في ظل سعي المغرب لتعزيز مساره التنموي وتحقيق تحولات اقتصادية واجتماعية قائمة على المعرفة والابتكار، تبرز أهمية التعليم في بناء كفاءات قادرة على الاستجابة لمتطلبات العصر. غير أن الواقع يبرز تحديات جديدة تقف في وجه العديد من الشباب الطموحين الراغبين في إكمال دراستهم العليا، خصوصا أولئك الذين حصلوا على دبلوم تقني متخصص ويطمحون إلى استكمال مشوارهم الأكاديمي في المعاهد والمدارس العليا الخاصة. ومن بين أهم هذه التحديات، الإقصاء المبني على شعبة البكالوريا، وهو إقصاء بات يقف حاجزا أمام تحقيق طموحات آلاف الطلبة.
إشكالية الرفض المبني على شعبة البكالوريا
يواجه الطلبة الحاصلون على دبلوم تقني متخصص عراقيل متزايدة من طرف المعاهد والمدارس العليا الخاصة عندما يسعون للالتحاق بها من أجل استكمال دراستهم. هذه المؤسسات، التي من المفترض أن توفر تعليما متاحا وشاملا لمختلف التخصصات، ترفض قبول هؤلاء الطلبة تحت ذريعة عدم توافق شعبة البكالوريا التي حصلوا عليها مع الشُعب أو التخصصات التي يرغبون في دراستها.
هذا الإقصاء لا يرتكز على الكفاءة الفعلية للطالب أو على مؤهلاته المهنية التي اكتسبها عبر دراسته في التكوين المهني أو التقني، بل على خلفية شعبة البكالوريا التي قد لا تتناسب مع متطلبات بعض المعاهد والمدارس العليا. وبذلك، يُحرم الطالب الحاصل على دبلوم تقني متخصص من فرصة متابعة دراسته في مجال يملك فيه خبرة وشغفا، وتُعاقب قدراته الحالية بسبب قرارات سابقة متعلقة بالمسار الدراسي الذي اختاره في الثانوية.
التأثيرات السلبية على مسار الطلبة ومستقبلهم المهني
لا يخفى على أحد أن التعليم العالي، خاصة في ميدان الهندسة والتقنيات الحديثة، يعدّ إحدى الركائز الأساسية لتطوير الكفاءات الشابة وفتح آفاق جديدة لها في سوق العمل. غير أن رفض حاملي دبلوم تقني متخصص من الولوج إلى المعاهد والمدارس العليا، يُؤدي إلى نتائج سلبية متعددة، تتوزع ما بين تجميد الكفاءات التقنية «إذ يتم تحجيم قدرات الطلبة الذين أتموا تكوينا تقنيا واكتسبوا خبرات عملية، ومنعهم من تطوير معارفهم عبر التعليم الأكاديمي المتقدم»، وما بين إهدار المواهب لأن بقاء هؤلاء الطلبة في وضعية «انتظار» أو «تعطيل» يمكن أن يقودهم إلى اليأس أو البحث عن خيارات دراسية خارج المغرب، مما يعني فقدان البلد لموارد بشرية يمكنها المساهمة في تطوير الاقتصاد الوطني، إضافة إلى تشجيع الهجرة إلى الخارج، فعندما يجد الطلبة أنفسهم غير قادرين على إكمال دراستهم في وطنهم الأم بسبب عوائق شكلية، يصبح خيار الهجرة إلى الخارج هو الحل البديل. وهذا يزيد من نزيف العقول التي تحتاجها البلاد.
التساؤلات المطروحة حول سياسات التعليم الخاصة
إن هذا الوضع يُثير تساؤلات مهمة حول السياسات المتبعة في المؤسسات التعليمية العليا الخاصة. كيف يمكن لمؤسسة تعليمية عليا أن ترفض طالبا يحمل دبلوما تقنيا متخصصا، بينما من المفترض أن تكون هذه المعاهد جسورا تُسهّل الانتقال من التكوين المهني إلى التعليم الأكاديمي المتقدم؟ أليس من الأجدر أن تضع هذه المؤسسات معايير قبول تراعي الكفاءة الفعلية للطالب بدلا من التركيز على شعبة البكالوريا؟
كما أن السؤال الأهم هنا يتعلق بمدى انسجام هذا النوع من السياسات مع التوجهات الملكية السامية الرامية إلى دعم التكوين المهني والتقني للشباب و تسهيل مأموريتهم . إن بلدنا بحاجة إلى كفاءات تقنية عالية المستوى، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تسهيل ولوج حاملي الدبلومات التقنية إلى التعليم الأكاديمي المتقدم.
إن الوضع الراهن يقتضي تدخلا عاجلا لإصلاح النظام التعليمي الخاص وضمان أن يكون شاملا ومتاحا لجميع الطلبة بغض النظر عن خلفياتهم الأكاديمية السابقة، وهو ما يفتح الباب لتقديم عدد من المقترحات، التي من شان تفعيلها الخروج من وضعية الباب المسدود ، كما هو الحال بالنسبة لتعديل شروط الولوج ( من الضروري أن يتم تعديل الشروط التي تفرضها المعاهد والمدارس العليا الخاصة، بحيث يتم التركيز على الكفاءات والمهارات المكتسبة خلال التكوين التقني، وليس فقط على شعبة البكالوريا )، إلى جانب إطلاق برامج انتقالية، إذ يمكن تصميم برامج جسرية أو انتقالية تمكن حاملي دبلوم تقني متخصص من الحصول على تكوين أكاديمي إضافي يؤهلهم للالتحاق بالمعاهد العليا. هذه البرامج من شأنها سد الفجوة بين التكوين المهني والتعليم الأكاديمي، بالإضافة إلى تشجيع الشراكة بين التكوين المهني والتعليم العالي، لأن هذه الخطوة ستساهم في تطوير برامج مشتركة تسهل انتقال الطلبة بين المستويين التعليميين.
إن هذا التشخيص، هو بمثابة رسالة مفتوحة إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، لأن الإقصاء المبني على شعبة البكالوريا يُعتبر عقبة كبرى أمام تطور التعليم في بلادنا، فنحن بحاجة إلى نظام تعليمي مرن يتجاوب مع تطلعات الشباب ويعترف بكفاءاتهم دون أن يُقيدهم بقيود شكلية، وهو ما يجعلنا نأمل من أن تكون هناك استجابة من الوزير الوصي على القطاع تتمثل في معالجة هذه الإشكالية بما يخدم مصلحة الطلبة ومستقبل المغرب.