هكذا تسلح الحسن الثاني بـ 350 ألف مغربي لإفشال مخطط الإسبان والجزائر

استغل فرانكو الظروف التي كان يعيشها المغاربة سنة 1974 ،وهي ظروف صعبة نتيجة من جهة للصراع الداخلي في المغرب حول كيف ستبنى الدولة الجديدة في المغرب: أهي دولة ديمقراطية حديثة أو العكس دولة استبدادية بعيدة عن الديمقراطية، هذا الخلاف، بالإضافة إلى الانقلابين العسكريين اللذين تما في سنتي 1971 – 1972 جعل فرانكو يعتبر ان هذا هو الظرف المناسب، ظرف ضعف المغرب، لتأسيس دويلة بالأقاليم الجنوبية، اعتمادا على الأمم المتحدة التي كانت جمعيتها العامة ستجتمع في شتنبر 1974 للتقرير في هذه القضية والإعداد للاستفتاء لتقرير المصير.
غير أن مرض الجنرال فرانكو ودخوله في وضعية صحية صعبة جعلت خوان كارلوس يصبح ملك البلاد وبالتالي تم اتفاق بمدريد في نونبر 1975، كان اتفاقا ثلاثيا بين المغرب واسبانيا وموريتانيا، ذلك أن الحكومتين الجزائرية والإسبانية كانتا تشجعان الموريتانيين على المطالبة بالساقية الحمراء ووادي الذهب وبالتالي كان من الضروري أن يصل المغرب إلى اتفاق مع موريتانيا لإفشال هذا المخطط. إذ لو لم يتفق المغرب مع موريتانيا لكانت اليوم الصحراء المغربية في إطار دويلة مصطنعة.
لقد تحرك الحسن الثاني حين اعتبر المسعى الجزائري تهديدا للسيادة المغربية، بل رأى أنه يعني أيضا حصارا كاملا على ما سيتبقى من التراب المغربي من طرف خصومه الإيديولوجيين، سواء الجزائر التي كانت حينها تحت حكم هواري بومدين، أو جبهة «البوليساريو» التي احتضنتها الجزائر وليبيا ودعمها الاتحاد السفياتي منذ تأسيسها في 1973.
وجاء في وثيقة أن الحسن الثاني قال لكيسنجر «إذا تحركت إسبانيا لمنح الاستقلال للصحراء، فأنا أخبرك بصريح العبارة، أنه إذا أُعلن استقلال الصحراء في العاشرة صباحا، سأحرك قواتي لدخولها في الحادية عشرة»، وتابع «إذا منحت إسبانيا الاستقلال لتلك المنطقة فسيكون المكان مليئا بالثوار الروس والصينيين في غضون سنتين، الإسبان سيعودون إلى بلدهم أما المغرب فسيكون محاطا بالبحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي، وبالجزائر والجزائر ثم الجزائر من الجوانب الثلاثة الأخرى». غير أن النقطة المفصلية التي دفعت الحسن الثاني إلى اتخاذ قرار تنظيم المسيرة الخضراء، كانت قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي الهولندية، حيث صدر الرأي الاستشاري للمحكمة في 16 أكتوبر 1975، والذي كان في جزء منه في صالح الطرح المغربي، حيث اعترف بوجود روابط بيعة من طرف شيوخ القبائل للسلاطين المغاربة، كما أكد ارتباط التجمعات السكانية هناك اقتصاديا وسياسيا بالمغرب، إلا أنه اعتبر أن ما تستند عليه الرباط من وثائق ودلائل لا تكفي لحسم سيادته على الصحراء، ولا تتعارض ومبدأ تقرير المصير في المنطقة.
هكذا بدأ الإعداد للمسيرة الخضراء على نحو سري، حيث استدعى الملك الراحل القادة العسكريين طلب منهم أداء اليمين بعدم إفشاء السر حتى لو لم يوافقوا على مقترحه، وحتى عندما أراد إعداد المؤونة اللازمة للمتطوعين لجأ إلى حيلة ليُبعد أعضاء الحكومة عن خطته، إذ استدعى وزيري التجارة والمالية وطلب منهما تغزين المواد الغذائية من باب الاحتياط بحجة أن «شهر رمضان قد يكون قاسيا لأن المحاصيل الزراعية كانت متوسطة».
وفي كتاب ذاكرة ملك، يتحدث الحسن الثاني عن سر اختياره لأن تكون المسيرة الخضراء مكونة من 350 ألف شخص، موردا «الأمر في غاية البساطة، هناك 350 ألف مغربي ومغربية يولدون كل سنة، وبالتالي، فإن هذا العدد ليس بالأهمية التي قد تؤثر على عدد السكان»، لتحظى الفكرة بدعم القادة العسكريين الثلاثة الذين استمروا في التخطيط للأمر في مكتب الملك إلى غاية بداية شهر أكتوبر حين حان وقت الشروع في التدابير اللوجيستية والاستعداد لفتح مكاتب تسجيل المتطوعين، ما كان يعني ضرورة إشراك أعضاء الحكومة وعمال الأقاليم. كما فتح الباب أمام وفود أجنبية للمشاركة في المسيرة بأعلامها، وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وسلطنة عمان والأردن  وفلسطين والسودان والسنغال والغابون، فضلا عن متطوعين عراقيين ولبنانيين وحتى أمريكيين.
وشهدت المسيرة أيضا حضور شخصيات بارزة، أبرزها محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات حاليا، وحسن التهامي نائب رئيس الوزراء المصري الأسبق والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي وقتها، بل إن شيخ الأزهر حينها، عبد الحليم محمود، بعث رسالة إلى الملك الحسن الثاني يعلن فيها «التأييد الحار للمسيرة في طريق استرداد حق الشعب المغربي في أراضيه».
وفي يوم 5 نونبر 1975 ردد الحسن الثاني على مسامع المغاربة خطاب المسيرة الخضراء الشهير «غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة، غدا إن شاء الله ستطؤون أرضاً من أراضيكم وستلمسون رملاً من رمالكم وستقبلون أرضاً من وطنكم العزيز»، مشددا على أن الهدف ليس هو معاداة الإسبان بل استعادة الأراضي المغربية، حيث أورد «شعبي العزيز، إذا ما لقيت إسبانيا، كيفما كان ذلك الإسباني، عسكريا أو مدنيا، فصافحه وعانقه واقتسم معه مأكلك ومشربك وأدخله مخيمك، فليس بيننا وبين الإسبان غل ولا حقد، فلو أردنا أن نحارب الإسبان لما أرسلنا الناس عزلا بل لأرسلنا جيشا باسلا، ولكننا لا نريد أبدا أن نطغى ولا أن نقتل ولا أن نسفك الدماء بل نريد أن نسير على هدى وبركة من الله في مسيرة سلمية».
ولم تدم المسيرة بعد السادس من نونبر إلا 3 أيام، اجتاز خلالها المغاربةُ المحملون بالمصاحف والأعلام الحدودَ، وتوغلوا إلى بضع كيلومترات وسط الصحراء وسط تغطية إعلامية دولية ضخمة، قبل أن يصدر أمر الرجوع يوم 9 نونبر 1975.


بتاريخ : 06/11/2023