يعيشون على التكافل الاجتماعي والتضامن الإنساني : الأنظمة المعلوماتية للحماية الاجتماعية «تعجز» عن تصنيف فقراء للاستفادة من برامج الدعم

 

يخلّد العالم يومه الثلاثاء 17 أكتوبر اليوم العالمي للقضاء على الفقر، وهي مناسبة لتسليط الضوء على أوضاع الأشخاص والأسر الاجتماعية والاقتصادية وللوقوف على ما تم قطعه من أشواط لتحقيق الحماية الاجتماعية لفئات عريضة تعاني الهشاشة والعوز الاجتماعيين. ويعتبر المغرب من بين الدول التي سطّرت سياسات عمومية متعددة من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، والتخفيف من صعوبات العيش في المجالين الحضري والقروي على من يعيشون الفقر أو الذين هم تحت عتبته، كما هو الحال بالنسبة لبرنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية نموذجا، ثم الورش الملكي الأخير للحماية الاجتماعية بركائزه المختلفة، وعلى رأسها تعميم التغطية الصحية.
مبادرات بفلسفة اجتماعية متقدمة، تعكس إرادة عليا وجماعية لتحقيق العدالة ولتنزيل فعلي لكافة الحقوق التي نصّ عليها دستور 2011، إلا أن بعض الأعطاب تصر على التقليص من سرعة دوران عجلة هذه البرامج، وتؤدي إلى فرملتها في بعض الأحيان، كما هو الحال بالنسبة للأشواط المتعلقة بالانتقال من نظام المساعدة الطبية «راميد» إلى نظام «أمو تضامن»، وكذا حين قطع المسافة سعيا لبلوغ خطّ الوصول إلى مؤشر رقمي يتيح الاستفادة من برنامج الدعم لاجتماعي، نظرا لأن الأنظمة المعلوماتية والبرمجيات التي تقوم بعمليات التصنيف بناء على خوارزميات معينة، يحضر فيها «المنطق» الرقمي ويغيب عن «فراستها» الواقع الاجتماعي، الذي يقوم على التضامن الإنساني وعلى التكافل، بشكل يسمح باستمرار عيش الكثير من الأشخاص بفضل ما يجود به الغير عليهم، أقارب كانوا أو أشخاص آخرين.
أشخاص، منهم مسنّون بدون معيل، وأرامل، ومطلٌّقات، وغيرهم من المواطنين، الذين بالكاد يتدبّرون قوتهم اليومي بشكل من الأشكال، وبفضل خصلة التضامن، يتم تأمين بعض احتياجاتهم من طرف أشخاص آخرين، سواء تعلٌّق الأمر بواجب تأجير غرفة، أو باقتناء تلفاز أو هاتف نقال أو بعض التفاصيل الحياتية الأخرى، التي حين يقرّ المعني بالأمر بتوفّره عليها حين ملء استمارة الاستفادة، يحصل على مؤشر رقمي مرتفع يضعه في خانة «الميسورين» والحال أنه يعيش فقرا مدقعا، وهو ما يعني تصنيفه خارج رادار المعنيين بـ «أنظمة الحماية الاجتماعية»؟
تصنيف مخالف للواقع الذي يعيشه عدد كبير من المواطنين المتضررين اجتماعيا واقتصاديا يجعل المشرفين على هذه الخطوة يقترحون عليهم اقتراحات أخرى، كان يتم رفع عدد أفراد الأسرة، وإدراج آخرين، وغيرها من «الاجتهادات» البعيدة عن حقيقة الوضع، وهو ما يجعل الكثيرين يتلقّون هاته الأجوبة بالحسرة وآهات الألم، لأنهم لا يستوعبون كيف «تعجز» هذه التقنيات الحديثة عن الإحساس حقا بمعاناتهم وآلامهم، التي يرون بأن حواسيب جامدة لن تكون قادرة على معالجتها.
أعطاب، تحتاج إلى رؤية واضحة للتعامل معها ولمعالجتها، حتى لا يتم حرمان فئة هي أحقّ بالاستفادة من برامج الحماية الاجتماعية والدعم الاجتماعي، فقط لأنها تتحدث بلسان صادق عن كيفية عيشها واستمرارها في الحياة وسط ظروف جد صعبة، يخفّف من حدّتها تضامن إنساني يصر على أن يكون مميزا لسلوكات الكثير من المغاربة. هذا الواقع ينضاف إليه إشكال آخر، يتمثل في المبالغ الزهيدة التي تتوصل بها عدد من الأرامل اليوم من طرف مصالح إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والتي لا تتجاوز 500 درهم في الشهر الواحد، وهو المبلغ الذي يتساءل الكثير من المتتبعين عن مجالات صرفه، وكيف يمكنه أن يحقق الحماية لهذه الفئة، التي تعاني أمراضا عضوية ونفسية واقتصادية، الأمر الذي لا يزيد إلا في تعميق جراح وآلام فئة مهمة من المواطنين التي لها احتياجات جد خاصة في هذه المرحلة العمرية؟


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 17/10/2023