أشعلت مصادقة المجلس الحكومي على مشروع القانون الإطار رقم 51.17 فتيل الغضب من جديد بين كل مكونات المجتمع المغربي، والتي كانت قد أذكتها توصيات المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي بفرض «رسوم الأداء» في مجال التعليم العمومي إيذانا بنهاية مجانية التعليم في المغرب، وضرب مبدأ تكافؤ الفرص بين ابناء الشعب، وحرمانهم من حقهم الدستوري في التعليم.
و بمصادقتها على مشروع القانون،تكون حكومة العثماني قد دقت آخر مسمار في نعش مجانية التعليم في بلادنا ، ومأسست لتخلي الدولة عن مسؤولياتها الاجتماعية في ضمان حق أبناء وبنات الشعب المغربي في تعليم مجاني وذي جودة؛ومواصلة عملية تسليع التعليم عبر فتح القطاع، من الأولي إلى العالي، أمام الرأسمال المحلي والأجنبي.
وفي انتظار عرضه على المجلس الوزاري والبرلمان، يسود غضب عام بين كل مكونات الشعب المغربي ،يندد بحرمان أبناء الشعب من حقهم الدستوري في التعلم بالمجان.
وفي هذا الصدد التأمت هيآت نقابية و حقوقية ممثلة في ( النقابة الوطنية للتعليم العالي SNESUPوالنقابة الوطنية للتعليم CDT والنقابة الوطنية للتعليم FDT والجامعة الوطنية للتعليم FNE والجمعية المغربية لحقوق الإنسان AMDH وأطاك المغرب ATTAC ) بالمقر المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان يوم الثلاثاء 9 يناير 2018 ،و أصدرت بيانا عبرت فيه «عن شجبها المطلق لكل السياسات النيوليبرالية التي تهدف القضاء على المرافق العمومية التي ضحى من أجلها الشعب المغربي بالغالي والنفيس.وتقف في وجه المد المتسارع لتسليع التعليم ولكل السياسات التراجعية على مكتسبات الشعب المغربي وحقه في التعليم المجاني الجيد المعمم والإلزامي.
إدانتها لكل الامتيازات التي تعطى للقطاع الخاص (من إعفاءات ضريبية، أموال عمومية…) من أجل جني الأرباح على حساب الخدمات العمومية ،وتستنكر غياب المحاسبة وتطالب بجعل حد للإفلات من العقاب ومتابعة كل المتورطين في إهدار المال العام المخصص للمخطط الاستعجالي 2009 – 2013 كحلقة من الهجوم على قطاع التعليم؛
الهيآت مستعدة لخوض كافة الأشكال والمعارك النضالية لمجابهة ومواجهة هاته المخططات الرامية إلى تجهيل أبناء الطبقات الشعبية والفقيرة.
الجامعة الوطنية لموظفي التعليم بدورها اعتبرت أن «مقتضى فرض رسوم يدشن لعهد جديد بالتعليم العمومي ويعد مدخلا للإجهاز على حق التعلم كحق طبيعي لا يتجزأ عن منظومة حقوق الإنسان، كذا الحقوق الاجتماعية والاقتصادية التي يكفلها الدستور المغربي وتضمنها الدولة كخدمة عمومية مجانية».
في حين، وصف بيان الفيدرالية الوطنية المغربية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب، مشروع القانون الاطار بـ»القرار الانفرادي واللاشعبي الذي يضرب في العمق مجانية التعليم كحق دستوري …و أن هذا المشروع «ضرب لكل المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، وضرب للقدرة الشرائية لطبقات عريضة من الشعب المغربي التي تعاني الفقر والتهميش».وكشف بلاغ للفيدرالية ، أنها تحضر أيضا لوقفات احتجاجية تشارك فيها أسر التلاميذ، ومسيرة وطنية لمطالبة الحكومة بالتراجع عن القانون.
من جهته، اعتبر محمد درويش، الكاتب العام السابق للنقابة الوطنية للتعليم العالي أن الحكومة «تواصل الإجهاز على مجانية التعليم، إذ أن التعليم في المغرب ليس مجانيا، فالتلاميذ يؤدون رسوم التسجيل، وكذلك طلبة المعاهد دون أن يعرف أحد أين تذهب الأموال التي تم تحصيلها».
ويرى درويش أن المواطنين قد يؤدون رسوما جديدة، لكن المشكل الأكبر هو غياب الثقة، إذ أن هذه الأسر لم تر أي إجراءات ملموسة في حق المسؤولين عن الوضع الحالي رغم الأموال التي تم رصدها، مشددا على أن إصلاح التعليم لا ينبغي أن يمر عن طريق ضرب المجانية، واثقال كاهل الأسر.
وذكر درويش بموقف نقابته التي انسحب ممثلها عبد الكريم مدون من مجلس عزيمان، بسبب رفضه الاجهاز على مجانية التعليم، فيما ظلت باقي النقابات محافظة على عضويتها داخل المجلس، وقبلت بتمرير رأي يضرب في الصميم مجانية التعليم.
تبريرات الحكومة .. هروب الى الامام
وأمام هذا المد الاحتجاجي الرافض لضرب مجانية التعليم تحاول الحكومة إخماد جدوة الغضب، حيث سعت أكثر من مرة لطمأنة الأسر المعوزة والمتوسطة، بكون الأسر الميسورة هي المعنية بدفع رسوم التسجيل. فقد خرج كل من رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، والناطق الرسمي مصطفى الخلفي مباشرة بعد المصادقة على مشروع القانون الإطار لينفيا وجود أي توجه للحكومة لإنهاء مجانية التعليم، وبحسب مصطفى الخلفي فإنه بموجب هذا القانون «تضمن الدولة مجانية التعليم الإلزامي، الذي يشمل التعليم الأولي للأطفال المتراوحة أعمارهم بين 4 و6 سنوات، والتعليم الابتدائي والتعليم الإعدادي (أي من 4 إلى 15 عاما)».
في يرى أوضح لحسن الداودي وزير الشؤون العامة والحكامة، ووزير التعليم العالي سابقا، أن التحدي هو تحسين وضعية الفقراء، وإعفاء الفئات المعوزة والمتوسطة، مضيفا أن معايير التحديد ستراعي الاختلافات المجالية، «فالموظف الذي يبلغ راتبه 10 آلاف درهم يعتبر فقيرا في مدينة كالدار البيضاء والرباط»، أما الذين يتجاوز دخلهم 15 ألف و20 ألف درهم شهريا ويدرسون أبناءهم في القطاع الخاص، فهم مستعدون لأداء ألف درهم سنويا ،إذا ما قدمت لهم ضمانات أن أبناءهم سيدرسون في ظروف جيدة، بحسب رأيه.وبحسب الداودي، فإن الأمر قد لا يتطلب إجراء دراسة معمقة في الموضوع، بل إن النص التنظيمي المقبل يمكن أن يتحدث عن الحد الأدنى لدخل الأسر المعنية بأداء هذه الرسوم، لكن قرارا كهذا سيحتاج بعض الوقت ولا يمكن تطبيقه بين عشية وضحاها.
كلام الداودي أجج حالة من الغضب في الشارع المغربي ، الذي اعتبر ان حديث الحكومة عن كون الأسر الميسورة هي وحدها المعنية بالإجراءات التي نص عليها القانون، يعتبر ضحكا على الذقون لكون كل المغاربة يعرفون أن الأسر الميسورة لا ترسل أبناءها للتعليم العمومي، والأمر نفسه بالنسبة للأسر المتوسطة، وما دون المتوسط، حيث لم يعد الطلب على المدرسة والجامعة العمومية إلا من طرف المغاربة الفقراء الذين لا حول ولا قوة لهم، خاصة وهم يلاحظون ما تعرفه المؤسسات التعليمية العمومية من تدهور سنة بعد أخرى. وبالتالي فكل حديث عن مساهمة الأسر هو تزييف للحقيقة وهروب إلى الأمام ومس بحق المواطن في التعليم، أيا كان انتماؤه الاجتماعي”.
فالتعليم حق لكل مواطن على المجتمع والدولة توفيره كخدمة عمومية، يؤدي عنها الضرائب كل بحسب مدخوله وإمكاناته، وبالتالي لا معنى لإضافة رسوم جديدة، ستثقل كاهل الفئات الفقيرة، لأن الفئات الأخرى بمن فيها تلك القريبة من عتبة الفقر تعاني الأمرين مع تعليم خصوصي يشتغل بلا حسيب ولا رقيب ويفتقر إلى الجودة والمصداقية”.