أبرز ما جاء في المؤلف الأخير للرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي عن المغرب

شهد شهر يوليوز الماضي، إصدار الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي لمؤلفه الجديد، في شكل سيرة ذاتية، بعنوان «زمن العواصف»، وهو المؤلف الذي يحمل في طياته شهادات ومعلومات حول رحلاته المتعددة صوب المغرب، هذا البلد الذي يكن له كامل التقدير والاحترام، والتقائه بالعاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي يعتبره «رجلا ذا ذكاء واسع.. وعاطفة كبيرة لا تنضب أبدا»، كما استفاض في الحديث في أجزاء من كتابه عن المغرب والجزائر، مدينة مراكش، احتفاء فرقة الخيالة الملكية والملك بقدومه، مشروع قطار «البراق» السريع، وأخيرا عن مأدبة العشاء على شرفه في القصر الملكي.

المغرب والجزائر

*جاء في الصفحة 109، التي تحدث فيها عن المغرب والجزائر، من سيرته الذاتية ما يلي «..كان لزاما علي أن أبرر ما يصفه بالنزعة المغربية. بالنسبة له، بدا الأمر واضحا، حبي الكبير للمغرب أكثر من الجزائر. لقد دافعت عن ذلك بكل قوتي، بالرغم من أنني، كنت أقول في نفسي : «على الأقل، عندما أكون في مدينة الرباط، الملك لا يلومني عن الحماية !». بالنظر إلى أن الحدود بين المغرب والجزائر، قد أغلقت منذ ما يقرب من 26 سنة، فمن السهل أن نتفهم سبب العلاقات المعقدة على المستوى المغاربي».

مراكش شرق بعيد

انتقل نيكولا ساركوزي للحديث عن مدينة مراكش، واصفا إياها في الصفحة 173 ب»الشرق القريب البعيد»، حيث قال : «..بدأت الزيارة من مراكش، حيث اعتزم الملك محمد السادس استقبالي بها، إنه رجل ذو ذكاء واسع، محب جدا للثقافة الفرنسية، وذو عاطفة كبيرة لا تنضب أبدا. لقد اقترح علي أن اختار المدينة التي ستنطلق منها رحلتنا، لينطق لساني باسم مدينة مراكش، إذ أعتبرها مكانا فريدا من نوعه في العالم، فهي واحة نرمي بأنظارنا منها على ثلوج سلسلة جبال الأطلس، التي لا تبدو كأي مكان آخر.
يهبط الهواء من هذه الجبال العالية باردا، إلا أنه وبمروره عبر الصحراء، يصبح دافئا وعلى درجة حرارة جيدة بدخوله إلى المدينة. إن السماء الزرقاء هنا فريدة من نوعها، ينعكس جمالها في لوحات ماجوريل، التي لا تكذب أبدا. إن الزهور وروائحها تنتشر في كل مكان، روائح كتلك التي في المشرق، إذ اختارت أن تجتمع من كل أنحاء العالم في هذه المدينة المعجزة، التي ترسخ بها كل من الفن والحرفيين منذ قرون مضت. سكان المدينة ترتسم على محياهم البهجة، متعددة وصاخبة، ومرحبة بالضيف. نسيم المدينة لطيف وشمسها مشرقة، تجعلني أحس دائما بكوني جالسا في منزلي، بفضل جوها العائلي المتفرد الذي انغمس فيه بسهولة، بيد أنها بداية المشرق بالنسبة إلي، وهذا ما يجعل المغاربة قريبين وبعيدين عنا في نفس الوقت.
اتصل بي الملك، مباشرة بعد سماعه خبر طلاقي، داعيا إياي لزيارة المغرب رفقة بعض من أقاربي، قائلا : «فلتصطحب معك أبناءك، إذ لا أرغب في أن تظل وحيدا، وإني لأصر على ذلك. سيستمتعون برفقة بعضهم». لقد لمستني هذه الدعوة اللطيفة من قبله، طالبا من بيير وجون مرافقتي إلى المغرب، دعوة تقبلاها بصدر رحب. لقد كان من سوء الحظ أن أسقط مريضا بعد سعادتي بالعودة لزيارة المغرب، هذا البلد القريب إلى قلبي والذي أحبه كثيرا، إذ لطالما شعرت بهذا القرب الذي يمكنني دون شك أن أعيش فيه».

احتفال الخيالة

*تحدث ساركوزي في الصفحة 174، عن احتفاء فرقة الخيالة الملكية والملك بقدومه، إذ قال : «..عندما فتح الباب، كان المشهد كبيرا، فها هي فرقة الخيالة الملكية، بردائها الأحمر وسيوفها على الجانب، تظهر في حلة لا تشوبها شائبة. قدم الملك لاستقبالي، في سيارة ضخمة ذات سقف مكشوف، وذلك في عز بزوغ الشمس، التي لم تمنعني أشعتها من الاستمتاع بجمال المناظر الطبيعية، وما رافقها من صرخات الحشود الضخمة، ودفء الترحيب والضيافة، ما دفعني لاستجماع قوتي لكي أظهر في مظهر يليق بهذه اللحظات التي لا تنسى.
صعدنا على متن السيارة، التي وجب فيها أن نبقى واقفين لمدة من الزمن، من أجل الاستمتاع بهذه اللحظات المهمة، التي أطرها الملك أحسن تأطير، من المطار إلى قصره في المدينة، كانت الجماهير محتشدة لتحيتنا، فيما يقدر بما بين 10 إلى 15 صفا، من جماهير مراكشية تصفق وتصرخ وترحب وتغني دون توقف أو تعب، لدرجة أن الحوار رفقة الملك كان صعبا للغاية. لحظات عشتها وأدركت فيها مدى عمق وقدم الثقافة المغربية. حين وصولنا إلى القصر، ونزولنا من السيارة، تهافت الجميع لتقبيل يده، إلا أنه كان يتراجع وإياها في حركة تراجعية غريبة. لقد ظهر القصر الملكي في حلة بهية دون أن تكون مبهرجة بزيادة، فكل أثاثه به عبق التاريخ والتقاليد، مختار بعناية ومصنوع من قبل أكثر الحرفيين مهارة، أثاث عتيق وجميل جدا في نفس الوقت

قطار البراق

انتقل الرئيس الفرنسي الأسبق، للحديث عن مشروع قطار «البراق» السريع، كما جاء في الصفحة 176، إذ قال : «..في اليوم التالي، توجهت صوب طنجة لإلقاء خطاب حول الوحدة من أجل المتوسط. بعد الخطاب ببضعة أشهر، التقيت بالملك في مدينة طنجة الجميلة، بغية تدشين اللبنة الأولى ل»أول قطار عربي سريع»، الذي أصر على تفويض صناعته لفرنسا، دون أي طلب عروض مسبق، مبينا مرة أخرى تعلقه وثقته في بلدنا. فبالرغم من الإحراج الذي انتابني، إلا أن الزيارة كانت ممتعة.
حتى اليوم، لا أزال أتذكر تلك اللحظات بشيء من النوستالجيا. إن المغرب لمحظوظ لكونه تحت سيادة هذا الملك العظيم، وذلك لنظرته ورؤيته الطامحة لعصرنة البلاد دون أن تفقد هويتها، مستعينا بما ورثه من سلطة والده الحسن الثاني وذكائه، غير أنه يزيد فيها حداثة سنه وإنسانية ذاته».

عشاء في القصر الملكي

توجه بعدها نيكولا ساركوزي، إلى الصفحة 175، التي تكلم فيها عن مأدبة العشاء على شرفه في القصر الملكي، واصفا إياها بالقول : « في المساء، أقيمت مأدبة عشاء في القصر الملكي، حضرتها شخصيات الدولة المعروفة، أقامها الملك على شرفي، وكانت بها كل أنواع وأصناف المأكولات بوفرة كبيرة. من شدة حذري، كنت محتشما جدا عند جلوسي إلى المائدة، إلا أن روح الدعابة التي تطبع شقيق الملك مولاي رشيد، علاوة على تواضعه وبراعة تحليله ساهمت في التخفيف من توتري، كما الحال بالنسبة لشقيقاته الثلاث.
لقلقه بشأن صحتي، تأكد الملك من أن الحفلة لن تطول كثيرا، حيث خصصت لي إحدى الغرف في الإقامة الملكية في قلب بستان النخيل، مكان أشبه بجنة على الأرض، محاط بحديقة من أشجار البرتقال، الليمون والزيتون تمتد على مساحة 80 هكتارا، يمكن للرائي أن يشاهد منها سلسلة الأطلس البهية، التي وحين استيقاظي من النوم، كانت أول شيء تقع عيناي عليه، بثلوجه التي تلمع بالرغم من أن درجة الحرارة كانت في حدود 28 درجة مئوية».


الكاتب : ترجمة: المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 16/09/2020