أبواب الذاكرة.. تشكيل الضوء تأملات في معرض الفنان الفوتوغرافي محمد بوسكسو

 

يدعونا هذا المنجز الفوتوغرافي للفنان محمد بوسكسو إلى حصة تأملية في عالم الأبواب العتيقة، بوصفه عالما بصريا يعبر فيه الفنان عن قدرته على التعامل مع الزمن واستذكار اللحظات الهاربة، وتحويل كل ذلك إلى موضوع فني جمالي.
لا ينظر الفنان عبر عدسة الكاميرا إلى الأبواب العتيقة كما هي بل كما ينبغي أن تكون في هذا الفضاء الاستيتيقي، حيث تؤثث الاستعارات البصرية حقلا من الدلالات المتعددة الأبعاد. أكيد أن هناك أرواحا حية تسكن خلف هذه الأبواب لا تلتقطها العين المجردة، لكن تلتقطها العين الثالثة للفنان لتحول فن التصوير إلى فعل إنقاذ جمالي يسعى إلى ترميم كل ما يتداعى في أعماق الذاكرة الجماعية، كما يحول التفاصيل اليومية والاعتيادية إلى رموز للهوية والنوستالجيا والاستمرارية.
العنوان الذي اختاره الفنان محمد بوسكسو لهذا المعرض هو «أبواب الذاكرة : تشكيل الضوء»، على أساس أن الباب ليس فقط أداة فاصلة بين الداخل والخارج، بين الظاهر والباطن، لأن الأمر يتعلق بضرورة التواصل مع ماوراء هذه الإطارات الخشبية او الحديدية الملونة بمجرد فتح الباب أمام القادم..
صحيح أن الخشب والحديد والأقواس تتآكل مع مرور الزمن، والمفاصل تصاب بالصدأ وتبهت الزخارف وتتلاشى الألوان.. وكذلك جميع أنواع الطلاء والصباغة. فالأشياء كذلك تتعرض للهشاشة التي يتعرض لها الإنسان..لكن الهشاشة كما نعلم علامة على القوة وليس على الضعف مادامت تحفز على التحدي والتجاوز..وصحيح كذلك أن الباب صامت لا يقول شيئا لنا، لكنه يكشف عن البنية العميقة التي تتحدث بها لغة الوعي الجماعي والفردي..الباب العتيق غارق في الزمن لذلك ننظر إليه على أنه علامة على تاريخ.. لكنها علامة رمزية ونص بصري تكتبه الهشاشة التي ترسمها التشققات ويلونها الصدأ الذي يعلو صفحة الباب من الأسفل إلى الأعلى ومن اليمين إلى اليسار.الباب كينونة زمنية ترافقنا في رحلة الإنصات إلى صوت الذاكرة واستعادة العتبات المفقودة..الباب العتيق المغلق دعوة لإعادة التفكير في العبور نحو الذات ومصاحبة الآخر إلى أقصى مناطق الاشتباك الوجودية، حيث اللامرئي هو ما يتعدى حدود الذات لاستقبال الاختلاف والانفتاح الذي لاينتهي.
في صدر الباب العتيق يد أخرى تساعد الغريب أو الطارق على المناداة..المطرقة علامة أخرى لكنها علامة صوتية تعلن عن حضورينتصب أمام الباب في انتظار الاستجابة..حين يحرك الطارق هذه اليد وتسقط على صفحة الخشب، ينطق الباب حروفه الأولى معلنا بدأ عملية العبور الرمزي والانتقال من العزلة إلى الانفتاح على الداخل..مطرقة الباب علامة على التواصل مع وجه الآخر الذي يتوارى خلف الباب.. واستكشاف سرديات الأجداد وحكايات الأمكنة القريبة والبعيدة. ليس الباب مجرد خشب ولون..الباب عتبة شعرية ونص بصري مكتف بذاته لا يحتاج إلى غرفة تظهير لإبراز جماليته واستعادة وهجه.. الباب يحتاج إلى تفكيك مغالقه وأيقوناته والغوص في ما وراءه من ذاكرة..
استطاع الفنان محمد بوسكسو من خلال هذا التشكيل الضوئي أو الكتابة الضوئية، إن جاز التعبير، أن يمنح لهذه الأبواب العتيقة حقها في الوجود والتذكر لتعيش حياة ثانية تقاوم فيها فعل الزمن وزوال المعنى حيث تصبح الذاكرة فضاء مفتوحا يمكن العيش فيه من جديد والإصغاء إلى صمت الماضي.
تحية للفنان سي محمد بوسكسو الذي عشق أبواب مازاغن العتيقة كما عشق كل أبواب المغرب العميق، وقرر أن يحتفل بها بطريقته الفنية الخاصة..أعرف جيدا تفاعل هذا الفنان مع البحر وتاريخ البحر بهذه الربوع. وأنا أفترض أنه كلما لمست يداه زر الكاميرا، كلما تذكر أن وراء الباب بحرا آخر تختزنه ذاكرة الخشب..


الكاتب : محمد مستقيم

  

بتاريخ : 18/10/2025