تعيش العديد من المدن والأقاليم – على امتداد الجهات ال 12 لجغرافية البلاد -، منذ أشهر قليلة، على إيقاع «مبادرات جمعوية «تتغيا إعطاء نفس جديد لـ «الصوت الجمعوي»، في أفق «ضمان مشاركة المواطنين في قضايا الشأن العام بشكل فعلي»، وذلك في سياق الاجتهاد من أجل تنزيل مشروع «المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية»، كما يستشف من تصريحات القائمين على مبادرة ائتلاف لجمعيات مدنية بأكادير، رأت النور يوم 11 مارس 2021 تحت اسم «الدينامية المدنية لتتبع وتقييم السياسات العمومية الترابية في سوس ماسة».
تحركات لابد وأن تستوقف المنشغل بـ «المستجدات المجتمعية «بشتى تجلياتها، استحضارا للظرفية الراهنة ذات الرهانات المتعددة الأوجه، تعلق الأمر بكسب «الحرب» المتواصلة ضد تفشي فيروس كورونا، أو بلوغ «المرامي التنموية» الاستراتيجية المسطرة على أكثر من صعيد، وذلك من خلال التساؤل عن «القيمة المضافة «التي حققها «اللاعب الجمعوي» منذ أن أخذ مكانه «الرسمي» داخل «الملعب» العام لـ «العطاء الاجتماعي» بمختلف تمظهراته: تحسيسا، توعية، تأطيرا، دعما وإسنادا…، تساؤل يستند في مرجعيته إلى الفصل الثاني عشر من دستور فاتح يوليوز 2011، والذي بوأ «الفاعل المدني» مكانة الشريك في إطار العمل من أجل إرساء أسس وقواعد جديدة «للمواطنة» تستهدف تحقيق التوازن المأمول بين كفتي ميزان «الحقوق والواجبات» وفق المتعارف عليه داخل «نادي» المجتمعات الديمقراطية .
يقول المنطوق الدستوري:… «تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية ، في إطار الديمقراطية التشاركية ، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية ، وكذا في تفعيلها وتقييمها، وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون» .
كلام دستوري لايحتاج إلى تأويل كثيرا ما التفت على وضوح أسطره «الممارسة الميدانية « لعدد من مدبري الشأن العام المحلي، من خلال اصطناع العراقيل تحت غطاء «حسابات سياسوية ضيقة»، كما يتحدث بيان مجموعة من الجمعيات بتيكوين بعاصمة سوس و رسالة موجهة إلى رئيس المجلس الجماعي لأكَادير، بتاريخ 03 فبراير2021، والتي انتقدت « المعايير المعتمدة في توزيع وصرف منح الدعم العمومي» ، منددة بما وصفته ب “ كرم حاتمي غير مبرر لبعض المحظوظين» و«بعدم الإنصاف المجالي»؟
إنه نموذج من بين عشرات النماذج التي « تزخر” بها «حصائل “ مجموعة من التجارب التدبيرية للشأن العمومي، والتي تؤشر على أن العديد من المؤتمنين على تسيير أمور المواطنين، في المدن والقرى، مازالوا غير مدركين لأهمية دور الشريك المسند ل «الفاعل الجمعوي»، ما يجعل العلاقة بين الطرفين ترتدي، في كثير من الأحيان، لبوس «التنافر « بدل التكامل ، وذلك « بحكم اعتبار بعض المسؤولين في المجالس المنتخبة، لنشطاء المجتمع المدني بمثابة خصوم، ماداموا لا يتحركون وفق الخطط المرسومة بشكل قبلي ، والتي تصر على جعل العمل الجمعوي مجرد نشاط موسمي تسلط عليه الأضواء من حين لآخر «تقول تصريحات بعض المهتمين بالعمل الجمعوي، لافتة إلى أن «العلاقة النفعية بين عدد من المنتخبين وجمعيات معينة، كثيرا ما شكلت مصدر تشويش على نبل مهام العمل الجمعوي، كما أكدت ذلك تجارب ميدانية سابقة ارتبطت بمشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية».
هي، إذن، مبادرات تسعى لجعل العمل الجمعوي – القائم على التطوع أساسا – «أكثر دينامية» في ما يخص الحضور الميداني الفعال، من خلال الوعي بأنه لامناص من تنزيل مقاربة تشاركية ناجعة لمجابهة التحديات التنموية الجسيمة ، التي تفرضها المتغيرات المجتمعية المتلاحقة، يأمل المتتبع أن يشكل إطلاقها «قيمة مضافة» لـ «التحركات الجمعوية» المبدعة لـ «الحلول» و«المقترحات» الإيجابية، في أفق تجاوز النقائص المسجلة في أكثر من قطاع، لا أن تكون مجرد «تسميات» يتم تداولها «إعلاميا» بشكل مناسباتي ودون بصمات فعلية على أرض الواقع، وهو ما يستدعي من «المسؤول الجماعي» – وغيره من المنتخبين – إعادة النظر في طبيعة التعامل مع «الفاعل الجمعوي «الجاد، وعدم اعتباره» خصما «يستحق الإقصاء؟
يتجدد مع إطلاقها سؤال «القيمة المضافة» : مبادرات جمعوية تحاول التموقع داخل «ملعب» الشأن العام المسيج بعقليات ترفض الاعتراف للفاعل المدني بمنزلة الشريك المنادى بها دستوريا؟!
الكاتب : حميد بنواحمان
بتاريخ : 22/03/2021