« كان صديقي ..
كان
ممتلئا .. بالألوان»
عدنان الصائغ
غارقا في رواية « المواطن لا … والحاكم بأمره « للتونسي محمد ساسي الكركري، يصلني من هاتفي إعلام بوصول رسالة إلكترونية من الصديق بوعيطة تحمل خبر رحيل الناقد محمد داني:
)مساء الخير أخي الفاضل عبد الله
رحم الله صديقنا واخينا السي محمد داني
إنا لله وإنا اليه راجعون(
لم تنته الرسالة، ولم ينته الدمع ومأساة ما ارتكبه الموت اليوم، لأن الفقيد من الأصدقاء الذين يقطرون عسلا، ومن القلة القليلة في «زمن القمل « هذا، على رأي شهيد القصيدة المغربية عبدالله راجع، ولأنه واحد من المهووسين بالكتابة في الظل، ولا حاجة له بكثرة الميكروفونات والأضواء الكاشفة والمديح العالي، لكنه يظل مشتبكا بالحياة، وممسكا بتلابيبها .
عاشق لخلوته ولا يعني أنه وحيد، ف» الوحدة والخلوة شيئان مختلفان، الوحدة أن تكون وحيدا، أما «الخلوة فهي أن تكون وحدك دون أن تشعر بالوحدة «، وفي هذا المحراب ظل ممسكا بالكتاب والحياة، ومشتبكا مع فعل الكتابة، ولم يسترح كل سنوات العمر حتى فتح قلبه للطبيب، ونادرا ما التقيت صديقا ممتلئا بالقراءة ، فياضا بالكتابة، وتكتبه نصوصه قبل أن يكتبها.
محمد داني صديق موغل في إنسانيته، في الموعد يأتي، مبتسما كالنسيم العذب، حين أكون في « كازا»، وكل حديثه يجعلني أنسى أنني « زعلان» ،وأن البلد أصبح قصيدة حزن كلاسيكية حتى يوم الأحد، يظل يبتسم لتوصيفي حتى نقترب من البحر، و…نظل نطل عليه من الشرفة السفلى لمقهى الغروب .
صديقي كاتب ماطر ومتعدد ، وافر العطاء، ونهر من السخاء النقدي، وكل ما لديه أن يقوله، قاله في العديد كتبه النقدية، بعيدا عن النرجسية الثقافية التي يلهث خلفها الأدعياء والعاطلون عن الموهبة، وأستحضر قصصه القصيرة « ، وكتبه النقدية التي استضافت مجموعة من التجارب القصصية والروائية والشعرية ،كذلك الكتاب الموجه للطفل.
قاص ولم أقرأ له قبل أن أقرأ قصصا وكان موفقا ، لأنه يتمتع بموهبة وغزارة لونية متنوعة، وكثيرون أحبوه لأن قلبه حديقة، كراسيها تسع الكبار والأطفال .
في آخر لقاء شممت نفس كلماته تقطر ألما وحرقة حد البكاء، منذ رحيل رفيقة دربه ونصفه الثاني، إنه حسه الإنساني الفريد والمميز في هذا التوقيت الذي أصبحت فيه العلاقات عابرة وغير رزينة، وغير قابلة للتفاني حتى آخر العمر .
ولن أراه عقب زيارتي الشهرية للطبيب ، لن أجده ينتظرني بمقهى فرنسا، وفي أبريل القادم لن نلتقي بالمعرض الدولي للكتاب كي أوقع لك مجموعتي القادمة « غرفة الليخيرو»، لكن حضوره في الذاكرة والقلب، يظل يشق مجراه الخاص، وليس من شك أنه التحاب الذي أسسناه أكثر من عشرين سنة.
نفس التحاب من أحزن الشاعر والباحث عبد الإله بعيصيص، وكتب على صفحته بالفايسبوك :» حزين جدا لأن صديقي الهادئ يترجل عن صهوة الحياة، كان إنسانا بما تحمله الكلمة من معاني النبل والشهامة، التقينا على الصفحة الثقافية حينها، هو قاص كبير وأنا أتهجى أولى قصائدي ، وقادتنا مسارات الحياة لنلتقي في أقاصي تارودان «، وكتب المبدع والناقد التونسي حزنا : «نلتقي أمام ألفا 55 بالمقهى المقابلة لها لأني آتي من خارج المدينة، أسكن بطريق بوسكورة بالمستقبل. ستجدني هناك إن شاء الله. وإذا لم يسعفنا اللقاء لا قدر الله، فاترك النسخ بالفندق سي بوحوش».
هذه آخر رسالة بيني وبين الفقيد الدكتور محمد داني. كان ذلك يوم 7 أبريل 2024، وكان الحديث بيننا يجري عن تسليمه خمس نسخ من كتابه الموسوم ب’ في القصة القصيرة جدا: محمد بوحوش نموذجا.لم نلتق. لكنه تسلم النسخ وفرح بها أيما فرح. لم نلتق لكنني عرفت النبل والأخلاق الفاضلة والتواضع والطيبة في شخصه.
تابعت حالته الصحية وعلمت بإجرائه عملية على القلب المفتوح. دعوت له بالشفاء إلى أن وقفت على مغادرته الحياة الدنيا، وكم كان مؤلما وصاعقا وفاجعا هذا الخبر! جمعنا عبد الله المتقي، ولم يجمعني اللقاء به».
وحزن الختام، صديقي محمد داني مات بسبب قلب مفتوح، كما عاش بقلب مفتوح ، وجنات نعيم