وضعية اليهود المغاربة خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر -18- يهود البلاط بين عالم المال وعالم السياسة

تندرج هذه المساهمة المتواضعة ضمن خانة التاريخ الراهن للمغرب، وضمنها نحاول أن نجيب عن أسئلة ظلت عالقة في هذا الصنف الجديد من التاريخ سيما وأن المدارس التاريخية؛ وبخاصة المدرسة الفرنسية، خطت خطوات كبيرة في هذا المجال عندما نادى مؤرخوها بإعطاء الأولوية لتاريخ المهمشين ضمن ما أسماه جاك لوغوفJaque Le Goofالتاريخ الجديد ؛ وفي هذا السياق تم اختيارنا لموضوع اليهود والمخزن خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر بغية تسليط الضوء عن موضوع العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين الأغلبية المسلمة والأقلية اليهودية..

صدر سنة 2011 عن منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط ضمن سلسلة (نصوص وأعمال مترجمة رقم :15) كتاب ” يَهًودِيُّ السلطان : المغرب وعالم اليهود السفرد” لصاحبه المؤرخ الأمريكي دانييل شروتر Daniel J.Schroeter أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة مينيسوتا (Minnesota) بالولايات المتحدة الامريكية الذي نشره في نسخته الأنجليزية الأصل سنة 2002 بعنوان”The Sultan’s Jew :Morocco and the Sephardi World” ..
ومن حظ المكتبة العربية أن قام الباحث المغربي خالد بن الصغير، المتخصص في العلاقات المغربية البريطانية بترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية، وهو إضافة نوعية ومتممة لترجمته كتاب تجار الصويرة سنة 1997 لنفس المؤلف الامريكي، وهو الكتاب الذي أصبح مرجعا لامحيد عنه لكل الباحثين في موضوع التجارة خلال القرن التاسع عشر؛ وبخاصة الباحثين في تاريخ الجنوب المغربي. يتكون الكتاب من 448 صفحة من الحجم المتوسط بين دفتيه مقدمة للمترجم ومقدمة لصاحب الكتاب وثمانية فصول، ولائحة للمراجع والمصادر المعتمدة بالاضافة إلى ملاحق وفهارس.
وقد أقر المترجم أن صديقه الأمريكي دانييل شروتر أخبره بانهماكه حول شخصية ستكون الفلك الذي تدور حوله أحداث الكتاب؛ يتعلق الأمر باليهودي المغربي “مايِّير مقنين” وأنه بصدد تأليف كتاب جامع ومانع حول هذه الشخصية التي شغلت منصب “التاجر السلطاني” والتي بلغت أصداؤها حد الدول الامبريالية.
إقتفى دانييل شروتر أثار هذه الشخصية اليهودية بعد أسفار قادته إلى الأرشيفات العالمية من أجل الاحاطة الشمولية بها، وقد أنجز المؤلِّف “مسودة” وزعها على زملائه ومنهم المترجم خالد بن الصغير قصد إبداء الرأي، وتقويم ما اعوج منها، وتصويب الأخطاء التي يمكن أن تعتري مضامين الكتاب، ولعل من حسن طالع المترجم أن اطلع على النسخة الأولى حيث حركت فيه حماسة ترجمتها الى اللغة العربية وهو ما اضطر صاحب الكتاب إلى مطالبة مؤسسة “جامعة ستانفورد للنشر” بكالفورنيا بإسقاط حقوق النشر على الطبعة العربية. ويعترف صاحب الترجمة بأنه رغم دربته في الترجميات التي سبقت هذا العمل إلا أن كتابا في حجم كتاب “يهودي السلطان” كلفه مجهودا مضنيا؛ ويتضح ذلك من خلال حرصه على الوفاء باحترام دلالات المعاني المتضمنة في النص الانجليزي.
مايير مقنين يهودي السلطان من تاجر كبير إلى ممثل ديبلوماسي للمغرب:
صرح صاحب الكتاب أنه التقى سنة 1985 بالبروفيسور جوزيف شتريت(Joseph Chetrit) الذي أدله على ذخيرة وثائقية توجد في شقة بسيطة بإحد الأحياء الباريزية، وهي في ملكية “صاموئيل ليفي قرقوز” وريث وثائق التاجر السلطاني مايير مقنين هذا الاخير وكما توضح الوثائق ظل يتمتع بسمعة تشبه إلى حد ما الديبلوماسي المغربي الذي يتوسط للمخزن عند الدول الأوربية خلال فترة حكم السلطانين المولى سليمان (1792/1822) ومولاي عبد الرحمان بن هشام (1822/1859) حتى سنة 1833 تاريخ وفاة مايير مقنين حيث تمت الاشارة إليه باللمز في الوثائق المخزنية الصادرة من المركز بصفته الدينية “يهودينا”. ورغم النعوث القدحية التي وصف بها في الأوساط التجارية الغربية الكبرى بأنه وغد وسيء السمعة نظرا للديون المتراكمة عليه فإنه استطاع ربط علاقات رفيعة المستوى مع كبار التجار معتبرا ذلك شرا لابد منه من أجل بلوغ مصادر القرار داخل جهاز المخزن.
بعد وفاة السلطان مولاي سليمان استطاع مايير مقنين بفضل دهائه أن يحصل على “كنطرادات” سمحت له تصدير مواد بعينها إلى الخارج ومراقبة مالية جل مراسي المغرب البحرية. لقد تحول هذا اليهودي وفي ظرف قياسي إلى كبير الوسطاء بين البلاط المخزني والممثلين القنصليين في طنجة، وسفيرا بصلاحيات غير محدودة في أوربا ابتداء من سنة 1827. والجدير بالذكر أن بريطانيا العظمى رفضت أوراق اعتماده كديبلوماسي مغربي نظرا لسمعته السيئة التي ذاعت في ربوع أوربا إلى حد تهديد شخصه بالسجن في حالة وطأت أقدامه تراب بريطانيا .


الكاتب : الدكتور ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 04/05/2021