العمران الهراويين ..مسؤولو الجماعة يختبئون وراء جمود« مشروع التأهيل» لتبرير إخفاقاتهم
إذا كانت بلادنا قد وضعت مخططا طموحا للقضاء على السكن غير اللائق ومكافحة السكن الصفيحي منذ أن أعطى جلالة الملك محمد السادس الانطلاقة لبرنامج «مدن بدون صفيح « في 24 يوليوز 2004، الهادف إلى القضاء على المنازل الصفيحية بالمدن المغربية، وتوفير السكن اللائق للمواطنين، والذي يهم 270.000 أسرة سنة 2004 موزعة على 85 مدينة، حسب معطيات أولية ، لكن هذا الرقم سيرتفع إلى678 . 446 حسب تحيين معطيات 2023، فإن ما يقف عليه الزائر لبعض من تلك المناطق التي نقل إليها المستفيدون يصطدم بحجم المظاهر السلبية التي تؤثث مختلف جنبات هذه الأحياء «الجديدة».
في هذا الريبورتاج سوف نتتبع قليلا ما وصل إليه هؤلاء السكان المرحلون، والنموذج من «مشروع العمران الهراويين»، محاولين الكشف عما إذا كان هذا البرنامج قد وفر لهم فعلا ظروف العيش الكريم، واستجاب في تنزيله لما جاء في الخطاب الملكي إلى المشاركين في الملتقى الوطني حول الجماعات المحلية بأكادير يوم 12/12/2006 : «غايتنا المثلى، ليس فقط تحقيق مدن بلا صفيح، ولا استبدالها بمساكن أشبه بعلب الإسمنت عديمة الروح الاجتماعية، وإنما بالأحرى، جعل مدننا ترتقي إلى فضاء للتساكن والعيش الكريم، ومجال للاستثمار والإنتاج، في حفاظ على طابعها الحضاري المتميز. »
الحالة المزرية للشوارع هي أول ما يلفت انتباهك عندما تطأ قدمك هذا الحي المكتظ بسكانه البالغ عددهم 50 ألف نسمة تقريبا، والمرحلون إلى منطقة الهراويين من كريان سنطرال بالحي المحمدي… شوارع مهترئة مليئة بالحفر والمطبات والأتربة ومياه قنوات الصرف الصحي، مما يضفي على المكان طابعا من الإهمال المغلف بالنسيان..
لا شيء يوحي بأن هذا الحي جديد لم تمر على إنشائه إلا بضع سنوات قليلة جدا، منازل متكونة من ثلاثة طوابق إضافة إلى الطابق السفلي الذي قد يكون شقة سكنية أو محلا تجاريا (مكازا)، فقدت صباغتها ولمعانها وأحاطت بها أكوام الأزبال والنفايات بل إن مكبات النفاية تلفت الانتباه وتصدم العين وكأنها تتحدى المارة معلنة أن لها الحق مثلها مثلهم في أن تتواجد في هذا المكان، أكوام وأكوام و”بركاسات” تنوء بحملها النتن، تستقبل زوارها من طيور ودواب وكلاب ضالة بل حتى البشر “البوعارة” “يقلب” وسطها عما قدم يفيده ليبيعه من بلاستيك وكرتون وقارورات يضعها في عربته البدائية ويعرقل بها السير…وضعية مزرية تدفع إلى الذهن بسؤال: من يدبر النفايات بهذه الأحياء ؟ ولماذا تترك هكذا وسط الشوارع وفوق الأرصفة؟ !
منظر يتكرر في كل زوايا هذا الحي، متماهيا مع الأسواق العشوائية المتناثرة هناك وهناك بدوابها وعرباتها و “تريبورتوراتها”، وبصياح الباعة، والفوضى العارمة التي تعم المكان، أسواق بلا تنظيم أو نظام، الكل يبيع ويشتري وسط خيام مهترئة أو فوق طاولات خشبية، والبضائع تبتدئ من الخضر والفواكه وتصل إلى الأواني المنزلية والملابس والأحذية، مرورا باللحوم البيضاء ولحم الرأس والأحشاء، في تخاصم تام مع النظافة وشروط الصحة، نساء ورجال من مختلف الأعمار يعرضون بضائعهم الرخيصة في قيمتها المادية ولكنها طوق النجاة الذي يتشبث به هؤلاء علها تنجيهم من السقوط الحر في لجج الفقر والعوز..
” ما عندي ما ندير، ملي حولونا ما بقيتش كنخدم، المسافة بعيدة بزاف عن الحي الصناعي فعين السبع، وأجرتي الشهرية كانت تبتلعها وسائل النقل”، تقول فاطمة، بائعة الأواني البلاستيكية التي تجلس هي وبضاعتها فوق الأرض مباشرة، “اضطريت نخرج من الخدمة وبديت نبيع ونشري باش نعيش … !”. بالقرب منها خضار يعرض خضرواته المتنوعة فوق عربة يجرها حمار هزيل مستسلم لمصيره البئيس، من خلف ضباب سيجارته يظهر وجه البائع المتعب وكأنه لم ينم منذ أمد،” لقينا غ هاد الحرفة باش نعيشو الاولاد وامهم، هنا ما كاين والو لا خدمة لا معامل، جابونا هنا ونساونا.. حتى الطرنسبور قليل خصنا جوج طاكسيات باش نوصلو لأي بلاصة بغيناها ” !
عند زيارتنا لهذا الحي بدا أن الغاية التي تحدث عنها جلالة الملك لم يستوعبها ربما بعض القائمين على تنفيذ هذا البرنامج بالشكل الذي تم التفكير فيه، فعلا لقد تم بناء منازل للسكان وتم إيواؤهم بها بعد تقديم عدة تسهيلات لهم لكن مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية ازدادت تفاقما، كما أن جانب المتابعة والصيانة للطرقات والمرافق التي يستفيد منها السكان منعدم وغير كاف، وترك الأزبال لتنتشر في كل مكان يوحي بأن هذه الأحياء عبارة عن جزر منعزلة منسية، فبعدها عن مركز المدينة والمصانع وقلة مناصب الشغل إن لم نقل انعدامها، كرس عزلة السكان وزاد من معاناتهم، وولد لديهم شعورا بـ”الحكرة” تزيد منها تسمية الحي نفسها “الهراويين “”، وذلك بسبب ما تحمله هذه التسمية في المتخيل البيضاوي من سلبيات، والتي تشعر الساكنة بالنقص وتعرضهم للتنمر، بل قد تقف عائقا أمامهم مما يضطر الكثير منهم خصوصا الباحثين عن شغل من الشباب والشابات إلى عدم ذكر عنوانهم في) (cv أو تغييره. “حكرة” لن تمحوها إلا إرادة حقيقية في تفعيل روح الخطاب الملكي السامي الذي كان الانطلاقة لهذا البرنامج…
الوضع الذي نعيشه كارثي، يقول أحد نواب رئيس جماعة الهراويين، فعلا وجدنا منازل، نحن ساكنة الحي المحمدي كريان سنطران المرحلون منذ2010 إلى منطقة الهراويين التي تضم ساكنة تزيد عن 120 ألف نسمة منها 50 ألف نسمة من ساكنة العمران والباقي من الهراويين الشمالية، لكن أول مشكل طرح هو طريقة حصولنا على هذه الأرض وطريقة بناء المباني، لقد تم جمع كل أسرتين (حالتين مدنيتين) في بقعة مساحتها 84 مترا مربعا دفعنا مقابلها 40 ألف درهم، أي 20 ألف درهم لكل أسرة أو حالة مدنية، لكن الأسر الفقيرة ستصطدم بإشكال من سيبني هذه البقع، وجاء الحل بإدخال شريك مع الأسرتين( مول الشكارة ) يقوم ببناء البقعة ويحصل على شقتين، أي 50 في المئة من العقار، فيما تحصل كل أسرة على شقة، أي 25 في المئة، أما الأسر التي لم تستطع إيجاد شريك فإنها ستضطر للالتجاء إلى البنوك.
مشاكل كثيرة تمخضت عن عقد الشراكة بين مول الشكارة والأسر التي تريد بناء عقارها وكان أكثرها انتشارا مشكل الحصول على رخصة السكن حيث أن أكثرية الأسر وجدت صعوبة كبيرة في الحصول عليه بسبب عدم توفرها على المال، وتملص “مول الشكارة” من دفع قيمة الضريبة على رخصة السكن إلى الآن، أدى إلى تراكم مبالغ كبيرة وديون سنوية، وصلت أربعة ملايين سنتيم لكل بقعة تقريبا، وهي مشاكل جرت المعنيين إلى متاهات وردهات المحاكم، والحل، يقول ذات المتحدث، بيد وزارة السكنى والمجموعة الحضرية. المتضررون يقولون إن هذه هبة ملكية لماذا علينا أن نسدد كل هذه المبالغ ولكن القانون يفرض عليهم الأداء، ويبقى المشكل مطروحا إلى ما لا نهاية. وتساءل لماذا لا يكون هناك تجزيء في دفع مبلغ رخصة السكن حسب نسبة كل واحد من المستفيدين وعلى أساسه يحصلون على الرخصة دون انتظار الآخرين؟
وعودة إلى ما يعرفه هذا المشروع من تدهور شديد في بنيته التحتية وشوارعه وإنارته العمومية، وانفجار قنوات الصرف الصحي في طرقاته، قال محدثنا : في 2010 بدأت شركة العمران في شق الطرقات وتجزيء الأراضي وتجهيزها بكل المعايير المطلوبة، وابتدأت أولى اللبنات، ولكن في عهد المجلس السابق من 2015 إلى 2021 بدأت تظهر تدهورات على مستوى الشوارع التي تخربت بسبب الحركة الكبيرة التي عرفتها والشاحنات الثقيلة المحملة بمواد البناء، لكن المشكل لم يكن ليطرح لو أن الشركة المسؤولة عن المشروع قامت بعملها على الوجه المطلوب، فكيف لمشروع لم يتجاوز عمره العشر سنوات أن تتحطم بنيته التحتية وشوارعه بهذا الشكل المخجل ؟
هناك مشروع، يقول ذات المتحدث، تسهر عليه وزارة الداخلية والسكنى والتجهيز وشركة العمران والمكتب الوطني للكهرباء، خصصت له ما بين 8 إلى 12 مليار سنتيم لإعادة تأهيل المنطقة على مستوى البنية التحتية والطرقات والإنارة والحدائق ولكن تاريخ إخراجه إلى حيز الوجود لا يعلمه إلا الله ..والمشروع متوقف ولا نعلم السبب، ولماذا هذا “البلوكاج” والتعتيم الذي يحيط به، وهو الشماعة التي يعلق عليها المسؤولون في الجماعة تماطلهم عن بدء أي إصلاح.
أما بالنسبة للأزبال فليس هناك أي شركة مكلفة بالنظافة في هذه المنطقة، هناك فقط “براكس” تجمع فيها، وتم التصويت على مبلغ 8 ملايين سنتيم لشرائها، واقترحنا أن نتعاقد مع شركة لجمع النفايات لكن لم يلق اقتراحنا أي تفاعل، كما صوتنا على شراء شاحنة كبيرة لجمع الأزبال بثمن 120 مليونا لكننا سنفاجأ أن ما تم اقتناؤه ليس سوى شاحنة صغيرة بثمن الشاحنة الكبيرة !؟
الأسواق العشوائية غير المنظمة، وعوض أن يجد لها المدبرون الحل المناسب تفتقت عبقريتهم وفكروا في شراء أرض لتنظيم سوق أسبوعي في منطقة حضرية…وهذا ليس سوى رجوع إلى الوراء وتخلف عن ركب التقدم، أما المجال الصحي فيعاني بدوره من الخصاص الشديد على مستوى الموظفين، فالمركز الصحي الوحيد بالعمران به طبيبة وحيدة فقط وليس هناك مستعجلات والمرضى عليهم الانتقال إلى مستعجلات مديونة ومن تم إلى سيدي عثمان في رحلة شاقة قد تنتهي بالوفاة !
مشكل كثيرة لا يسع المجال لذكرها لكنها كلها تصب في خانة المعاناة التي فرضت على السكان المغلوبين على أمرهم، مشاكل تنعكس سلبا على معيشهم اليومي، وعلى حياتهم التي انقلبت رأسا على عقب منذ ترحيلهم إلى هذه الجزر المعزولة والنائية، مشاكل تنعكس على شباب ارتفعت بينه نسب الإجرام وتعاطي المخدرات والسرقة وقطع طرق المارة والتهديد بالأسلحة البيضاء، وعلى نساء ورجال فقدوا عملهم بسبب بعد المسافة وهزالة الأجور، وعلى أطفال محرومين من حدائق ومساحات خضراء للعب فيها مما يؤثر سلبا على نموهم وسعادتهم، (هناك مشروع منتزه “الحلحال” على مساحة 8 هكتارات لكنه لا يزال حبرا على ورق).
الحالة التي وصل إليها هذا الحي، والتي يتشابه فيها كل الأحياء التي نقل إليها سكان أحياء الصفيح بكل مناطق الدار البيضاء توحي بأن هناك من لم يقم بعمله بالشكل المطلوب، عمل كثير وكبير لا يزال ينتظر من يقوم به بتفان ومسؤولية وحب لهذا الوطن، لتأهيل هذه الأحياء والخروج بها وبساكنتها من الوضع المزري التي تعانيه من جميع النواحي، بغاية تحسين فعلا ظروف العيش الكريم والمنتج !