هل العنف مشروع في السياسة؟

ميشال أونفري في مواجهة آلان باديو

 

 

بمناسبة صدور كتاب ألان باديو «في مديح السياسة»، قامت مجلة ماريان بتنظيم لقاء بين داعية»الفرضية الشيوعية» وحواريّ»الاشتراكية التحررية»، ميشال أونفري. النقاش كان حول مواضيع يختلفان بشأنها أكثر مما يتفقان: مشروعية اللجوء إلى العنف، النزعة السيادية، شراسة الليبرالية، خطر التطرف الديني، الشيوعية، الاشتراكية…

p هل يُمكنكما القول، مثل الكثيرين، إننا نعيش اليوم أزمة سياسة؟

آلان باديو: ما ندعوه بأزمة السياسة ليس سوى أزمة نَموذجٍ مُسَيْطِر، نموذج الدولة البرلمانية، بأحزاب سياسية مُحترفة ويمين ويسار. يشترط هذا النظام أن يكون هناك، داخل توافق ليبرالي، فرق ملموس بين خيارين، إلا أن هذا الفرق تم محوه بالكامل في فرنسا، بداية من سنوات الثمانينات. لكن أيضا في ألمانيا مثلا، مع إصلاحات شرودر الليبرالية.
يُقال إن الناس صاروا مُنقطعي الصلة بممثليهم، لكن الممثلين، في هذه الظروف، هم الذين أضحوا منقطعي الصلة بالناس. يشعر هؤلاء بغياب أي خيار حقيقي، بما أن اليمين واليسار المزعوم يُمارسان تقريبا نفس السياسة.إن هذه الوضعية تفتح الطريق أمام مُغامرين من نوع ترامب أو ماكرون.
لكن إذا كانت «السياسة» تعني بالنسبة لكل شخص، تغيير المجتمع وفق الفكرة التي لديه عن العدالة، فكلمة «أزمة» غير مناسبة. بل أقُول إن أزمة النظام البرلماني، تُتيح الفرصة لكل التصورات السياسية التي من خارج النظام المُسَيْطِر، بخيرها أوشَرِّها.
ميشال أونفري: هناك أزمة سياسة سياسوية، لكن يوجد في الوقت نفسه شغف بالغ الحيوية بالسياسة. إن السياسة متواجدة في كل مكان يعرف علاقات بين الأفراد. ثمة استجابة لدى الأجيال الجديدة للسياسة الملموسة. فهم لا يَدَّعُونَ الانتساب إلى الكُتَّاب الذين كُنَّا نَقْرَأُ لهم من قبيل ماركس أو برودون أو ماو أو تروتسكي. إنهم يريدون تجارب جديدة تذْهَبُ بالأحرى في اتجاه التسيير الذاتي، وفي اتجاه الفكرة التي مفادها أن السياسة يجب أن تُمارس من طرف المعنيين المباشرين بها.
وهكذا فقد بِتْنَا نَشْهَدُ مُزارعين ينتجون بشكل آخر، وآباء ينشئون حضانات بديلة، وصحفيين يبتكرون إعلامهم…إن السياسة النظرية، إذن الأيديولوجيا، قد اختفت لصالح سياسة نفعية مدعومة بأخلاقيات العدالة، بما في ذلك أخلاقيات المحافظة على الكوكب.
إننا نشهد بروز ضرب من القوة الثورية السلمية التي تريد تغيير الأمور بِقول:»لن تمر الرأسمالية من خلالي.»

p أنتَ مسرور ببروز سياسية نفعية، في حين يُريد ألان باديو إعادة الاعتبار للفرضية الشيوعية.

ميشال أونفري: من جهتي، أرْضَخُ للواقع. أما ألان باديو فَمُخْلِص. فهو يقول بوضوح شديد ما تُواصل الشيوعية تمثيله بالنسبة إليه، حتى مع علمه بتجاربها الملموسة في الاتحاد السوفياتي وكوبا والصين. لا أؤيد التعريف الماركسي الذي مفاده أن الرأسمالية قد وُلدت في لحظة معينة وأنها تسير نحو اختفائها الحتمي.
أعتقد، لسوء الحظ، أن الرأسمالية موجودة منذ كانت هناك مبادلات، إذن منذ عصر ما قبل التاريخ. إنها تُشير إلى نمط إنتاج الثروة، ولا أعتقد أن بمقدورنا إلغاؤها. الرأسمالية تتغير، لكنها لن تختفي.
ألان باديو: يمنح ميشال أونفري الرأسمالية تسمية جديدة باعتبارها شيئا أكثر اتساعا، هو في واقع الأمر مُجمل تاريخ البشرية منذ اللحظة التي ابتكرت فيها الزراعة المستقرة، وسلطة الدولة، والتشكيلات القومية، والحروب الكبرى، والإمبراطوريات، الخ. فمنذ أربعة أو خمسة آلاف سنة، وفي قطيعة مع ما كان سابقا (جماعات صغيرة من الصيادين وجامعي الثمار)، أخذت البشرية تتشكل تحت العلامة المشتركة للمِلكية الخاصة، وسُلطةِ دولةٍ مَسَلَّحَّة ومفصولة عن الجموع الكبيرة للناس العاديين.
إن ثمة أسبابا تدفع إلى الاعتقاد بأن الرأسمالية الصناعية هي الشكل النهائي لهذه السلسلة الطويلة من آلاف السنين. تختلف رؤانا السياسية بحسب اعتقادنا (أو عدم اعتقادنا) بإمكانية الخروج من هذه النهاية والمرور إلى شيء آخر.

p لكن لِمَ التمسك بكلمة «شيوعية» التي أتلفها التاريخ للغاية؟ هل ذلك من باب «الإخلاص» كما يقول ميشال أونفري؟

ألان باديو: تُعَارِضُ الشيوعية المقولات التي يقوم عليها النظام العام للمجتمعات القهرية السابقة، وليس الرأسمالية فقط. إنها تُشير إلى كون كل ما يدخل ضمن الصالح العام ينبغي إشاعته منذ مراسيم إنتاجه. تعني «الشيوعية»، من بين ما تعنيه، أنه من غير المقبول أن تمتلك أوليغارشيةٌ صغيرة نظير ما يمتلكُه مليارات البشر الآخرين.
منذ منتصف القرن التاسع عشر و»الشيوعية» هي الكلمة الوحيدة التي تشير إلى طموح تاريخي بحجم عصرنا: تجاوز الرأسمالية. لقد تم إنجاز تجارب عديدة تحت هذه المفردة، من كومونة باريس إلى الصين الشعبية، وقد فشلت كلها. لكنه دائما أمر في غاية الخطورة أن نستنتج من إخفاق حل مُشكلة، انتهاء المشكلة نفسها.
إذا كانت الكلمة قد عرفت إخفاقات تاريخية، فهذا يعني فقط أنه من الضروري ابتكار معاني تاريخية جديدة لها. هل تعتقد أن كلمة «ديمقراطية» لم يصبها التلف؟ الدول الاشتراكية نفسها التي يتم انتقادها بشكل جذري، كانت تُدعى «الديمقراطيات الشعبية». وماذا عن كلمة «اشتراكية»؟ لقد كان الحزب النازي يُدعى الحزب»القومي الاشتراكي» ! لا يُوجد أسهل من تعليق الفشل على شماعة المفردات السياسية.

p ماذا عنك ميشال أونفري، ماذا تعني لك مفردة «شيوعية»؟

ميشال أونفري: أتفق تماما مع هذه الفكرة التي مفادها أنه ينبغي استعادة الكلمات القديمة ومنحها معنى جديدا. لكنني أنتسب بوضوح إلى الاشتراكية، وليس إلى الشيوعية.
ألان باديو: هذا هو الفرق الحقيقي.
ميشال أونفري: لقد نجح ماركس في جعل الناس يصدقون أن كل ما عدى اشْتراكِيَتِه، التي يزعم أنها عِلمية، لن يكون سوى اشتراكية طوباوية.ما زِلْتُ أعتقد أن ثمة في الاشتراكية الفرنسية للقرن التاسع عشر، بما في ذلك برودون، ثروة كبيرة منسية، اشتراكية تحررية ينبغي اليوم التمكن من التعامل معها.
في العمق، ما يُميز بين الشيوعية والاشتراكية هو مسألة المِلْكِيَّة.إن نزع الملكية مُلازم للشيوعية. غير أنه لا يمكن الاستيلاء على ممتلكات الغير دون أن يَرُد. هذا هو الأمر الذي ووددتُ رؤيته بتفصيل أكبر في كتاب ألان باديو. إن مسألة العنف مُلازمة بشكل جوهري للشيوعية بسبب نزع الملكية. الاشتراكية التي أتمناها تَمُرُّ عبر نمط تنظيم مُختلف للإنتاج والتوزيع…
ألان باديو: إنك حقا في الاشتراكية الطوباوية! أنت تستهين بأصحاب الرساميل الذين تخدمهم جموع من المرتزقة. إن العنف شيء مقيت طبعا، غير أن الرفض المبدئي لكل عنف دفاعي، أمر غير ممكن إطلاقا. ذلك أن كل خطوة إلى الأمام، حتى في اتجاه مِثَالِك الاشتراكي، تصطدم بخصوم عاقدين العزم ومُسلحين.
في السياسة هناك أعداء، ولن تَنْزَعَ سلاحهم باللاعنف. الطريقة التي تَتَرَكَّزُ بها الرساميل، حيث يتم نهب مناطق بأكملها تحت غطاء حق التدخل “الإنساني”، كل هذا لن تستطيع مواجهته ببعض المبادرات المحلية لتعاونيات ساذجة.
ميشال أونفري: إن «العنف الدفاعي» هو القصاص، ومنذ قرون والفلاسفة يعملون على تبيان أن ثمة حلا آخر غير مقابلة العنف بالعنف بدعوى أن العنف الدفاعي قد يكون جيدا! أنا من أولئك الذين لن يتساءلوا ما إذا كان الميت شيوعيا أو اشتراكيا أو فوضويا، ويرون المَيِّت فحسب.لا يُمثل القصاص القول الفصل للفكر القانوني أو السياسي.
ألان باديو: كلا ! إن السياسة الشيوعية لا تُمارس العنف لأن العدو يُمارسه، بل لأنه يريد تدمير ما أنت بصدد بنائه. هل يُمكنك إدانة رجال المقاومة المسلحة؟
ميشال أونفري: لكن المقاومة لم تُخَلِّف أي ضحية بريئة.
ألان باديو: هذا موضوع آخر. ضد المحتل النازي، كانت هناك هجمات موجهة للقتل.
ميشال أونفري: التي كانت مُركزة! فقد كانت تستهدف النازيين والمسلحين والمُتعاونين مع العدو. نحن بصدد الحديث عن مكانة العنف في تدابير الشيوعية، التي أقول إنها مُلازمة للعنف. بإمكاننا الحديث عن المقاومة، لكن من السهل البحث عن “ عنف جميل « من خلال القول: بما أننا نُدافع عن هذا العنف، فينبغي الدفاع عن كل أشكال العنف الأخرى.
أنا لستُ ضد العنف، لكنه خطيرٌ بما يكفي «لصَرْفِنا» عن البداية به. إذا بدا في نهاية المطاف أنه أمر حتمي، حينها يُمكن التعامل معه، غير أنه يجب فعل كل شيء من أجل تجنبه.

p ألان باديو، لقد كتبتَ أنه إذا كانت هناك من حسنة للعولمة الرأسمالية، فهي تحديدا بعدها العالمي. أنت تدعو إلى أممية شيوعية ضد كل التطلعات السيادية، حتى تلك اليسارية أو المناهضة للرأسمالية.

ألان باديو: بما أنه جرى تدويل الرأسمالية، فلم يعد بإمكان المبادرة السياسية أن تَنْكَفِئَ في فضائها الوطني. يُوجد أشخاص ذوو نزعة سيادية «يسارية»، يُشكل بالنسبة لهم الخروج من أوروبا الكل في الكل، في حين أنه يُمثل تحديدا موقف الهُوِّيَاتيين المُنتمين إلى اليمين المتطرف.
صحيح أن الإدارة الأوربية تُمثل الوسيط الذي تبسط من خلاله الرأسمالية الحديثة سلطتها على الأراضي الأوربية، لكن إذا أردت محاربة هذه السلطة بالانكفاء القومي، فستضِلّ الطريق. ذلك أنه من أجل تدبير هذا الانكفاء، ستكون مجبرا على الاشتراك مع القُوَّات التي يُنَظِّمُهَا القوميون والفاشيون.
على كل حال، هناك مقولة أساسية لماركس: «ليس للبروليتاريا وطن.» فإما أنك من جهة النزعة الكونية الشيوعية، وإما أنك من جهة الرجعية الهوياتية من نوع «السيادة القومية أولا». فإما أنك تَدْعَمُ فرضيةً تُتِيح الخروج من الرأسمالية، وإما أنك تخدم التقاليد الدينية و(أو) القومية والعنصرية.
إن «أفيون الشعوب»، كما يدعو ماركس هذه التقاليد، مازال حاضِرا إلى يومنا هذا. إن لم يحصل رجوع إلى الفرضية الشيوعية، فسيكون هناك صعود للفاشيين. ما يَلْزَمُنا اليوم هو نقل الفرضية الشيوعية إلى النطاق العالمي، الذي هو نطاق الرأسمالية اليوم.

p ميشال أونفري، هل خطر الطموح السيادي أكبر من نفعه، ويقود بالضرورة إلى هذه الأخطار التي يصفها ألان باديو؟

ميشال أونفري: كيف لنا أن نقوم بتدويل ثورة لم نتمكن حتى من تحقيقها في بلد كفرنسا؟ أنا أنتمي إلى النزعة السيادية وإلى اليسار. أحيانا يكون الأمر محفوفا بالمخاطر لأننا قد نحظى بـ «أصدقاء» لا نرغب بهم، لكن دائما هناك يمين ويسار، يخضع كل واحد منهما إلى تجاذبات على المستويين الليبرالي والسيادي. إن السؤال يطرح نفسه بالتأكيد على المستوى القومي. لا يعني القومي بالضرورة النزعة القومية أو الحرب.
يُفضي القضاء على القومي، هو الآخر، إلى الكثير من البؤس والفقر، اللذين يقودان إلى حروب. إذا كنا نريد امتلاك القدرة على التصرف، فينبغي استعادة سيادتنا المفقودة. إن القومي ليس هو إغلاق الحدود والأسلاك الشائكة، وإنما هو منطقة جغرافية نختبر داخلها الأفكار التي نؤمن بها. بعد ذلك يُمكن الدخول في علاقات، وإقامة تعاون واتحاد وتبادل، وكل هذه الأشياء التي أؤمن بها.
ثُم يَصْعُبُ عليَّ أن أفهم، كيف تعتقد الفرضية الشيوعية أنها ستجعل من إيران والسعودية وإفريقيا، الذين لن يسمحوا بالأمر، مجرد لُقمة سائغة.

ألان باديو: وماذا ستفعل أنت مع الأسئلة التي تطرحها إيران أو حتى كامل إفريقيا بانكفائك القومي؟ هل تعتقد أن فرنسا ستصير، دون معركة، فضاء سلميا لتحديد وتحقيق سياسة تنشئة اشتراكية في العالم كما هو؟

ميشال أونفري: أنا أؤمن بالحراك. لم تحظ هذه الاشتراكية التحررية، التي هي محلية وعالمية في نفس الوقت، بفرصتها.
ألان باديو: لكنها لم تحظ بفرصتها لأن السلطة لا تُريد! كيف ستقوم بِإسقاط هذه السلطة؟
ميشال أونفري: لا يتعلق الأمر بـ «إسقاطها»، وإنما بتعطيلها. هنا يكمن كل الفرق. أنت تُريد «إسقاط»، وبالتالي تحتاج إلى العنف؛ أما أنا فأعتقدُ بإمكانية تجنبه وفصل الرأسمالية من خلال العمل بعيدا وبشكل مغاير.
ألان باديو: أنت تستهين بالخصم. إن جوهر الاقتصاد الرأسمالي هو القِتَال من أجل السيطرة النظامية على الرأسمال. قد نتمكن، في فضاء مهجور، من خلق نظام صناعي صغير، لكن بمجرد ما تنتبه الرأسمالية إلى وجود هذا الشيء الصغير، فسوف تستولي عليه، سواء من خلال الشراء أو الرشوة أو العنف.
ميشال أونفري: بمقدورنا المقاومة رفقة أشخاص يملكون كفاءات.
ألان باديو: لستَ بحاجة إلى كفاءات، وإنما إلى جيش كفؤ من أجل تحطيم حق الملكية البرجوازي للممتلكات المشتركة.
ميشال أونفري: لا! هذا هو الفرق بيننا. هذا كل ما يُميِّزُنَا.

p ألان باديو، هناك ما يُشْبِه نزعة تبشيرية، تُعْرِبُ عن نفسها في كِتابك. أنت تتحدث عن الخروج من الرأسمالية والعصر الحجري الحديث بشكل متزامن، إنك تُفكر في التغيير على المدى البعيد، خلال قرون، في حين أن ميشال أونفري براغماتي أكثر، ويبحث عما يُمكن فعله منذ الغد.

ألان باديو: إنك تضع الأصبع على نقطة فِعلية. لقد جانب ماركس الصواب حين اعتبر أن الشيوعية، التي لم تكن قد تجاوزت بعد مرحلة صياغتها الافتراضية وتجاربها المحلية الأولى، قد كانت مُسبقا على جدول أعمال التاريخ. في هذه النقطة، أعتبر نفسي تابعا لماو: إن الفرضيات السياسية الماركسية تنتمي إلى الزمن التاريخي الطويل.

ميشال اونفري: إن ألان باديو يندرج ضمن الخُطاطة المسيحية للباروسيا.(la parousie) أما أنا، فلا أؤمن بقدوم لحظة تتصالحُ فيها الإنسانية في يوم من الأيام. يظل الكثيرون اليوم حَبيسي خُطاطةٍ تُسمي نفسها تقدمية…من جهتي، أعتقد أنه لم يعد بوسعنا سوى “تَدَبُّر ما يتعذر علاجه”، من أجل استعادة تعبيرٍ لسيوران.لا أؤيد النزعة النُّبُوئِيَّة.
ألان باديو: لا شيء من هذا في كلامي. كما أن الزمن الطويل هو بنفس عقلانية الزمن القصير، وأنا لستُ نبيا أو مُخَلِّصا. أقول إن المهام الفورية للماركسية، لن تتضِح وتصير ممارسات فعالة ومضمونة، إلا في ظل تفكير جاد وصبور يأخذ بعين الاعتبار ما يفرضه سُمْك التاريخ وقوة العدو.

p هل تُمثل المسألة الهوياتية المرتبطة بصعود الأصولية الدينية تحديا زائفا في نظرِكما؟

ألان باديو: في ظل أزمة الرأسمالية- البرلمانية المعاصرة، لم يعد من أمل أمام مُعْوِزِي العالم سوى تبني أفكار قادرة، في نظرهم، على إعطاء معنى لأشكال تَعْبَويَّة فعالة. وسيكون الاختيار بين الكونية الشيوعية أو الرجعية الهوياتية.
لقد شَهِد العالم انفلات فاشية مُتَأسْلِمَة من عقالها، بالموازاة مع ضعف الفرضيات الاشتراكية والشيوعية، التي كانت لا تزال قوية في سنوات الستينات والسبعينات.ما لم نَقُمْ ببعث الفكرة الشيوعية، فسنحصل في كل مكان على رِجعيات وحشية.

p ميشال أونفري، بخصوص ولادة الخطر الإسلاموي، ووسائل محاربته، هل تُشاطر تشخيص ألان باديو؟

ميشال أونفري: ليس تماما. ينبغي العودة إلى الوقائع. لقد اندلعت الثورة الإيرانية قبل نهاية الاتحاد السوفياتي أو سقوط جدار برلين. عشر سنوات قبل ذلك…حَصَل انبعاث للإسلام السياسي، الذي استفاد من حركات إنهاء الاستعمار. لقد قام الغرب الأبيض المسيحي باحتلال عدد من الشعوب العربية بدعوى أنها شعوب دُنيا وينبغي التخلص من دِينِهَا. وقد جَرى بناءً على ذلك، تجميد الدين الإسلامي في الأنظمة الكولونيالية. بعد تصفية الاستعمار، طفت مسألة الهويات إلى السطح مجددا.
لقد كان ثمة مزج بين الإسلام والماركسية لفترة من الزمن. في حرب الجزائر، كانت السيرورة التحررية مُسلمة وماركسية. وقد ساد الاعتقاد بأن الإسلاموية-الماركسية، باعتبارها ديانة للمقهورين، تُشَكِّلُ آلية فعالة للغاية. ثم فقدت هذه الآلية إحدى ساقيها مع انهيار الماركسية. حينها تَمَّ التحول من الإسلاموية-الماركسية إلى الإسلاموية فحسب. لم تَعُدْ هذه الشعوب تبحثُ عن حلول في الصراع الطبقي أو ماركس، وإنما في القرآن والشريعة. إن الماركسية نقد للرأسمالية على نحو ما الإسلام نقد للرأسمالية ونمط الحياة الغربي.

p هل نعيش اليوم في ظل الديمقراطية
في فرنسا؟

ألان باديو: كل شيء يتوقف على المعنى الذي نَمْنَحُهُ لهذه الكلمة. إن الحديث عن الحرية كقيمة عليا دون ربطها بمسألة المساواة، وبالتالي المِلْكِيَّة، هو ضرب من الخيال. إن الشخص الذي يمتلك سلطة تغيير سياسة الحكومة، من خلال التهديد بنقل رساميله إلى الخارج، يتوفر طبعاعلى حرية سياسية ليست في حوزة مُتدرب ينتمي إلى الضواحي. ما دامت التفاوتات باقية على حالها، فستظل الديمقراطية مجرد خيال.

المصدر: Marianne, 13 au 19 octobre 2017

 


الكاتب : ترجمة: يوسف اسحيردة

  

بتاريخ : 16/05/2025