أعلنت لجنة التحقيق وتقصي الحقائق التي كلفتها الرئاسة السورية التحقيق في أعمال العنف الدامية في غرب البلاد، عزمها على ترسيخ العدالة و»منع الانتقام» خارج نطاق القانون، بعدما أودى التصعيد بأكثر من ألف مدني غالبيتهم علويون وفق المرصد السوري لحقوق الانسان.
وقال المتحدث باسم اللجنة ياسر الفرحان، في مؤتمر صحافي في دمشق، إن «سوريا الجديدة عازمة على ترسيخ العدالة وسيادة القانون وحماية حقوق وحريات مواطنيها ومنع الانتقام خارج اطار القانون وضمان عدم الافلات من العقاب».
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أعلن، أول أمس الاثنين، أن «973 مدنيا علويا قُتلوا في مناطق الساحل السوري وجبال اللاذقية من جانب قوات الأمن ومجموعات رديفة» منذ الخميس الماضي، متحدثا عن «عمليات قتل وإعدامات ميدانية وعمليات تطهير عرقي».
وبذلك، تبلغ الحصيلة الإجمالية 1454 قتيلا على الأقل، بينهم 231 عنصرا من قوات الأمن و250 من المسلحين الموالين للرئيس المخلوع بشار الأسد، وفق المرصد.
تنديدات دولية
قالت الأمم المتحدة الأحد إنها تتلقى تقارير «مقلقة للغاية» بشأن مقتل عائلات بأكملها في شمال غرب سوريا، ودعت إلى وقف فوري للعنف.
وجاء في بيان للمفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك «إن قتل المدنيين في مناطق ساحلية في شمال غرب سوريا يجب أن يتوقف فورا».
بدوره، دان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الأحد «مجازر» ترتكب بحق أقليات في سوريا، وحض السلطات الانتقالية على محاسبة المسؤولين عنها.
وندد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بالمجازر «المروعة» بحق المدنيين في غرب سوريا، مطالبا «السلطات في دمشق بأن تضمن حماية جميع السوريين وتحدد مسارا واضحا للعدالة الانتقالية».
ووصفت ألمانيا تقارير بشأن أعمال القتل في سوريا بأنها «صادمة». وقالت وزارة الخارجية الألمانية «تقع على عاتق الحكومة الانتقالية مسؤولية منع وقوع مزيد من الهجمات والتحقيق في الحوادث ومحاسبة المسؤولين عنها»، وتابعت «نحض بشدة كل الأطراف على إنهاء العنف».
من جانبه، علق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على أحداث الساحل السوري بعد اشتباكات عنيفة بين قوى الأمن والجيش وفلول النظام المخلوع، مشددا على أن أنقرة «لن تسمح أبدا بإعادة رسم الخرائط في سوريا».
وقال أردوغان في كلمة له عقب اجتماع للحكومة في العاصمة التركية أنقرة إن «تركيا تدين بأشد العبارات كل هجوم يستهدف وحدة سوريا واستقرارها وسلمها الاجتماعي وكل أعمال الإرهاب والتخويف».
ورحب الرئيس التركي «بالرسائل الحازمة للرئيس السوري والتي تتسم بالاعتدال والتهدئة وتؤكد على عزم الحكومة على معاقبة الخارجين عن القانون»، لافتا إلى أن الأحداث في منطقة الساحل السورية أصبحت تحت السيطرة إلى حد كبير مع التدخل الفعال لقوات الحكومة في دمشق.
وأشار أردوغان إلى أن بلاده تتخذ التدابير الرامية لضمان عدم حدوث أي تطور ضدها، داعيا السلطات السورية إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لتهدئة الأجواء بشكل سريع.
وشدد على أن أنقرة لن تسمح بإعادة رسم الخرائط في سوريا، موضحا أن «من ينظر إلى سوريا ولا يرى فيها إلا الطوائف والمذاهب والأعراق فهو حبيس التعصب الأعمى»، بحسب وكالة الأناضول.
وقال الرئيس التركي: «لا نولي أي اهتمام للانتماء العرقي أو الديني أو المذهبي لأحد، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان أو أي من الدول الأخرى في المنطقة».
وأضاف: «فقد منسوبون بالجيش السوري وعدد كبير من المدنيين حياتهم في الأحداث التي اندلعت في مناطق البلاد التي تعيش فيها الأقليات على وجه الخصوص، ومع الأسف من بينهم إخواننا الذين استشهدوا غدرا وهم خارجون من صلاة التراويح».
وبحسب أردوغان، فإن الرئيس السوري ينتهج سياسة شاملة منذ سقوط نظام المخلوع بشار الأسد في أواخر العام الماضي دون الوقوع في «فخ الانتقام»، مشيرا إلى أنه «إذا استمرت هذه القوة في التزايد، فستفسد المكائد ضد سوريا».
التحقيق والمحاسبة
هذا الوضع المتأزم دفع الرئاسة السورية إلى الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق في «الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون وتحديد المسؤولين عنها»، و»إحالة من يثبت تورطهم بارتكاب الجرائم والانتهاكات إلى القضاء».
تعهد الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، في التاسع من مارس 2025، بمحاسبة كل من «تورط في دماء المدنيين».
وقال الشرع في كلمة بثت على قناة الرئاسة السورية على تلغرام «نؤكد أننا سنحاسب بكل حزم وبدون تهاون كل من تورط في دماء المدنيين أو أساء إلى أهلنا ومن تجاوز صلاحيات الدولة أو استغل السلطة لتحقيق مأربه الخاص».
وأضاف «لن يكون هناك أي شخص فوق القانون وكل من تلوثت يداه بدماء السوريين سيواجه العدالة عاجلا غير آجل».
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع السورية حسن عبد الغني «نعلن انتهاء العملية العسكرية» بعد «نجاح قواتنا …في تحقيق جميع الأهداف المحددة» للمرحلة الثانية منها، مضيفا: «تمكنا… من امتصاص هجمات فلول النظام البائد وضباطه، وحطمنا عنصر مفاجأتهم وتمكنا من إبعادهم عن المراكز الحيوية».
وتابع عبد الغني «سوف تعمل الأجهزة الأمنية في المرحلة القادمة على تعزيز عملها لضمان الاستقرار وحفظ الأمن وسلامة الأهالي»، مشيرا إلى «خطط جديدة لاستكمال محاربة فلول النظام البائد، والعمل على إنهاء أي تهديد مستقبلي، ولتمنع تنظيم الخلايا الإجرامية من جديد».
مشاهد من الإعدام
للإشارة، فقد بدأ التوتر يوم الخميس الماضي في قرية ذات غالبية علوية في ريف محافظة اللاذقية الساحلية على خلفية توقيف قوات الأمن لمطلوب، وما لبث أن تطور الأمر إلى اشتباكات بعد إطلاق مسلحين علويين النار، وفق المرصد السوري الذي تحدث منذ ذلك الحين عن حصول عمليات «إعدام» طالت المدنيين العلويين.
وأفاد مصور فرانس برس بدخول دخول رتل مسلح إلى منطقة «بسنادا» في محافظة اللاذقية وبحصول «تفتيش للبيوت».
وقال أحد سكان مدينة جبلة العلويين لوكالة «فرانس برس» رافضا كشف هويته إن «أكثر من خمسين شخصا، هم أفراد عائلات وأصدقاء، قتلوا»، لافتا إلى أن قوات الأمن وميليشيات حليفة لها «انتشلت الجثث بواسطة جرافات ودفنتها في مقابر جماعية. حتى أن هؤلاء ألقوا بجثث في البحر».
وشارك ناشطون والمرصد السوري مقاطع فيديو تظهر عشرات الجثث بملابس مدنية مكدس بعضها قرب بعض في باحة أمام منزل، وقرب عدد منها بقع دماء، بينما كانت نسوة يولولن في المكان.
وفي مقطع آخر، يظهر عناصر بلباس عسكري يأمرون ثلاثة أشخاص بالزحف على الأرض، واحدا تلو آخر، قبل أن يطلقوا الرصاص عليهم من رشاشاتهم من مسافة قريبة. ويظهر في مقطع ثالث مقاتل بلباس عسكري يطلق الرصاص تباعا من مسافة قريبة على شاب بثياب مدنية في مدخل مبنى قبل أن يرديه.
وأفاد سكان ومنظمات بحصول انتهاكات تشمل أعمالا انتقامية بينها مصادرة منازل أو تنفيذ إعدامات ميدانية وحوادث خطف، تدرجها السلطات في إطار «حوادث فردية» وتتعهد ملاحقة المسؤولين عنها.
وأفاد سكان في المنطقة الساحلية بغرب سوريا حيث تتركز الأقلية العلوية، بعمليات قتل طالت مدنيين.
محاكمة مرتكبي الجرائم
من جهتها، دعت منظمة هيومن رايتس ووتش، أمس الثلاثاء، السلطات السورية الى الإسراع في محاكمة مرتكبي إطلاق النار العشوائي والإعدامات الميدانية في الساحل السوري، بعدما حصدت أعمال العنف أكثر من ألف مدني، غالبيتهم الساحقة علويون، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الانسان.
وأشار نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى المنظمة آدم كوغل في بيان الى «تقارير عن انتهاكات جسيمة على نطاق صادم ضد سوريين أغلبهم من العلويين في الساحل وأماكن أخرى في سوريا»، معتبرا أن «الإجراءات الحكومية لحماية المدنيين ومقاضاة مرتكبي إطلاق النار العشوائي والإعدامات الميدانية وغيرها من الجرائم الخطيرة يجب أن تكون سريعة ولا لبس فيها».
وقالت هيومن رايتس ووتش «يؤكد العنف في المنطقة الساحلية السورية على الحاجة الملحة إلى العدالة والمساءلة عن الفظائع»، مشددة على وجوب أن تشمل «جميع الأطراف، بما في ذلك الجماعات مثل هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري المدعوم من تركي» اللذين يشكلان الآن قوات الأمن الجديدة في سوريا.
وأشارت إلى ان لدى تلك المجموعات «تاريخا موثقا جيدا من الانتهاكات الحقوقية وانتهاكات القانون الدولي».
وأضافت «تحتاج جهود العدالة إلى معالجة الانتهاكات الماضية والمستمرة، وضمان محاسبة المعتدين وتعويض الضحايا».
ودعت المنظمة الحقوقية القيادة السورية الجديدة الى أن «تتعاون بشكل كامل مع المراقبين المستقلين، بما يشمل الآلية الدولية المحايدة والمستقلة لسوريا ولجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، وتضمن لهم الوصول دون عوائق».
وشددت على ضرورة «الإصلاح الكامل للقطاع الأمني، الذي يشمل قوات الجيش والأمن السورية الجديدة»، بما في ذلك «تنفيذ عمليات تدقيق صارمة لإزاحة الأفراد المتورطين في الانتهاكات».
وشدد كوغل على أن «العدالة لا تكون حقيقية إذا كانت ت طب ق فقط على البعض دون الآخرين. يجب أن تمتد المساءلة إلى جميع منتهكي حقوق الإنسان، بغض النظر عن انتماءاتهم السابقة أو الحالية».
ونبه «بدون ذلك، سيظل السلام والاستقرار الدائمان في سوريا بعيدي المنال».
من جهتها، أفادت وكالة الأنباء السورية «سانا» بإلقاء القبض على متهم بارتكاب انتهاكات بحق مدنيين خلال هجمات فلول النظام المخلوع في منطقة الساحل السوري، وما تخللها من إعدامات ميدانية وتجاوزات.
وقالت الوكالة إن الشرطة العسكرية في وزارة الدفاع ألقت القبض على شخص بعد انتشار فيديو مصور له أثناء قيامه بارتكاب انتهاك بحق أحد المدنيين بشكل غير قانوني ودموي بإحدى قرى الساحل.
وأضافت في تدوينة عبر منصة «إكس»، مساء الاثنين، أنه تم تحويل الشخص إلى القضاء العسكري المختص «لينال جزاءه»، دون مزيد من التفاصيل.
وهذا أول متهم بارتكاب انتهاكات خلال أحداث منطقة الساحل السوري يتم الإعلان عن إلقاء القبض عليه، وذلك ضمن مسار محاسبة المتورطين بعمليات إجرامية بحق المدنيين.
دمج المؤسسات الكردية ضمن إدارة الدولة السورية
في سياق آخر مرتبط بالوضع في سوريا، وقع الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديموقراطية مظلوم عبدي، أول أمس الإثنين، اتفاقا يقضي «بدمج» كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية، وذلك في إطار مساعي السلطة الجديدة لتكريس شرعيتها في البلاد.
وجاء الإعلان عن الاتفاق المؤلف من ثمانية بنود وي فترض أن تعمل لجان مشتركة على إتمام تطبيقه قبل نهاية العام، في وقت تشكل فيه أعمال العنف التي أوقعت أكثر من ألف قتيل مدني، غالبيتهم الساحقة علويون، في الساحل السوري، اختبارا مبكرا للشرع الساعي الى ترسيخ سلطته على كامل التراب السوري.
ونشرت الرئاسة السورية بيانا وقعه الطرفان الاثنين وجاء فيه أنه تم الاتفاق على «دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز».
ونص الاتفاق كذلك على «دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الاسد وكافة التهديدات التي تهدد امنها ووحدتها».
وفي وقت لاحق، قال عبدي في منشور على منصة أكس ان «الاتفاق فرصة حقيقية لبناء سوريا جديدة تحتضن جميع مكو ناتها وتضمن حسن الجوار»، مضيفا «في هذه الفترة الحس اسة، نعمل سويا لضمان مرحلة انتقالية تعكس تطلعات شعبنا في العدالة والاستقرار».
وتسيطر الإدارة الذاتية الكردية المدعومة أمريكيا على مساحات واسعة في شمال وشرق سوريا، تضم أبرز حقول النفط والغاز. وشكلت قوات سوريا الديمووقراطية، ذراعها العسكرية، رأس حربة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية وتمكنت من دحره من آخر معاقل سيطرته في البلاد عام 2019.
ويؤكد الاتفاق كذلك على أن «المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية» التي «تضمن حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية». ويشدد كذلك على «ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في الحياة السياسية وكافة مؤسسات الدولة»، إضافة الى «رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري».
وفور الإعلان عن توقيع الاتفاق، شهدت مدن سورية عدة تجمعات احتفالا، بينها مدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية، وفق ما افاد مصور فرانس برس.