03
إن المصدر الوحيد الذي يؤرخ لهذه الواقعة هو كتاب “نزهة الجلاس في أخبار بوحلايس”، لصاحبه محمد بن يعقوب السملالي الذي اعتمده الاكراري في “روضته” ومحمد المختار السوسي في “معسوله”، وهي مصادر اعتمدها الباحث لاستعراض حيثيات ووقائع حدث الحرق والنهب الذي تعرض له اليهود علما أن النص المخطوط لم تتم مقارعته بنسخ أخرى يوجد العديد منها لدى الأسر السوسية؛ التي عانى أجدادها ويلات ما عاناه اليهود، حتى يمكن الوقوف على حقائق هذه الواقعة دون مبالغة أو تقصير.
ولعل اليهود يتذكرون مولاي اليزيد أو ” مْزيدْ” بلسانهم (1790-1792) أكثر من بوحلايس الثائر، وإذا كانت فترة هذا السلطان من الفترات المهمشة في التاريخ لمواقفه و سلوكاته ضد اليهود، فإن دراسة لغمائد لم تتناول الأمر، ولم تبرز السلطان كفاعل في عملية الحرق لاسيما وأن المدعو بوحلايس ادعى أنه هو مولاي اليزيد؛ وما حرقه لليهود إلا صورة أراد بها تجسيد شخصية اليزيد عند عامة الناس. من أهم الأعمال التي تؤرخ “للمحرقة” التي يمكن اقتراحها لاغناء هذه النقطة، رواية اليهودي المغربي أشر كنافو (هَتِينُوكْ مِ أُوفْران، بِمِيتْ قدم، تل أبيب،ط2، مارس، 2001) التي عربها الأستاذ عبد الرحيم حيمد تحت عنوان (صبي من إفران، منشورات كلية الآداب، أكادير، 2014). وهو العمل المغيب في لائحة المصادر المعتمدة عند عبد الله لغمائد؛ رغم أنه صدر قبل مناقشة الباحث لأطروحته بسنة. ولعل المادة المصدرية التي اعتمدها أشر كنافو هي ما تبقى راسخا في ذكريات/ ذاكرتي والديه اللذين حكيا له قصة إفران وهما الربي “شلومو حايك كنافو” والسيدة “إستير”، وبين دفتي هذه الرواية ونفحتها العربية وبغض النظر عن طابعها الأدبي، هناك، اليوم، حديث عن مقاربة منهجية تمزج بين الرواية والكتابة التاريخية، وهو توجه قديم سطره كارل ماركس وفريدريك إنجلز. ومعلوم أن مصادر التاريخ أصبحت، اليوم، متنوعة وغير مرتبطة بالوثيقة التي غالبا ما تتميز بالشح. فقد أضحى الباحث يوفق بين الوثيقة و العلوم الاجتماعية والأدبية لتدارك النقص الحاصل في المادة المصدرية دون خلع جلباب المؤرخ ولبس عباءة الروائي. وبما أن صاحب الكتاب موضوع القراءة اعتمد الأنثروبولوجيا لمقاربة ثقافة اليهود فإن أعمالا رائدة غُيبت في البحث كان بإمكانها أن تعزز نتائج الدراسة المتوصل إليها وفق المقاربة الأنتربولوجية، وأخص بالذكر هنا أعمالا أدبية وتاريخية عبرية رائدة لـ “أشر كنافو”، وأعمال أورنا بازيز حول أكادير، وكذا أعمال إيساخر بن عمي حول المزارات اليهودية، الخ…كما أن المقاربة الثقافية في الانتربولوجيا كما نظر لها كيلفورد غيرتز(Cilford.Girtez) في كتابه (تأويل الثقافات) غير مستحضرة باعتبارها أكثر ملاءمة لمقاربة الجوانب الثقافية والذهنية لموضوع البحث. وإذا كان محمد كنبيب أكثر إلحاحا على ضرورة اعتماد الوثائق الرسمية الأجنبية التي تحتفظ بها ربائد الخارجية الفرنسية والأمريكية والإنجليزية ، فإن جزء مهما من حياة يهود سوس يشكل اليوم حلقة مفقودة، لا يمكن تجاوزها إلا بالعودة إلى هذه الوثائق. يتعلق الأمر بعدة مفتشية المؤسسات الإسرائيلية. وهذه صعوبات لم تعترض فقط الأستاذ محمد كنبيب، بل واجهت كذلك الباحث عبد الله لغمائد خاصة فيما يتعلق بمقاربة ما بعد سنة 1960، وهو ما اضطره إلى التوقف عند حدود هذه السنة.والجدير بالذكر أن الأستاذ محمد كنبيب كان قد اقترح سابقا ملء هذه الثغرات بالعودة إلى مستندات “منظمة إعادة الاعتبار بواسطة العمل اليهودي” التي يوجد مقرها بجنيف، و”هيئة إغاثة الطفولة” بباريس و “أوزار هَتواره” التي تعمل على إحياء اللغة العبرية بنيويورك، و”المنظمة الصهيونية العالمية” بالقدس التي تؤرخ كلها لنشر ثقافة الصهيونية داخل الملاحات (محمد كنبيب ، يهود المغرب ، ص، 26). وأخيرا فإن ما يمكن تسجيله عن المادة المصدرية التي اعتمدها عبد الله لغمائد هي عدم توفيقها بين النص الفرنسي والنص الأنجليزي؛ لاسيما وأن الأمريكان والانجليز ألفوا أكثر من الفرنسيين حول يهود العالم، إما في شكل دراسات، أو تقارير استخباراتية، أو أعمال أدبية لأنهم كانوا بمعيتهم على المحك في مايخص المسألة اليهودية.
اهمها:
حزان في الحمام، صورة من حياة يهود المغرب، 2010.
عرس يهودي في الصويرة،2002.
الشاعر يوسف كنافو، من أعلام الأدباء المغاربة المهاجرين خلال سنوات الخمسينيات، الرجل والأعمال،1998.