بعد انتظار طويل، انطلقت بمدينة أسفي أشغال ترميم قصر البحر، أحد أعرق المعالم التاريخية المطلة على الساحل الأطلسي، والتي يعود تاريخها إلى ما يزيد عن خمسة قرون. ويأتي هذا المشروع ليعيد الأمل في حماية الذاكرة التاريخية للمدينة، ويؤكد وعيا متجددا بأهمية صون التراث الوطني كجزء من الهوية المغربية.
ويُعتبر قصر البحر من أبرز الشواهد التاريخية التي ميزت مدينة أسفي، حيث ارتبط عبر قرون بالدور الدفاعي للمدينة ومكانتها التجارية والعسكرية على ضفاف الأطلسي. ورغم قيمته المعمارية والتاريخية، فقد ظل القصر لسنوات طويلة يواجه خطر التدهور بسبب عوامل الزمن والإهمال، الأمر الذي جعل مطلب ترميمه يتكرر بإلحاح من طرف الساكنة والمهتمين بالشأن التراثي.
ولا يعدّ إطلاق ورش الترميم اليوم مجرد تدخل تقني لإصلاح بناية قديمة، بل هو خطوة حضارية عميقة الدلالة، تعكس حرص الدولة على حماية الذاكرة الجماعية وصون المعالم التي تختزن صفحات من التاريخ المغربي. وقد عبّرت ساكنة أسفي عن اعتزازها بهذا المشروع، مؤكدة أنه يمثل استجابة لتطلعاتها، ويفتح آفاقًا جديدة لإحياء المدينة كوجهة سياحية وثقافية. غير أن النقاش العمومي الذي أثاره المشروع، سرعان ما امتد ليشمل مواقع تاريخية أخرى بالمنطقة، لا تقل أهمية عن قصر البحر، لكنها تعيش في صمت النسيان، وعلى رأسها قصبة القائد السي عيسى بن عمر العبدي. هذه القصبة، المصنفة كتراث وطني، تجسد مرحلة مهمة من تاريخ قبائل عبدة في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تحت قيادة القائد السي عيسى بن عمر، الذي لعب دورا بارزا في تشكيل ملامح تلك الحقبة. ورغم رمزيتها التاريخية، فإن القصبة تعاني اليوم من غياب العناية، ما يجعلها مهددة بالاندثار.
إن إدماج هذه المعالم في مشاريع الترميم لا يمثل فقط حماية للتراث، بل يشكل أيضا رافعة حقيقية للتنمية المحلية. فالاستثمار في إعادة الاعتبار للمآثر التاريخية يمكن أن يجعل من أسفي ونواحيها قبلة سياحية وثقافية، تعزز اقتصاد المدينة وتفتح آفاقًا جديدة للشباب في مجالات السياحة والخدمات الثقافية.
هذا وتتابع ساكنة أسفي هذه الأوراش بكل فخر واعتزاز، لكنها في الوقت ذاته تضع على عاتق المسؤولين تحديًا أكبر يتمثل في توسيع دائرة الاهتمام لتشمل كل الإرث التاريخي بالمنطقة. فالحفاظ على الذاكرة ليس ترفا ثقافيا، بل هو واجب وطني، وضمانة لربط الأجيال القادمة بجذورها الحضارية.