مات أوسكار فيلوني، مات الرجل الذي كان واحدا من صناع أفراح الرجاء والوداد، غادرنا عن سن يناهز 78 سنة، وهو يحمل في قلبه غصة عميقة بعد أن وجد نفسه وحيدا وهو في أرذل العمر.
حين سئل ذات يوم عن شعوره مع إنجازاته، قال «الألقاب جزء من التاريخ وأنا دائم التفكيرفي المستقبل… الألقاب ملك للفرق وجماهيرها، وأنا مجرد مدرب اشتعل بجد وبحماس». لكنه نسي التفكير في المستقبل وأنهى جزءا كبيرا من حياته وحيدا رفقة زوجته بعد أن أصابها السرطان. نسي الرجل كل إنجازاته، وألبوم الصور التي تشهد له بذلك وأبدى استعداده لقبول أي عرض من أي فريق، حتى ولو كان من الأقسام الصغرى التي لا يتذكرها أحد، إلا حين تنطلق مباريات السد لارتباطها في أذهان المتتبعين بصور المعارك وحلبات الملاكمة وليس كرة القدم. قبل بذلك حتى يسدد فاتورة علاج زوجته، ليجد نفسه في الأخير في الشارع بعد أن تم إفراغ المنزل الذي كان يسكنه وهو في رحلة علاج بالدارالبيضاء، لم ينقذه من هذا الموقف المحرج سوى أحد المحبين لفريق بيضاوي آواه في بيت بضواحي الدارالبيضاء عجز في ما بعد على أداء إيجاره الشهري.
انطلقت مسيرة أوسكار بالمغرب مع فريق الرجاء البيضاوي سنة 1998، إذ حصل في موسمه الأول على لقب البطولة الوطنية وكأس إفريقيا، كما حاز في المواسم التي تلت على البطولة، وكأس إفريقيا، والكأس الممتازة، والكأس الأفرو أسيوية، وضمن للفريق أيضا المشاركة في كأس العالم للأندية بالبرازيل عام 2000، كما قاد أوسكار فريق الوداد إلى الفوز بكأس العرش ثم كأس إفريقيا الممتازة في 2002 وبلغ معه نهائي بطولة دوري أبطال العرب في عام 2008.
لم يتألق مع الفريقين البيضاويين فقط، بل فاز بالدوري الإيفواري : 4 مرات: سنوات 94-95-97-98، وكأس الكوت ديفوار مرتين 95-97 وكأس فيليكس هوفيت بوانيي ثالث أهم بطولة في الكوت ديفوار أربع مرات 94-95-97-98، والدوري التونسي سنة 2003.
بعد أن لعب أوسكار في إستوديانتيس الأرجنتيني وإينديبيديينتي وريال أوفييدو، ولج ميدان التدريب سنة 1980 عبر بوابة سيون سويسري، كما أشرف على تدريب أهلي طرابلس الليبي والترجي التونسي ومولودية الجزائر، وأسيك أبيدجان الإيفواري، والترجي التونسي، والعين الاماراتي، والأهلي الليبي ، واتحاد العاصمة الجزائري..
كل هذه الانجازات لم تشفع للمدرب الارجنتيني، بعدها، بالاستمرار في التدريب بالقسم الأول لعدم توفره على متطلبات زمن « الاحتراف «، في الوقت الذي يعجز فيه العديد من حملة محافظ من دبلومات « أسبوع من التكوين» على كتابة أسمائهم في لائحة المدربين المتوجين بأحد الألقاب، ويتبجحون في أحسن الأحوال بأنهم أنقدوا الفريق من النزول إلى القسم الموالي.
قد يلوم البعض فيلوني كونه لم يحسن التصرف وقت تألقه، لكنهم ينسون أنه صرف كل ما يملك على علاج زوجته، وقد يكونون على حق، لكونه رفض الانصياع لرغبات الحياة، وفضل أن يموت كريما على أن يمد يده طلبا للصدقة أو طمعا في إغراء، فكل المساعدات على قلتها، جاءت بمبادرات إنسانية من بعض لاعبي الرجاء الذين تدربوا على يديه، على قلتهم، ومن رئيس سابق للفريق الأخضر، وقد يلومونه حين رفض عرض صهر رئيس دولة عربية سابق كلف وسيطا كان يعمل مديرا لإحدى الشركات العالمية بإغرائه بمبلغ مالي كبير مقابل تسهيل فوز فريقه في منافسة افريقية على فريق الرجاء، لكنه رفض، لأنه ليس من النوع الذي تشترى ذمتهم، وقال حينها للوسيط « فرحة الشعب الذي ينتظر تتويج الرجاء أغلى من الأموال التي تعرضها عليّ.»
ما كان ليقبل وهو الذي سبق وأدى من ماله الخاص، مستحقات فندق عجز فريق مغربي على تأديتها. حتما سنعاين يومه الأربعاء جموعا غفيرة في المقبرة، سنسمع الكثير من الكلام عن مناقب الرجل وإنجازاته، ستحضر وجوه ربما لم تر فيلوني منذ آخر إنجاز للرجل بالمغرب، لكنهم، بعد مراسيم الدفن، سيغلقون كتابه إلى الأبد في انتظار رحيل جديد، ليعيدوا الحكاية من جديد. فوداعا أوسكار ولا عذر لأحد على نسيانك.