حسب المعطيات المتوفرة إلى حدود صباح أول أمس الاثنين، ارتفعت حصيلة الخسائر البشرية الناجمة عن التساقطات الرعدية الاستثنائية التي شهدها مدينة آسفي إلى سبعة وثلاثين (37) قتيلا لقوا مصرعهم جراء فيضانات مفاجئة أعقبت هطول أمطار غزيرة تسببت في تسرب المياه إلى الكثير من المنازل والمتاجر.
وقال مدير مستشفى محمد الخامس بآسفي خالد إعزا إن “13 مصابا غادروا المشتشفى فيما لا تزال خمس حالات تتابع العلاج، إلى جانب حالتين بقسم الإنعاش وضعيتهما مستقرة”.
وعصر الاثنين أوضح رئيس الحكومة عزيز أخنوش خلال جلسة للبرلمان، أن “عددا من التجار والعمال توفوا” اذ كانوا في سوق بالمدينة العتيقة لآسفي يقع “في مجرى واد”، بعد “تساقط 37 مليمترا من الأمطار في وقت وجيز”.
وأعلنت النيابة العامة بالمدينة أنها فتحت تحقيقا “للوقوف على الأسباب الحقيقية لهذا الحادث الأليم، والكشف عن ظروفه وملابساته”.
فقدنا كل شيء
تستذكر حنان نصر الدين تفاصيل الليلة المأسوية قائلة “غمرتنا المياه (…) لم ننم الليلة، فقدنا كل شيء، حتى كتب الأطفال الدراسية”، وهي أم لستة أطفال وتعاني السرطان.
وتستطرد سيدة أخرى من سكان المدينة تدعى نزهة المغواري “فقدت كل أمتعتي لولا أن إحدى جاراتي منحتني غطاء، لم يبق لي أي شيء. أتمنى أن تساعدني السلطات أو المحسنون”.
وراء أسوار المدينة العتيقة، التي تضم أزقة تجارية، انحسرت المياه وبدأ السكان يقفون على الخسائر الأولية.
وقال تاجر يدعى عبدالقادر مزراوي (55 عاما) لوكالة فرانس برس “الخسائر كبيرة، تجار المجوهرات فقدوا كل بضاعتهم (…) وكذلك أصحاب محلات الملابس”.
وأعرب مزراوي عن أمله في أن “تقدم السلطات تعويضات لأصحاب المحلات” لأن “الخسائر كبيرة جدا “.
وتناثرت قطع أواني الفخار التقليدية التي تشتهر بها المدينة في بعض الأزقة بعدما هشمتها السيول.
جميلة، التاجرة المعروفة عند أهل المدينة، والتي تبيع الفخار على مدخل باب الشعبة منذ سنوات، وجابت صورتها كل الأمكنة وهي مركونة في نافذة السور البرتغالي ، تتوسل وتنادي من ينقذها، قالت لـ”الاتحاد الاشتراكي” إنها لم تكن تتوقع ما حصل ، “في رمشة عين وصلت أمواج الماء ولم تترك لنا حتى فرصة الهروب، كل من كان بقربي سحبه الماء، إلى الداخل.. بدأت أرى هياكل السيارات تطفو وتسبح في اتجاهي، قنينات الغاز أيضا تتحرك بسرعة.. قلت إنها النهاية. لكن شباب المدينة رموا لي بحبل وضعته على خصري وانتظرت حتى اقترب الماء من حائط المدخل، فسحبوني بقوة، إلى أن خرجت إلى موقف السيارات. هناك أحسست أنه كتب لي عمر جديد..”.
عبد الله واحد من الفراشة الذين يقتعدون الممر التجاري قرب المسجد الأعظم. التقيناه في وقت متأخر من الليل أمس الثلاثاء وكانت ماتزال على محياه آثار الصدمة.. “خويا هدشي لي وقع معمرنا شفناه. عمري 54 عاما دازت علينا الشتا وشفنا الرعد والبرق، ولكن هدشي لي داز كيخلع، السما ولا فيها الظلام مع الربعة ديال لعشية. ومن تما جا الما دا كلشي. را ماشي الناس لي تجار لي ماتو، المدينة في ديك الوقت كانو الناس كيتقضاو تاهما داهم الما. أنا غير من شوفتي وولد لمدينة لقديمة. باقي المفقودين وعدد الوفيات أكبر من دكشي لي كيعلنو.. الله يرحم من مات ويصبر عائلاتهم..”.
أضرار مادية جسيمة
من جهتها أعلنت وزارة التربية الوطنية تعليق الدراسة بجميع المؤسسات التعليمية لمدة ثلاثة أيام، بسبب سوء الأحوال الجوية.
ومساء الأحد قال عضو فرق الإغاثة عز الدين قط ان لوكالة فرانس برس إن “التأثير النفسي للفاجعة جسيم في ظل العدد المرتفع للوفيات”، مشيرا أيضا إلى أضرار مادية جسيمة، مع “متاجر غمرتها المياه” إضافة إلى موقف سيارات.
وأضاف “الصعوبات الأساسية التي واجهناها تمثلت في قلة الإضاءة والخوف من حدوث تماس كهربائي، لكن الحمد لله تمكنا من إنقاذ (أشخاص)”.
تعد ظروف الطقس الحادة مثل الأعاصير وموجات الحر والفيضانات والجفاف ظواهر طبيعية. لكن الاحترار العالمي الناجم عن انبعاثات غازات الدفيئة التي تتسبب بها الأنشطة البشرية يمكن أن يزيد من مد تها وحجمها وتكرارها وقد يؤدي إلى تغي ر في المناطق الجغرافية لحدوثها أو توقيتها.
وحذرت مديرية الأرصاد الجوية في نشرة سابقة من “تسجيل أمطار قوية وتساقطات ثلجية ورياح عاصفة قوية ابتداء من الأحد، بعدد من مناطق المملكة” بينها آسفي.
وأظهرت صور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي سيلا جارفا من المياه الموحلة يجتاح شوارع مدينة آسفي، ويجرف السيارات والنفايات. كما أظهرت مشاهد أخرى ضريحا غارقا جزئيا، وقوارب للدفاع المدني تستجيب لنداءات إنقاذ من السكان.
وأفادت السلطات بأن ما لا يقل عن 70 منزلا ومتجرا في المدينة القديمة بآسفي غمرتها المياه، مع جرف عشر سيارات وتضرر جزء من الطريق، ما أدى إلى اختناقات مرورية في شوارع عدة بالمدينة.
وقال حمزة الشدواني، أحد سكان آسفي، لوكالة فرانس برس “إنه يوم حزين”.
بحلول المساء، انحسر منسوب المياه تاركا وراءه مشهدا من الوحل والسيارات المنقلبة. شاهد المارة تدخل قوات الإغاثة ووحدات الوقاية المدنية التي عملت آلياتها على إزالة الأنقاض في النقاط التي لا تزال مغمورة بالمياه، وفق لقطات التقطها مصورو وكالة فرانس برس.
دوريات السلطة
تتواصل الجهود للبحث عن ضحايا محتملين، وتسعى السلطات إلى “تأمين المناطق المتضررة” و”تقديم الدعم والمساعدة اللازمين للسكان المتضررين من هذا الوضع الاستثنائي”، على ما أفاد مسؤولون في مدينة آسفي. كما ما يزال هناك شباب يواصلون التنظيف بأدوات بسيطة أغلبها منزلية لن تستطيع مواجهة كم الطمي ومخلفات الغيس المتراكم …
قال لنا رجل طاعن في السن يلبس جلبابا شتويا، بصوت أجش وهو يجلس على عتبة محل في سوق الغزل القديم: ” بلا مايكذبو علينا وأغلبية المحلات ولحوانت لي كنعرف ماتوا صحابهم ، وكاين لي باقي غابر لحدود الساعة ، أصاحبي ره دكشي ميقدر يوصفو حتى شي واحد.. الموتى بلا عدد والخسائر بالجملة، حتى واحد مبقات ليه شي سلعة صالحة، الما فركع الريدوات والأبواب وكرط معاه السلعة كلها. كنطلبو تدخل السلطات. هدو ديال هنا ماقادرين على والو “.
المشي في ليل المدينة العتيقة مثل المشي فوق البيض، كل الممرات مملوءة بالأتربة والحديد والأسلاك وأثواب الباشات والكيبيات أي الشمسيات. غضب حانق بين الساكنة التي تبيت كثير من الأسر لحدود اليوم الثالث من الفاجعة في العراء مخافة تساقط أو انهيار منزل أو دور من تلك المتهالكة والمسجلة في مذكرة آيلة للسقوط لدى السلطات .
في زيارة ليلية للمدينة العتيقة، وجدنا فرقا تابعة للسلطة المحلية تتجول بين الأزقة حاثة الناس على مغادرة المنازل المتضررة أمام رفض وعدم استجابة لأغلب النسوة الطاعنات في السن اللواتي لايفضلن الالتحاق بمؤسسات الرعاية الاجتماعية، ويواجهن السلطة: “مانمشيوش للخيرية واخا نموتو هنا “.
الواقع من خلال المشاهدات الأولية والصور التي حصلنا عليها من عين المكان، تشي بأن الكارثة لا تتعلق فقط بالأرواح والسلع والممتلكات، فأسفي بمدينتها العتيقة تواجه أقسى شتاء وأهلها القاطنون والباعة هناك، أسقط في يدهم وضاع رأسمالهم ولا يجدون ما يقيمون به أودهم…
توخي أقصى درجات اليقظة
توقعت المديرية العامة للأرصاد الجوية تسجيل تساقطات ثلجية وزخات مطرية رعدية قوية مع هبات رياح قوية أيضا اعتبارا من الاثنين وحتى الأربعاء في عدة مناطق.
ودعت الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية تبعا لذلك إلى “توخي أقصى درجات اليقظة والحذر، وتأجيل التنقلات غير الضرورية إلى حين تحسن الظروف الجوية”.
ولا تعد الأحوال الجوية القاسية والفيضانات أمرا غير مألوف في المغرب، الذي يعاني مع ذلك من جفاف حاد للعام السابع على التوالي.
وفي عام 1995، لقي مئات الأشخاص حتفهم في فيضانات مدمرة ضربت وادي أوريكا، على ب عد 30 كيلومترا جنوب مراكش في وسط المغرب.

