نقبل بـ«حماس» كجزء من النسيج الاجتماعي الوطني الفلسطيني،لكن دون سلاح
شكل الاعتراف المتزايد بدولة فلسطين يوم 22 شتنبر2025 أمام مؤتمر الأمم المتحدة، بانضمام 10 دول أبرزها فرنسا وبريطانيا، خطوة هامة أعادت القضية الفلسطينية الى قلب النقاش الدولي، رغم الفاتورة الثقيلة التي أداها الشعب الفلسطيني بأكثر من 65 ألف شهيد في غزة و120 ألف جريح، عدا 4 آلاف من معطوبي الحرب .
هذه المحطة المفصلية في تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي تتطلب اليوم بعث دينامية جديدة للقضية الفلسطينية على الساحة الدولية. دينامية لا تقتصر على حشد الدعم الخارجي بل تبدأ من مدخل الإصلاح وبناء المؤسسات، وإصلاح البيت الداخلي وتحقيق المصالحة الوطنية.
زخم ما بعد 7 أكتوبر، الإبادة، دور حماس، خطة ترامب، مؤتمر نيويورك… محاور تطرق إليها عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني أحمد مجدلاني، وهو يستعرض وضع “فلسطين ما بعد اتفاق السلام”، في اللقاء الحواري الذي أداره عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي عبد الحميد جماهري أول أمس السبت 18 أكتوبر 20025 خلال ندوة ناقشت وضع “فلسطين بعد اتفاق السلام”، والتي نظمت على هامش انعقاد المؤتمر الوطني 12 لحزب الاتحاد الاشتراكي.
عبر أحمد مجدلاني عن اعتزازه بالعلاقة القوية التي جمعت حزب الاتحاد الاشتراكي ومنظمة التحرير الفلسطينية دائما، والتي تترجم الإيمان القوي بعدالة القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في أرضه ضمن إجماع وطني مغربي، وهو ما جعله مطمئنا اليوم بعد محطة المؤتمر 12، “مطمئنا على مستقبل هذه العلاقة مع الاتحاد كحليف قوي وصادق يقف الى جانب الحق الفلسطيني”.
واعتبر مجدلاني أن محطة 22 شتنبر، وإعلان التوصل لاتفاق يقضي بوقف حرب الإبادة، والانسحاب من غزة وتسليم الرهائن وفتح المعابر ووقف سياسة التهجير، تعتبر خارطة طريق سياسية تقطع مع التهديد الخطير للوجود الفلسطيني داخل القطاع والذي كانت تمثله الإبادة والتهجير لأن استمرار التهجير كان يشكل قلقا عميقا وووسيلة للقضاء على القضية.
ولفت مجدلاني الى أن 22 شتنبر أدخل القضية منعطفا سياسيا جديدا، انتقلت معه القضية الفلسطينية الى مرحلة تدويل الصراع وإخراجه من نطاق إقليمي ومن إدارة أمريكية منحازة وشريك للاحتلال إلى دائرة الضوء العالمي من جديد، خاصة بعد الاعترافات المتتالية بدولة فلسطين وهي الاعترافات التي اعتبرها مجدلاني “تحولا استراتيجيا مهما من دول كانت تربط سابقا الاعتراف بالدولة بالمفاوضات المباشرة بين الطرفين”.
هذه الدول، يقول مجدلاني، وصلت الى قناعة قوية مفادها أنه لحماية السلام يجب الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية في حدود ما قبل 4 يونيو 1967. وأشار عضو منظمة التحرير الفلسطينية الى أن على السلطة الوطنية اليوم استثمار هذا التحول في حراكها السياسي والديبلوماسي لاحقا بالحفاظ على مكتسبات الشعب الفلسطيني ونضاله، وأهم هذه المكتسبات “وقف حرب الإبادة التي تحولت معها غزة الى منطقة غير قابلة للحياة” أخذا بعين الاعتبار سياسة نتنياهو منذ أكتوبر 2022 التي تقوم على حسم الصراع مع فلسطين بالقوة، مؤكدا على تطبيق جميع مراحل الاتفاق بما يفضي لمسار سياسي من شأنه إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، في غياب ضمانات حقيقية مع ترامب ونتنياهو. وتوقف مجدلاني عند هذه النقطة موضحا أن السلطة الوطنية الفلسطينية “لم توافق صراحة على خطة ترامب بل رحبت فقط بجهوده في المرحلة الأولى من الاتفاق بوقف الحرب لكنها لم ترحب ب15 نقطة المتبقية من الاتفاق”، والتي فتحت السلطة الوطنية بشأنها مشاورات مع بعض الدول الإسلامية كباكستان وتركيا وأندونيسيا ، ومع الدول العربية والتي انتهت الى موقف موحد مفاده أن خطة ترامب لا تعدو كونها “خطة اعتراضية لإفشال المسار الدولي الذي أعلن عنه مؤتمر نيويورك في شتنبر الماضي”، كما أنها خطة تتجاهل الشرعية والقانون الدوليين، وتحاول فرض مسار سياسي للسلام في قطاع غزة وفرض وضع أقرب الى وضع العراق بعد 2003 بعد تعيين بول برايمر من طرف بوش الابن حاكما عليها، وهو الوضع الذي يطمح ترامب اليوم إليه في القطاع خاصة بعد تصريحاته المستفزة بتحويل غزة الى “ريفيرا الشرق” وتحويل استثماراته داخلها.
من جهته أثار عبد الحميد جماهري نقطة جوهرية شكلت، منذ تولي حماس شؤون قطاع غزة، مسألة خلافية وتتعلق بالوحدة بين الفصائل وموقف السلطة الوطنية، خاصة فصيل حماس وارتباطاته وولاءاته الخارجية . وهي النقطة التي أوضح بشأنها مجدلاني أنها علاقة اتسمت دائما بالتوتر لعدم التزام الفصائل بالاتفاقات المبرمة مع السلطة وآخرها التوقيع على اتفاق ما بعد وقف إطلاق النار، حيث انقلبت كل من حركة الجهاد وحماس عليه قبل نصف ساعة من توقيعه، موضحا بهذا الخصوص أن الأمل كان معقودا على إنهاء الانقسام من طرف حماس لتعزيز الوحدة وتحقيق المصالحة الوطنية، لكن رفضها الإشارة لقرارات الشرعية الدولية نسف الاتفاق قبل أن يولد، مشددا في هذا السياق على أن السلطة الوطنية “ترفض التعامل مع الشرعية الدولية بانتقائية” ولا يمكن أن “تُخضِع الأجندة الوطنية لأجندات خارجية”.
وأضاف مجدلاني بهذا الخصوص:” لسنا من دعاة اقتناص الفرص وشروطنا للمصالحة كانت معروفة قبل 7 اكتوبر لأن هناك ظروفا دولية مختلفة اليوم وإجماعا دوليا حتى من داخل أصدقاء حماس حول ضرورة نزع سلاحها”.
إن نزع السلاح، يوضح مجدلاني،لا يعني إقصاء حماس، لكن القبول بها كجزء من النسيج الاجتماعي الوطني الفلسطيني إذا:
1- حسمت موقفها ووضحت انتماءها بين: حركة الإخوان المسلمين أو الحركة الوطنية الفلسطينية؛
2- التزمت بمنظمة التحرير كممثل شرعي للفلسطينيين وببرنامجها والتزاماتها الدولية؛
3- اعترفت بهدف النضال الفلسطيني وهو إقامة الدولة في حدود 4 يونيو ؛1967
4- الاعتراف بالقانون والشرعية الدوليين؛
5- إقامة مراجعة نقدية شاملة مع عدم التخلي عن المقاومة ولكن تغيير أشكال وأساليب النضال بما ينسجم مع المرحلة.
إلى جانب المصالحة الوطنية، أثار جماهري مسألة الإصلاح الداخلي للمؤسسات الفلسطينية وضرورته اليوم، وهو ما اعتبره مجدلاني “حاجة وطنية فلسطينية وليس تلبية أو إذعانا لإملاءات خارجية’، مؤكدا أن عملية الإصلاح متواصلة وتراكمية، حيث تم وضع أجندة إصلاح على مستويين، يهم الأول أجهزة الحكم الادارية والمالية العامة وجهاز القضاء والأمن استجابة لشروط المرحلة القادمة بعد الاتفاق، فيما يهم المستوى الثاني الإصلاح السياسي ويتم عبر الاحتكام للشعب الفلسطيني لينتخب ممثليه عبر صناديق الاقتراع، وقد تم قطع أشواط مهمة في هذا الباب من تحضير قانون الانتخابات وتحديد الكوطا النسائية وسن الترشح. كما لفت الى التحضير للدستور المؤقت بعنوان” فلسطين دولة ديمقراطية تعددية مدنية” سيعرض لاستفتاء الشعب ويتم إقراره من المؤسسات الشرعية في عملية تجديد سياسي، وذلك يقول مجدلاني “للانتقال من مسار السلطة إلى تجسيد الدولة انسجاما مع الاعتراف الدولي بالدولة”، مسار لن ينجح إلا بإصلاح يعتمد على خيارات الشعب وصناديق الاقتراع والخيار الديمقراطي دون إملاءات أو ضغوط.