يا له من عالم جميل

 

أثار العرض الأول لمسرحية “يا له من عالم جميل” لمسرح أفروديت جدلا هامشيا حول العلاقة بين الإخراج الذي أنجزه المبدع عبد المجيد الهواس، المعروف بتميزه على مستوى تخصصه السينوغرافي، والنص المسرحي الذي اعتمده في بناء العرض وشكل تقديمه، لصاحبه الكاتب المتميز الأستاذ أحمد أمل، المنشور والمتداول بعنوان آخر، يختلف في دلالته وحصر معناه عن العنوان المستعار”جرح في عضو رجل “.وهو النص الذي أعاد صياغته وغير عنوانه الدرماتورج الأستاذ كمال خلادي، بما لا يحيل في التداول العام على النص الأصلي، ولا يحصر المعنى في ما سعى المؤلف الى إبرازه.إثارة هذه الملاحظة لا يقلل من أهمية الإضافة الإبداعية التي اشتغل عليها المخرج حيث أبدع في تشكيل صيغته الفنية الخاصة. وذلك انطلاقا من إشكال يصادفه كل مخرج مهووس بترك لمسته الفنية واختياراته الإبداعية في كل عمل يختار إعداده، أو تسند إليه مهمة عملية إنجازه.
يفتتح العرض بتقديم شخصيات المسرحية، من طرف راوية تربط بين الفقرات، تكشف عن ملامح كل شخصية وموقعها في النص، هكذا مدخل اختاره خلادي والهواس ليخرجا المتفرج من دهشته أو لتخليص الجمهور الحاضر، من انتظارية تفسد عليه متعة الفرجة في جوانبها المتعددة كأداء ومؤثرات مختلفة.
استغرق مشهد التقديم زمنا كان في تقدير المخرج كافيا لإعداد الجمهور لاستقبال والتفاعل مع النص كما أعده صاحبه.
“في النص الأصلي يفاجأ أحمد في منتصف الليل بطرق عنيف على باب بيته، يغالب تردده ويفتح الباب ليجد نفسه وجها لوجه أمام شخصيتين، لا صلة له بهما،لا يعرفهما إلا من خلال قراءته لعمل مسرحي للكاتب الإيرلندي صمويل بيكيت ” في انتظار كودو” أحد أشهر أعماله وأنجحها .
في المسرحية يرى أحمد ذات الشخصيات في منامه، تقتحم عليه البيت وتفرض عليه الانشغال بمعاناتهم وحثه على تقديم الدعم لهم. مرغما يتفاعل معهم بعد فشل كل محاولاته للتخلص منهم، ومن القرف الذي أصابه بوجودهم. تتوالى المشاهد دون حاجة إلى ضبط إيقاعها بتدخلات خارجية من راوي أو من يذكر من حين لآخرب أن الوقائع تحيل على عوالم تحبل بالدلالات.
إذا كان الأستاذ أحمد أمل أعاد كتابة مسرحية ” في انتظار كودود” بصيغته الخاصة مقحما فيها عوالم من حكايات وأساطير مختلفة، فإن كمال خلادي وعبد المجيد الهواس اعتمدا ذات الفعل، فأقحما مشاهد وشخصيات بوظائف وأدوار ساعدت على فهم سياق الإشكالات الفلسفية التي يحبل بها النص الأصلي والدلالات الإنسانية التي سعى صمويل بيكيت إلى بسط بعض معالمها وانعكاساتها على الذات البشرية، في واقع يعرف تحولات متعددة ومتواترة. إذا كان بيكيت يحث على انتظار ما هو آت، وما ستكشف عنه الأيام من عوالم متجددة، وأحمد لا يرى إلا القدارة ولا يطيق المنتظرين، فإن كمال استشف بريق آمال ستزيد العالم جمالا، حيث سيجد الكل مكانته وقدرته على استحداث عوالمه التي تؤمن استقراره وتبرز هويته. بقي على الجمهور وهو يشاهد عملا مسرحيا مختلفا في شكله ومضمونه أن يحدد الموقع الذي يلائم تطلعاته ويستحق أن يواصل الانتظار من أجل تحقيق كل أمانيه.
لاستيعاب كل تلك الإشكالات تجعلك جمالية العرض وتنوع فقراته أمام صيغة جديرة بالاهتمام والتقدير نظرا لصعوبة إنجاز عمل لا ينفصل عن الواقع المعيش في تدبير كل لحظاته، ومثقل بالإيحاءات الرامية إلى شحذ الفكر وتعميق السؤال حول ماهية الوجود وسبيل فهم تجلياته.


الكاتب : أحمد حبشي

  

بتاريخ : 18/11/2023