آلية التواصل الاجتماعي و القيم الأسرية لدى المراهق

 

تعتبر الأسرة النظام الأهم ضمن مؤسسات التنشئة الاجتماعية، فهي أول من يتولى إعداد الفرد ليكون كائنا اجتماعيا، عن طريق نقل القواعد ومعايير السلوك وتحويل الفرد من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي، فمؤسسة الأسرة هي من يتحكم في نجاح عملية التنشئة الاجتماعية بما تضمنه من علاقات وتفاعل بين أفرادها. وتبقى الأسرة على غرار بقية البنى الاجتماعية الأخرى عرضة لعملية التغير الاجتماعي، خاصة مع التحولات الكبرى في شتى المجالات ومن بينها الجانب التكنولوجي والرقمي حيث أضحت شبكات التواصل الاجتماعي إحدى الأسباب التي أدت في كثير من الأحيان إلى تغيير في منظومة القيم الأسرية، وبالتالي تغيير نمط العلاقات الاجتماعية.
فموضوع القيم من خصائص المجتمع الإنساني، فالإنسان هو موضوع القيم، حيث تعتبر عملية اجتماعية تختص بالجنس البشري عموما وتشتق أهميتها ووظائفها من طبيعة وجوده في المجتمع، فلا وجود للمجتمع الإنساني دون قيم، فكما اعتبرهما (کروبیر Kroeber ( كسطحي الورقة في تلاصقها، فإذا محونا من أي مجتمع إنساني قيمه، فإننا بذلك نكون قد سلخنا عنه بشريته، فلدراسة القيم أهمية خاصة، كونها تمثل الملامح الأساسية لضمير المجتمع ووجدانه، وتهدف إلى تنظيم السلوك والحفاظ على وحدة الهوية الاجتماعية وتماسكها ( الزبود . 2006 ، ص (21) بحيث تلعب دورا مهما في تكوين شخصية الفرد ونسقه المعرفي، وتشكل الطابع القومي أو الشخصية القومية، الذي ظل لفترة طويلة خاضعا للتأملات الفلسفية التي أحاطته بنوع من الغيبية بعيدا عن الدراسة العلمية الواقعية، ويعزو البعض تأخر الاهتمام بدراسة القيم إلى الاعتقاد السائد لدى علماء النفس والاجتماع عموما، آنذاك، أنها تقع خارج نطاق الدراسات الأمبريقية التجريبية لا تخضع للقياس ( الزيود ، 2006 ، ص 21)، ويرجع الفضل بالاهتمام بدراسة القيم في بداية الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي الى عالمي النفس ترستون (therstone) وسرانجر (spranger)، واستمر الاهتمام بدراسة القيم تدريجيا داخل مجالات علم النفس والاجتماع
فعلى مستوى الإعلام كان للثورة الصناعية واستخدام الأقمار الصناعية أثر كبير على ظهور الشبكة العنكبوتية، خصوصا مع بروز ملامح الثورة التكنولوجية الخامسة بشكلها الأوسع في مجال الاتصال، غيرت من خلالها خريطة الإعلام الذي انتقل من مفهومه التقليدي الذي تتحكم فيه نخبة أو قادة إعلامية، إلى إعلام متاح لكل أفراد وشرائح المجتمع الذين لديهم القدرة على التعامل مع تكنولوجيا الإعلام الجديد، بحيث لا يوجد تعريف علمي يحدد مفهوم الإعلام الجديد إلا أنه يشمل عدة مرادفات منها الإعلام البديل أو الإعلام الاجتماعي، أو مواقع التواصل الاجتماعي.
إذ نجحت ثورة وسائل التواصل الاجتماعي في الكشف عن معالم القوة السيبرانية التي تجمع بين مختلف أنواع الثورة الرقمية، وهو ما سعى من خلاله المفكر مانويل كاستلز Manuel Kastells إلى فك شفرة الوافد الجديد وأسلوب تأثيره على حياتنا، حيث دعا إلى أن الصراع أصبح بين الذات ووسائل التواصل الاجتماعي التي صارت أساس المجتمع.
فلقد مارست هذه الوسائل أدوارا متعددة على مستويات متنوعة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتكوينية وتربوية في حياة الأفراد والمجتمعات، وإذا كان دورها السياسي في بروز ما سمي بثورات الربيع العربي تمخض عنه تغيير بعض الأنظمة العربية. فبدون الوقوف على مدى نجاعة أو عدم نجاعة هذه الوسائل الجديدة، فقد تمكنت من خلق أو إنتاج بيئة ومحيط إعلامي ذي أبعاد اجتماعية وثقافية لم تكن معهودة من قبل، وانعكس ذلك على مستوى العلاقات الأسرية ومدى تحقيقها للانسجام والتواصل أو التنافر والتباعد بين أفراد الأسرة الواحدة، وما ترتب على استخدامها من توطيد العلاقات الأسرية أو زيادة المشكلات والخلافات بين أفراد الأسرة، فلقد حول هذا المشهد الوسائطي حياة الفرد والأسرة إلى فضاء افتراضي حر، يحتاج بالتأكيد إلى التنظيم والتقنين لكن يمكن أن نتساءل من وراء هذا الفاعل أو الدافع من العملية الترتيبية؟ ألا يمكن أن يكون ذلك بعقلية ترويض هذا الفضاء والسطو على الحريات داخله، بحجة مقاومة تلك الانزلاقات التي يعرفها هذا الفضاء كالإرهاب والسب والشتم والقرصنة؟ أمام هذا الكم الهائل من اكتساح المعلومات للمجتمعات الحديثة سواء التي تدعي الديموقراطية أو تلك المجتمعات ذات النظام السياسي المغلق لجأت إلى حجب هذه المنصات والتضييق على الأخرى التي تشكل تهديدا حقيقيا لخطها السياسي.
ولقد أضحت الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي المجال الخصب والحقيقي لتكريس الحريات الفردية والأسرية بكل فئاته المكونة له في مجموعة من المجتمعات خصوصا العربية منها، ما بعد تلك الثورات التي عرفتها، عن طريق نقد الأنظمة السياسية الحاكمة وتعرية مجالاتها الاقتصادية التي تتسم بالريع وعدم تكافؤ الفرص وقوفا على الجانب الاجتماعي الذي يتسم بالفوارق الاجتماعية والثقافية والبيئية والتربوية المخيفة.
تعتبر حرية الفكر والرأي والتعبير من الحقوق المصونة والمحفوظة والمكفولة، بكل أشكالها، كما نصت عليها القوانين الوضعية والدساتير الدولية، ووفرت لها الحماية القانونية، وأضحت من الحقوق المصانة للإنسان انطلاقا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بحيث ساهمت في التحكم في مسار الحياة الإنسانية، بغية تحقيق الهدف التنموي على أوسع نطاق دون المساس بالحريات العامة، الشيء الذي يستلزم توفير بيئة تنظيمية وقانونية تسمح بظهور وسائل إعلامية جديدة تواكب التطور التكنولوجي كما تستوجب توفير الإرادة السياسية لدعمها وصيانتها وتوفير الحماية الفكرية لأصحابها، عن طريق توفير المهارات العلمية اللازمة لجمعها وتحليلها ونقدها ووضع وسائط الإعلام موضع المساءلة والمراقبة. فهناك تعارض من جهة بين الحفاظ على الأمن وبين تقييد الحريات ومن جهة أخرى بين الحقوق الإنسانية الدستورية، وبين تطور خطاب الحث على الكراهية والعنف والتحريض والعنصرية، ولقد تحولت آليات التواصل الاجتماعي من مجرد فضاءات للدردشة والتعارف إلى مساحات للمناقشة وتبادر الأفكار وإبداء الرأي السياسي بكل تلقائية وحرية، كبديل لتلك التي لا تفسحها وسائل الإعلام المكتوبة والفضائية المتحكم فيها، الأمر الذي أثار خشية الدوائر السياسية في عدد من المجتمعات المتقدمة والنامية، وبدأ التفكير جديا في التضييق على استخدام هذه المواقع بذرائع أمنية وسياسية، وخاصة أن هذه المواقع قد أثرت في اندلاع الشرارات الأولى لمجموعة من الثورات، كما ساهمت في توسيع رقعة الاحتجاجات الاجتماعية والثقافية والبيئية والتربوية .
فكان لابد من الإشارة إلى ضرورة مواكبة صيانة حق التعبير والرأي في وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك في الإشارة إليه في التشريعات الجديدة على مستوى الدساتير، ومنع أي تضييق على حرية التعبير والإعلام التي لا تحتمل أي ضغط أو قمع، لكون هذه القوانين لا تنص على حرية التعبير على الدعامات الإلكترونية التي تتماشى مع ما تعرفه وسائل التواصل الاجتماعي من تطور متسارع بغية تحقيق أغراض وأهداف مشروعة.
كان للانتشار المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي المختلفة فرصة لعديد من الأشخاص لنشر منشوراتهم في منابر مفتوحة ومشاركتهم في موضوعات وتخصصات مختلفة من غير أن تخضع لمعايير النشر المعتادة.
ويمكن القول إن مواقع التواصل الاجتماعي أضحت ميدانا مفتوحا للنقاشات الدينية الساخنة، حيث يحتدم الجدل حول كثير من القضايا الدينية التي يدلي فيها المتجادلون إلى ساحاتها متسلحين بمعارفهم الدينية المذهبية، حول أفكار ومقولات مستقاة من منظومات المذاهب الدينية المعروفة، إن ما ينشر من مواد دينية عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة متنوع جدا، ففيه التقليدي، وفيه الخيالي المنسوب إلى الدين، وفيه الجدلي، وفيه التوعوي لافتا إلى أن ما يملأ المساحة الكبرى من المواد الدينية المنشورة هي المسائل الجدلية أو الاختلافات، على اعتبار أن هذا كفيل بقياس مستوى الوعي الديني عند العامة والخاصة، فطرح مثلا هذه القضايا في فضاءات التواصل بحد ذاته مؤشر على وجود مشكلة في الوعي عند من يطرحها، كما أن المشاحنات الكلامية الناتجة عن هذا الطرح وما يتخللها من تجاوزات لفظية تتنافى والأدب الإسلامي تدل على تدني مستوى الوعي، فللأسف القائمون على الشأن الديني في وسائل التواصل الاجتماعي إما أنهم يميعون صورة الدين وإما أنهم ممولين من جهات مشبوهة، فإمكانية التحكم وترشيد ما ينشر مرتبط ارتباطا وثيقا بضمير ووعي الناشر، في المقابل نجد أن منصات التواصل الاجتماعي ساهمت، بشكل كبير، في نشر الوعي الديني لدى فئة عريضة من المجتمع، بحيث أصبحت تلك الوسائل ساحة العرض والصراع بين التيارات والأفكار والأيديولوجيات المختلفة، يطغى عليها الإفساد للقضية أو تزييف ما هو صائب، فكيفما كانت طبيعة المادة المنشورة تفتح نقاشا للوقوف على الوجه الأول النافع والمفيد، والوجه الثاني فيه تعليم وترشيد لأحكام الدين وآدابه وأخلاقه وتزيين الشريعة وأحكامها في نفوس عامة الناس.
فكما يبدو أن لتكنولوجيا الاتصال تأثيرها على العلاقات الاجتماعية سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، وقد ساهمت في خلق ما يسمى بالرصيد الاجتماعي الإلكتروني في علم الاجتماع بكل أوجهه، والتي تشمل التفاعلات والعلاقات والروابط الإنسانية التي تتم بين أبناء المجتمع أو أكثر من ذلك. وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعي من بين أهم الوسائل الحديثة في نشر الوعي البيئي المستدام والتوعية بأهم قضايا التنمية المستدامة في المجتمعات الدولية بمختلف تمثلاتها وتجلياتها، على اعتبار أن هذه المواقع لها صدى كبير في التوعية بقضايا التنمية المستدامة ومن تم النهوض بتلك البلدان نحو الأفضل عن طريق التوعية والإرشاد والتكوين، نظرا للدور الذي تمثله مواقع التواصل الاجتماعي في الوقت المعاصر في التأثير الفعال على مختلف شرائح المجتمع، وجذب الانتباه في مختلف القضايا البيئية وكيفية الحفاظ عليها، عن طريق مجموعة من المواقع الأكثر شعبية، والتي اكتست أهمية كبرى في الاهتمام والعناية والتطرق إلى ملف البيئة من قبل فئة عريضة من المهتمين والباحثين والغيورين على القضايا البيئية في المجتمعات، وذلك بهدف المحافظة وحماية البيئية والارتقاء بها وحمايتها والنهوض بها بغية تحقيق أهداف تنموية مستدامة
ونظرا لما عرفته تكنولوجيا الاتصال ووسائل الاتصال الحديثة من تطورات مضطردة وواسعة في الآونة الأخيرة، غيرت معالم كثيرة في حياتنا العملية والعائلية وبخاصة في عالمنا العربي، ومع هذا التطور حملت معها الكثير من الإيجابيات المهمة في عملية التواصل والاتصال، ولكنها في الوقت نفسه تركت الكثير من المشكلات ومنها بالطبع المشكلات الأسرية سواء على مستوى الأبناء منفردين أو الآباء أو علاقة الآباء بالأبناء معا أو على مستوى العلاقات الأسرية بصفة عامة، حيث نجد كل فرد منفرد مع جهازه الخاص منعزل غارق في حوارات مع أناس مجهولين أقرب إليه أكثر مما حوله من أفراد الأسرة، أو أصدقاء لا يعرف ميولهم وأفكارهم ومرجعياتهم أو سلوكهم يقيم معهم علاقات مختلفة، لا تعرف حدودها، إذ حظيت بانتشار كبير على الصعيد العالمي وأيضا على المستوى العربي والمغربي بالخصوص، وأصبحت تطغى على ما كان يعرف في علم الاجتماع بالمكان الثالث أي الذي يلجأ إليه الإنسان بعد مكانه الأول (البيت) ومكانه الثاني (المدرسة أو الجامعة أو العمل) وبالتالي أصبح المكان الثالث افتراضيا هو المفضل والأساسي.
ففي ضوء هذا التطور أصبح كل ما يدخل في الحياة اليومية الأسرية تستعمل فيه وسائل التواصل الاجتماعي في العلاقات بين أفراد الأسرة، وإننا نسعى إلى التعرف إلى أي مدى يمكن أن يؤدي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إلى حل مشكلات الانعزال الأسري بين أفرادها، أو الفجوة في العلاقات بينهم قد تصل أحيانا إلى الانفصال بين الزوجين أو غيرها من المشكلات التي أصبحت تتفشى يوما بعد يوم، في ظل تزايد استخدام هذه الوسائل في المجتمع المغربي.


الكاتب : عبدالرحمان لهناوي

  

بتاريخ : 24/07/2023