناء السير.
ومع ذلك، يجب أن نقر أن بعض السياسيين يمتلكون موهبة وفراسة أكثر من آخرين، لكن مهما علت الفوضى فمنطق الدولة يعيد الأمور إلى نصابها دائما، لنعلم أن الذاكرة البشرية لا تحتفظ بالضجيج، بل تختزن دائما الخطابات العقلانية والتصرفات الحكيمة والنبيلة، والمغرب هو واحد من هذه الدول الحكيمة التي يريد الاتحاد الأوربي أن يبقيها إلى جانبه.

 هل المقترح المغربي حول الصحراء له تأثيرا على مدينتي سبتة ومليلية؟

كما سبق وقلت لكم، فمنطق القرن الواحد والعشرين يفرض علينا رؤية جدية للأشياء، علينا أن نتجاوز بطريقة ذكية المشاكل التي صنعها أجدادنا، اسبانيا تدافع دائما عن وحدتها الترابية وهذا حقها، ووفق نفس المنطق فمن حق المغرب أيضا الدفاع عن وحدته الترابية، انظروا كيف أن قوة عالمية عظمى هي الولايات المتحدة الأمريكية اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء، إنها رسالة واضحة للأطراف الأخرى، فالولايات المتحدة تفتح أعيننا اليوم على ماهو صائب سياسيا وتحاول شق طريق منير وسط العتمة، أمريكا هي دولة تقفل على المشاعر والأحقاد داخل الأدراج.

 هل يتم تفهم موقف اسبانيا التي تحتاج إلى توازن في علاقتها مع الجزائر بسبب ارتباطها بالغاز الجزائري؟

انظروا، سأقول لكم شيئا، وهذه رسالة موجهة لأولئك الذين مازالوا يدافعون عن أطروحة الجبهة الانفصالية للبوليساريو باسبانيا، علما أن أعدادهم في تراجع منذ سنوات، أقول لهم إن فواتير الغاز سترتفع في فصل الشتاء المقبل باسبانيا تماما مثلما ارتفعت فواتير الكهرباء وذلك لأن الجزائر ألغت عملية تصدير الغاز عبر التراب المغربي، هذا يعني أن المواطن الإسباني العادي سيدفع كلفة اغلاق الحدود بين المغرب والجزائر واستمرار مشكلة الصحراء المغرب لأن هذه الوضعية تخدم مصالح مراكز السلطة بالجزائر، ونجد بعض القطاعات داخل اسبانيا تدافع ، بطريقة عمياء، عن هذه الأطروحة وشعارها هو المثل الإسباني القديم» يجب ضرب المورو بالعصا»، وانتبهوا إلى أنني سبق أن شددت على الأفكار المسبقة بخصوص المغرب.
وفي اعتقادي هذه المشكلة باتت تمس اليوم جيب المواطن العادي باسبانيا والذي تحول إلى ضحية جديدة لهذا النزاع المفتعل، وككاتب مغربي أظن أن المغرب لم يتدخل يوما في السياسة الخارجية للدول الأخرى وبينهما اسبانيا، اللهم إذا كانت هذه العلاقات موجهة ضده أو تمس بمصالحه الحيوية.

 كيف تقيمون التعاون بين المغرب واسبانيا في مجال محاربة الإرهاب؟

التعاون بين اسبانيا والمغرب في مجال محاربة الإرهاب يعد نموذجيا في حوض البحر الأبيض المتوسط، فالتجربة المغربية في هذا المجال معترف بها على المستوى الدولي، ولا أظنكم تغفلون أن العديد من الدول الأوروبية أشادت بالمغرب في عدة مناسبات بالجهود التي يبذلها الأمن المغربي لتفكيك خلايا إرهابية أو مساعدة الأجهزة الأمنية الأوروبية في التحقيقات التي تجريها بشأن ملفات لها علاقة بالإرهاب.
المغرب حلقة رئيسية في معادلة الأمن بأوروبا وأفريقيا، علاوة على التدريبات العسكرية المشتركة بين المغرب والولايات المتحدة والتي تظهر أهمية الدور المغربي في ضمان السلم و الاستقرار بالمنطقة.

 هل تعتقدون أنه من الضروري تشجيع التعاون جنوب-جنوب من أجل الحفاظ على الأمن في مجالنا الجغرافي؟

ليست هناك طريق أخرى يمكن أن نسلكها، التعاون جنوب – جنوب، لم يعد اختيارا، بل صار حاجة ملحة بالنظر الى المتغيرات المتلاحقة في فضاءنا الجيواستراتيجي، وبالتالي ليس أمامنا خيار غير تشجيع التعاون وتقوية الجوار جنوب – جنوب، لذلك قلت في البداية أنه من الواجب علينا تجاوز الأفكار الجاهزة وتشجيع التعاون، فالمشاكل تأتينا من الماضي فيما يفتح لنا المستقبل نافذة من الفرص التي علينا استغلالها، وهذا دورنا التاريخي وليس لنا خيار آخر.


بتاريخ : 27/09/2021