يقودني قمر ونجمتان

 

حين ترتطم الأمنيات ببحر الرماد
يقودني قمر ونجمتان
لأكتب ما تبقى من سيرة الندى المحمل برعشة الكلمات
وبنجمة تضيء دكنة الليل الطويل
أتعثر بالهواء الذي تسكنه رائحة الموتى وشهقات النجوم الصاعدة من عيون الصغار.
ثمة قصائد تنساها الحرب دائما في جيب الشاعر، على حد تعبير الشاعر الكردي جان دوست. تلك القصائد هي ما يكشف الوجه القبيح للحرب، وللذين يؤججون صوت الرصاص ويبنون مجدهم على عرش المأساة.
حين سئل الشاعر لويس أراغون: لماذا لم تكتب عن الحرب؟ أجاب: «لأن الكتابة مع أو ضد الحرب دعاية لها».
يقودنا جواب أراغون إلى نتيجة واحدة مفادها أن الصمت هو خيار الشاعر حين يعلو هدير الدبابة. لكن أجمل القصائد التي كتبت خلال الحرب، هي التي تتغنى بالحياة، فالحرب دائما تحتاج إلى قصيدة تُنازِلُ بندقيةً، وتُحَوِّل الجُرحَ إلى سوسنة.
الحاجة إلى الشعر دائمة، خصوصا حين تعبر الإنسانية مراحلها الأكثر تعقيدا ووحشية. فـ:
«من سيقول شعرا في مديح حدائق المنفى
أمام البيت»
دوما، كانت الحرب ضيفا ثقيلا على الشعر والشاعر، فهي تفقده دهشة الأشياء ورواء الخيال، لكن الشعر ظل الوحيد القادر على حفظ ذاكرة الحرب والمآسي منذ «إلياذة» هوميروس التي خلدت حرب طروادة بأكبر ملحمة شعرية، وكثير منا استوطنه جرح فلسطين عبر شعرائها وهم يتوجهون إلى غربتهم ووجعهم الوجودي من بوابة الشعر، يسكنون تجاويف المأساة ويوقظون جرح التاريخ الأكثر نزفا في جغرافيتنا العربية.
إن الشاعر يعي العالم وعيا جماليا، لذا فهو يتأبط – خاصة في أوقات الأزمات والحروب – قصيدة من لحم ودم، هي جسره الناعم الذي يعبره خفيفا، بنعال من لغة وخيال نحو الحياة التي توجد قاب قوسين من الفراغ أو الرماد.
تحضرني هنا قصيدة الراحل محمود درويش:
«وأنت تخوض حروبك، فكّرْ بغيرك
لا تنس من يطلبون السلام»
فهل ثمة شاعر يدعو إلى الحرب دون أن يتفرق سرب الحمام عن قلبه؟
قد يحدث أن يخسر الشعراء حروبا صغيرة، لكن الشعر لم يخسر إنسانيته يوما أمام الحرب التي تخاض اليوم بأشكال وبأدوات جديدة.
في أقسى لحظات التاريخ، لا نملك إلا أن نلوذ بحصننا الثقافي للدفاع عن كينونتنا التي مزقتها الحرب.
بالشعر نعيد إعمارالحياة التي دمرتها الحرب، والذاكرة التي تطوى تحت الأنقاض. فالحرب لا تقتل الإنسان فقط، إنها تقتل الذاكرة والحياة الثاوية في الأشياء الهشة، ولهذا يكون الموت مضاعفا. إنه الموت الذي يقف أمام جثته الشعراء، يتحسسون ما تبقى فيه من نبض حياة محاولين إيقاد نار من رماد.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 21/03/2022