واش حنا هوما حنا.. -07- بوجميع.. وضرب المرأة

هي مظاهر ومشاهد إما عشناها أو واكبنها كأحداث ، منها ما يدخل في إطار نوسطالجيا جمعتنا ومنها ما هو حديث مازلنا نعيشه ، في هذه السلسلة نحاول إعادة قراءة وصياغة كل ما ذكرنها من زاوية مختلفة ، غير المنظور الآني في حينه لتلك المظاهر والمشاهد والتي يطبعها في الكثير من الأحوال رد الفعل والأحكام المتسرعة ، وهي مناسبة أيضا للتذكير ببعض الجوانب من حياتنا ، وببعض الوقائع التي مرت علينا مرور الكرام بدون تمحيص قي ثناياها…

هنا لن أذكر الأسماء وسأستعين بأسماء مستعارة، المغزى هو إطلالة على جيل السبعينيات ودرجة الوعي السائدة آنذاك…
في الفترة التي نتحدث عنها، لم تكن ناس الغيوان أو أي مجموعة أخرى قد تأسست بعد. آنذاك، كان بوجميع، والعربي باطما، وعمر، إلى جانب عدد من أصدقائهم، يجتمعون، بعضهم من أبناء الدرب، وآخرون من زملائهم في المسرح، حيث كانوا يزاولون هذا الفن تحت إشراف الطيب الصديقي، وبطبيعة الحال كان أيضا عدد من المثقفين، وسط هذه الجموع كانت الشابات من أقرانهم حاضرات، وهو ما يبرز درجة الانفتاح عند الشباب في تلك الحقبة.. من بين من كانوا يختلطون مع هؤلاء في لقاءات الصداقة تلك، أحد أصدقاء بوجميع والذي لم تكن له حرفة أو مهنة، فقط كان لصيقا بهذا المجمع مما جعل له حظوة بينهم بفضل بوجميع. سنسمي صديق بوجميع هنا سيزيف…
في لقاءات الشباب هذه، كان السمر والنقاش والنكتة وكل ما تتخيل أن يفعله الشباب، لكن بالضوابط المتعارف عليها في الضمير الجمعي.. من بين المنازل الشاهدة على تلك التجمعات واحد لفنان معروف، وكان يوجد في مركز المدينة، وبالضبط بمصطفى المعاني، كان أغلب هؤلاء الشباب ينتمون لعائلات فقيرة، لكن تضامنا كانوا يحاولون التغلب على الظروف ليعيشوا وقتهم كسائر شباب العالم، الحياة بهمها ولذتها، كانت إحدى صديقاتهم دائمة الحضور بعد أن تنتهي من عملها الفني، شأنها شأن كل زملائها الذين يتقاسمون معها هذه المهنة المضنية والمجحفة في تلك الفترة، كانت نشيطة خفيفة الظل، تشكل مع بوجميع ثنائي المرح وسط هذه الجوقة الواسعة المتعددة الأمزجة، عندما يأتي بوجميع كان هي أول من يسأل عنها لترد عليه بنكتة أو جملة استفزاز للدخول في مجادلات الضحك والمرح و» الشدان، أي شد فيا نشد فيك»، لمواجهة تعاسة اليوم المليئة بالإحباط ونهش عرق اليوم وتنمر القائمين بضربة زبونية على أمور الفن…
ولأن بوجميع مرح بشوش رغما عن «تعنتر» المحظوظين، دخل في تلك الليلة فوجد الجو وسط البيت الملاذ، مكهربا، سأل عن الصديقة التي كان صوتها يضفي الحياة في مجمع المهمومين ذاك، فجاءه الجواب متثاقلا متحشرجا من أحدهم ، « إنها في الغرفة مع فلانة تضمد كدمات وجهها لأن سيزيف ضربها»، جلس في أقرب ركن وجده، عم الصمت وساد جو بشبه الغبن.. صمت بوجميع طويلا وهو يلوي بأصابع يده ظفائر شعره، قبل أن يخرج صوته غير الموجه إلى أي أحد، فعيناه كانتا تنظران في زوايا بعيدة عن الجميع:
هاد سيزيف ماقدش يضرب الكوربة على كتافو
هاد سيزيف ماقدش يضرب تمارة على راسو
هاد سيزيف ماقدش يضرب للي ضاربينو
هاد سيزيف ماقدرتش النفس ضربو على راسو..
وظل بوجميع يردد مثل هذه العبارات والجميع صامت، ووسط هذا الترديد فتح سيزيف الباب وخرج، ومن ثمة لم يعد !


الكاتب : n العربي رياض

  

بتاريخ : 08/03/2025