تداعيات تأخير انطلاق الدراسة، الواقع الحقيقي لمنظومتنا التعليمية،
النقل المدرسي، استمرار خطورة وباء كورونا، الانتظارات الكبيرة من الوزير شكيب بنموسى
لا يختلف اثنان على أن الدخول المدرسي الحالي 2021 // 2022 لا يشبه المواسم السابقة، لاعتبارات متعددة، أهم أسبابها جائحة كورونا، التي أثرت بشكل كبير على الجو العام للدراسة، منذ موسمين سابقين، إلا أن تأثيرها على الموسم الحالي كان واضحا للعيان، بعد دخول الدولة في إجراءات عميقة ووازنة للحد من هذا الوباء، خصوصا في ما يتعلق بالمتمدرسين وضرورة العمل على كسب مناعتهم الجسمية عن طريق تلقيح الفئة العمرية من 12 إلى 17 سنة .
ولكي تنجح هذه العملية لا بد من توفير الظروف وكل المقومات اللوجستيكية والبشرية، وهو ما جعل الوزارة المعنية ترتكز على إجراء عمليات التلقيح بالعديد من المؤسسات التعليمية، وجندت لها أطرا إدارية محنكة كما جندت وزارة الصحة هي الأخرى أطباء ومساعديهم وممرضات والذين كانوا كعادتهم في الصفوف الأمامية ..
هذه الالتزامات الصحية، جعلت وزير التعليم في الحكومة السابقة سعيد أمزازي يؤخر الدخول المدرسي إلى فاتح أكتوبر، وهو ما مكن شريحة مهمة من تلاميذ الفئة العمرية ما بين 12 و17 سنة من الاستفادة من التلقيح عبر جرعتين من بينهم تلميذات وتلاميذ البعثات الأجنبية .
هذا الوضع أمن لنا إلى حد كبير العودة إلى الدراسة بشكل عادي وطبيعي عبر الحضور الكامل، على عكس الموسم السابق الذي اعتمدت فيه صيغة الحضوري بالتناوب، وكذا الموسم ما قبل الماضي الذي تم الاعتماد فيه على التعليم عن بعد ، وهو ما ترك جدلا واسعا، خصوصا بين بعض الأسر وأرباب المؤسسات التعليمية الخصوصية، تخص قانونية أداء واجبات الدراسة، رغم أنها كانت عن بعد .
وبالعودة إلى الموسم الدراسي الحالي 2021 // 2022، فمن أبرز المتغيرات، هي تعيين حكومة جديدة أفرزتها الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة التي عرفتها بلادنا، وبالتالي تعيين وزير جديد، واختزال الاسم في وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. وهذا موضوع آخر سنعود إليه لاحقا، وجيء برجل متمرس على رأس هذه الوزارة، تقلد عدة مناصب وزارية وازنة، وتحمل العديد من المسؤوليات الحكومية الصعبة، وأيضا في الديبلوماسية المغربية، التي تعرف اليوم نجاحات جمة، بالإضافة إلى مسؤوليات وطنية لا تقل أهمية .
إلا أن هذه المستجدات الأخيرة سبقتها وعود خلال الحملات الانتخابية الأخيرة من الأحزاب التي تشكلت منها الحكومة الحالية، كانت في مجملها مطمئنة على هذا القطاع، وعلى نساء ورجال التعليم، مما جعل الحكومة ووزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أمام انتظارات الأسر ومتابعة نساء ورجال التعليم، فماذا هي فاعلة بعد استلامها زمام الأمور (كجهاز تنفيذي).
الواقع الحقيقي لمنظومتنا التعليمية وانتظارات الأسر المغربية
إن منظومتنا التعليمية، رغم النتائج المتفاوتة المحصل عليها خلال نهاية الموسم الدراسي الماضي، خصوصا نتائج الأقسام الإشهادية، مازالت تعاني من اختلالات ونقائص أضحت عائقا أمام تحقيق الغاية والمراد . من خلال منتوج تعليمي جيد ومتميز .. أولا المجهودات الجبارة المبذولة من طرف الأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية وأطرها من رؤساء الأقسام والمصالح وكذا كل المديرين والأطر الإدارية وهيئات التدريس. بالإضافة إلى الشريك الأول للمنظومة التعليمية والمدرسة العمومية: من جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ والفيدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بالمغرب. وهي معارك تقاسمها جميع المتدخلين في العملية التعلمية، وهي إكراهات لم تستطع الحكومات المتعاقبة التغلب عليها خصوصا بعد حكومة التناوب التي كان يرأسها الأستاذ والمجاهد الكبير السي عبد الرحمان اليوسفي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. . .
إن من أكبر المعيقات التي تصادف السير العادي لعملية التدريس، الخصاص في الموارد البشرية، خاصة في أطر الإدارة التربوية،( مديرون…..نظار…..حراس عامون…مقتصدون.)، حيث الخصاص يزداد موسما بعد آخر، فإذا كان توظيف الأساتذة أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين قد حد إلى حد ما من خصاص الأساتذة، وأوقف ظاهرة الاكتظاظ، إلا أنه اليوم أصبح لزاما على الحكومة المعينة أخيرا العمل على إيجاد حلول عاجلة لتطعيم الإدارة التربوية، فمن العار أن يستمر تدبير مؤسسة تعليمية بتكليف أحد الحراس العامين أو أحد النظار أو مدير يدير أكثر من مؤسسة تعليمية، ونفس الشيء بالنسبة للمقتصدين الذين منهم من يتكفل بأكثر من مؤسستين ومستويات مختلفة. هذه الأوضاع غير الطبيعية تؤثر لا محالة على المنتوج التربوي التعليمي، علما أنه يؤرق كاهل من يتحمل هذه المهام الجسيمة، في الوقت الذي يتزايد فيه عدد المتمدرسين ويقل فيه عدد الأطر الإدارية، كما أصبح التعليم العمومي قبلة مفضلة لمن كان بالأمس القريب يفضل التعليم الخصوصي على التعليم العمومي، إنها معادلة صعبة وغير عادلة، تلزم الحكومة الحالية ابتكار حلول جذرية لفكها وإعادة التوازن لها حتى تعود قاطرة التسيير الإداري التربوي إلى سكتها.
إن كل من يناقش مشكلة التعليم ببلادنا لابد وأن يتوفر على الشجاعة الكاملة ليقف على واقعه حتى يتسنى للمسؤولين عن القطاع البحث عن حلول جذرية والابتعاد عن كل ما هو ترقيعي، فلم يعد الزمن قابلا لكل ما هو مؤقت، إذا كنا نريد أن نساير جميعا المشروع التنموي الكبير الذي وضع أسسه جلالة الملك محمد السادس.
إن الحمل أصبح ثقيلا على أطر الإدارة التربوية في ظل ظروف جائحة كورونا، فالزائر لأي مؤسسة تعليمية في الدخول المدرسي سيقف على هول وضخامة المسؤولية، مع إضافة عملية التلقيح بالمؤسسات التعليمية وتحت إشراف مدير المؤسسة أو أحد أطرها الإدارية، مما أصبح يعرقل الدخول المدرسي، وتبقى الوزارة، وهي تتابع وتراقب الوضع مشلولة ، غير قادرة على تنفيذ وعودها التي سبق ونطق بها لسان وزيرها السابق أو أحد مسؤوليها الكبار، فلن تلبث فترة الدخول المدرسي أن تمر بسلام حتى تعود دار لقمان لحالها، حيث تعزو الحكومة ذلك إلى إكراهات وأولويات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، لتستمر قافلة النقائص في تدريس الاختلالات، وحصد الزمن المدرسي على حساب منتوج تعليمي جيد يرقى إلى انتظارات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ وكل الأسر المغربية .
إن التأخير في انطلاق الموسم الدراسي الحالي من أجل كسب التلميذ مناعة صحية، أربك العديد من الأسر، خاصة الأمهات اللواتي رأين في ذلك المزيد من محن العطلة، فهي محن داخلية كما جاء على لسان العديد منهن، حيث تعودن على التخلص من هذه المعاناة مع مطلع شهر سبتمبر، ولكن وفي نفس الوقت هناك شوق للعديد من التلميذات والتلاميذ للعودة إلى أجواء الدراسة، وهو شعور وإحساس راود في الوقت نفسه العديد من نساء ورجال التعليم ، لكن تأخير الدخول المدرسي لم يخفف عن الأسر المغربية عبء التحمل المادي، فإذا كانت عملية التسجيل وإعادة التسجيل قد لا تؤثر على جيوب الأسر التي يتابع أبناءها دراستهم بالتعليم العمومي، فإن تكلفة اقتناء المراجع والمقررات واللوازم الضرورية ترهقهم وتشغل بال معظمهم وتزيد من تأزم وضعية العديد منهم، ورغم ذلك فهي تعمل المستحيل لتوفير كل مستلزمات الموسم الدراسي الجديد رغم صعوبة الأمر، في حين تشكل واجبات تسجيل الأسر التي اختارت التعليم الخصوصي عائقا ماديا كبيرا، فهذه الواجبات تزداد موسما بعد آخر ومبالغ التأمين أضحت مبالغ فيها، ولم تجد لحد الساعة من يوقف تغولها الزاحف، رغم ما سال من مداد حولها وما نادت به أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بالتعليم الخصوصي…
ولكن يبقى النقل المدرسي من أكبر المشاكل التي تعيق المجال التعليمي في العديد من المناطق عبر التراب الوطني ، خاصة في المجال القروي وهوامش المدن الكبرى التي لها حزام من الدواوير والبناء العشوائي يحيط بها من كل جانب بالإضافة إلى بعدها عن خطوط نقل المدينة، وهنا لابد من التأكيد على دور الجماعات الترابية وضرورة المساهمة الفعالة والانخراط الكلي في توفير النقل المدرسي وتقريب التلاميذ من مدارسهم ، كما أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منوط بها دعم النقل المدرسي، ولها في هذا المجال بصمات ساطعة في العديد من المدن المغربية، وأيضا جمعيات المجتمع المدني، عبر إبرام شراكات مع مؤسسات وقطاعات اقتصادية واجتماعية، بالإضافة إلى إمكانية ربط تواصل مستمر مع محسنين يفضلون المساهمة بأموال في مثل هذه الأعمال التي تعود بالفعل العامة على شريحة مهمة من المواطنين، علما أن عدم وجود وسيلة التنقل إلى المؤسسات العمومية في العديد من المناطق يساهم بشكل كبير في العزوف عن الدراسة وارتفاع نسبة الهدر المدرسي، خصوصا الفتاة القروية أو تلك المتواجدة وسط الدواوير التي تشكل حزاما للعديد من المدن، وهذا ما لا يخدم التوجهات الملكية السامية التي حرصت دائما على التعامل مع جميع المغاربة بمبدأ تكافؤ الفرص، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته كل من موقعه، فلا يمكن أن نضمن نجاح أي مشروع تنموي، وأسباب ومسيرات الهدر المدرسي مازلت تخيم راسخة في العديد من المناطق عبر التراب الوطني.
مخاطر محيط المؤسسات التعليمية
لاشك أن العودة إلى التدريس الحضوري الكامل، ستجعل من محيط المؤسسات التعليمية مكانا للتجمع استعدادا لعملية الولوج للمؤسسات أو الخروج منها وهو ما يشكل مكانا مناسبا ومجالا للعديد ممن يهوى ملء هذا الفضاء حتى وإن كان غريبا عنه، حتى أصبح مجالا لترويج أمور وسلوكيات بعيدة كل البعد عن ما هو تربوي بل تحولت العديد منها إلى أسواق لترويج أنواع من المخدرات، بعد سيطرة مجموعات على شكل تكتلات تشكل خطرا على التلميذات والتلاميذ وعموم المواطنين، ولولا تدخل الدوريات الأمنية لكانت العواقب جد وخيمة، وفي هذا الصدد عملت بعض المناطق الأمنية على تكوين خليات أمنية خاصة بالمؤسسات التعليمية ( المنطقة الأمنية بعمالة مقاطعة عين الشق نموذجا حيا وواقعيا ). بتواجدها المستمر قرب أبواب أكبر المؤسسات والتي تتوفر على كثافة للتلميذات والتلاميذ بكل من سيدي معروف وسيدي مسعود ولمكانسة وعين الشق .
إن العودة إلى صيغة التدريس بالحضور الكامل، تفرض علينا العمل بمزيد من الحيطة الحذر، فرغم أن نسبة الملقحين من التلميذات والتلاميذ فاقت الثلثين إلا أنه لا مجال للتهاون والاستخفاف بالإجراءات الاحترازية الضرورية، مع إلزامية وضع الكمامة، كإجراء وقائي ،كما أن عمليات التحسيس لا بد أن تستمر داخل المؤسسات التعليمية وخارجها وعبر المنابر الإعلامية العمومية.
انتظارات الشغيلة التعليمية والأسر المغربية والتلاميذ من ما سيحمله الوزير …شكيب بنموسى
إنها انتظارات كبيرة تعكس ما يعرفه قطاع التعليم ببلادنا من وقائع واختلالات جاءت بعض مقترحات تصحيحها في حملات الأحزاب التي تصدرت نتائج الاقتراع الأخير وساقها إلى تكوين حكومة جديدة تحمل آمالا جديدة . فالأساتذة ينتظرون تحقيق وعود الحملات الانتخابية المرتبطة بتحسين أوضاعهم المالية، في حين تنتظر الأسر ومعها التلميذات والتلاميذ حدوث تغييرات في المنظومة التعليمية ومنظومة الامتحانات وتحصين الزمن المدرسي وتنوعه، واعتبرت الفيدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بالمغرب بادرة الوزير شكيب بنموسى باستقبال رئيسها نور الدين عكوري إشارة واضحة عن استعداد الوزير لفتح أبواب التواصل والتشاور وإشراك شركاء المدرسة المغربية في إطار الحكامة التشاركية، بما سيمكن الحصول على منظومة تعليمية تتماشى والانتظارات الكبيرة لوطننا وتدخل في إطار المشروع التنموي الكبير الذي سطره جلالة الملك محمد السادس .