أجمل أفلام العبقري ستانلي كوبريك.. الشغف وهوس الكمال

قدّم ستانلي كوبريك للسينما «أوديسا الفضاء»، الفيلم الذي أعتبره شخصيًا أعظم خيال علمي في مشاهداتي، الفيلم الذي قتل بحثًا ودراسة ويعرض فيه كوبريك رؤيته للتاريخ والله حيث يقول عنه «من الناحية النفسية العميقة فإن حبكة الفيلم ترمز إلى البحث عن الله، و يسلم في النهاية بما هو أقل من التعريف العلمي لله، ويمكن القول أن الفيلم يدور حول هذا المفهوم الميتافيزيقي والتركيز على المشاعر الحقيقية والواقعية التي كانت ضرورية لتقليل المقاومة المتأصلة في الإنسان ضد هذا المفهوم الشعري».

 

ولد ستانلي كوبريك في مانهاتن في عام 1928 وعمل أبوه طبيبًا، وعند بلوغه 12 عامًا تعلم ستانلي كوبريك الشطرنج ورافقته اللعبة طوال حياته، وبعدها بعام اشترى له والده كاميرا أخذت اهتمامه وأحب الجاز، وحاول أن يعمل بعدها في مجال الجاز لكنه لم يفعل.
درس ستانلي كوبريك بين عامي 1941- 1945 لكنه لم يكُن بالطالب المُجتهد، والتحق بعد ذلك بكليات التجنيد، وبعدها أرسله والده للعيش مع أقربائه في لوس أنجلوس ليساعدوه في تنمية رغبته بالتعليم، ويشاء القدر بعدها أن يختاروه كمصوّر للمدرسة، ليسلك بعدها مشواره في التصوير الفوتوغرافي ويعمل لدى مجلة “لوك” وتعلقوا به لحبه للفن وللتصوير وقد كان كوبريك محبًا شديدًا للسينما ويذهب لقاعاتها 8 مرات في الأسبوع.
يقول المُخرج الإسباني العظيم لويس بونويل: «أنا من عشاق (البرتقالة الآلية)، مع أني كنت من مناهضي الفيلم ، لكن بعد مشاهدتي له أدركت أنه فيلم عن العصر الحديث».
في عام 1951 اقتنع ستانلي كوبريك برأي صديقه بأن يعمل في تصوير سلسلة من الوثائقيات، وكان أولَ أعماله فيلم يدعى «يوم القتال» من ماله الخاص وبشكل استقلالي بحت، وبعدها عمل في فيلم آخر ليخرج بعد ذلك أول أفلامه الروائية الطويلة في عام 1953 ويبدأ بعدها مشواره في السينما.
أخرج ستانلي كوبريك في سلسلته الروائية 13 فيلمًا لم أشاهد أول فيلمين منها، وكان الفيلم الثالث في مسيرة كوبريك هو «القتل»، وكان هذا الفيلم هو أوّل معبر عن سينما ستانلي كوبريك، عصابة تم تكوينها يقودها خارج من السجن، لكن تشاء الظروف أن يتعقد الأمر لينتهي الفيلم نهاية تشير إلى تبخّر الحلم. بعد ذلك سيتخلّى الرجُل عن الأفلام البوليسيّة ليتجه إلى فيلمه «ممرّات المجد» في 1957، ثم «سبارتاكوس» ومن بعده «لوليتا» – عن رواية للروائي الكبير فلاديمير نابوكوف – في 1960 و 1962 على الترتيب، وهي من أجمل أفلام ستانلي كوبريك على الإطلاق.
وبعد «لوليتا» بعامين انطلق المُخرج الكبير لصنع أول فيلم انتهج فيه أسلوبه الساخر «Dr. Strangelove»، كوميديا عبثيّة عن الحرب والرؤوس النوويّة ضربت في صميم الحرب بين الروس والأمريكيين، وهو كذلك من أهم أفلام ستانلي كوبريك التي تركت طبعة لا تنسى في مسيرته الفنية.
بعد ذلك قدّم ستانلي كوبريك للسينما «أوديسا الفضاء»، الفيلم الذي أعتبره شخصيًا أعظم خيال علمي في مشاهداتي، الفيلم الذي قتل بحثًا ودراسة ويعرض فيه كوبريك رؤيته للتاريخ والله حيث يقول عنه «من الناحية النفسية العميقة فإن حبكة الفيلم ترمز إلى البحث عن الله، و يسلم في النهاية بما هو أقل من التعريف العلمي لله، ويمكن القول أن الفيلم يدور حول هذا المفهوم الميتافيزيقي والتركيز على المشاعر الحقيقية والواقعية التي كانت ضرورية لتقليل المقاومة المتأصلة في الإنسان ضد هذا المفهوم الشعري».
أتى بعد الأوديسا فيلم «البرتقالة الآلية» الذي قدّم فيه الرجل خيالًا وفانتازيا في موضوعه، واحد من أكثر الأفلام عنفًا وإثارة للتقزز، فيلم يعلن فيه ستانلي كوبريك عن الشر الإنساني بكل وضوح، هجائية عظيمة، وهو من أعظم أفلام السينما الأمريكية، وأحد أمتع وأهم أفلام ستانلي كوبريك.
بعدها قدم كوبريك فيلمه «باري ليندون» الذي استخدم فيه الإضاءة بالشموع بالشكل الأعظم، ونال الفيلم أربع جوائز أوسكار، وبعد ذلك قدم»The Shining» الذي يعتبر رعبًا غير مألوف عن رواية لستيفن كينج، احتوى المشاهد ونقله إلى عالم آخر بصورة عظيمة واستنطاق مذهل لآداء جاك نيكلسون، وهو واحد من أشهر أفلام ستانلي كوبريك وأكثرها مشاهدة.
«1987 Full Metal Jacket» الذي يحكي دراما حربيّة وهجائيّة للنظام العسكري الذي يرمي الجنود في وسط الحرب بدون تأهيل نفسي.
«1999 Eyes Wide Shut» الذي ختم به كوبريك مسيرة أعماله الفنيّة التي استمرت طوال ما يقرب من 50 عامًا ، وقد قال عنه ديفيد لينش: «أنا من المعجبيين بفيلم Eyes Wide Shut أحاول فقط أن أفهم إن كان كوبريك أنهاها بالشكل الذي أراده قبل أن يموت».
كان المخرج الراحل ستانلي كوبريك يكره هوليوود بسبب أسلوب السيطرة المتبع فيها، ولعل أشهر مشاكله معها مشكلته مع مارلون براندو في «One-Eyed Jacks» الذي أخرجه براندو لنفسه بعد ذلك، أو حتى خلافه مع كيرك دوغلاس في فيلم «سبارتاكوس» الذي سيطر عليه كيرك مما جعل ستانلي كوبريك يتبرأ من الفيلم بعد ذلك.
وقال ستانلي كوبريك: «كنت أقوم بدور المصور والمخرج والمنتج ومساعد المنتج وفني المؤثرات الصوتية، وغيرها من المهام، وكان الأمر بالنسبة لي عبارة عن الخبرة وتجربة غنية، و بما أني اضطررت لأن أعمل كل شيء بمفردي فقد اكتسبت معرفة صحيحة وشاملة في كل الجوانب الفنية اللازمة في صناعة السينما».
وقال عن تجربته في الفيلم: «سبارتاكوس هو الفيلم الوحيد الذي لم اتمتع فيه بالسيطرة المطلقة، إن عملي في سبارتاكوس أتى بعد عامين من انقطاعي عن الإخراج، وعندما عرض علي كيرك دوجلاس فرصة إخراج الفيلم اعتقدت أنه بمقدوري ان أصنع شيئًا مميزًا في حال جرى تغيير السيناريو لكن تجربتي أثبتت أنه حال لم تشترط العقد بوضوح أن قراراتي هي التي ستنفذ فلن تكون هناك فرصة لتحقيق ذلك، كان بالإمكان تحسين السيناريو أثناء التصوير لكن ذلك لم يحدث أبدًا فدوجلاس كان المنتج وجرت الأمور بالطريقة التي اختارها كل من دوجلاس وكاتب السيناريو دالتون ترمبو والمنتج المنفذ إدوارد لويس».
يقول المخرج الكبير أورسون ويلز: «نعم لكن فيلم (The Killing) أفضل من «The Asphalt Jungle» مشكلة التقليد تشعروني بلامبالاة، ستانلي كوبريك يعتبر أفضل من هوستن لم أشاهد لوليتا لكني على يقين أن كوبريك يستطيع تقديم أي شيء بصورة رائعة».
عرف عن ستانلي كوبريك صرامته الشديدة في العمل وانتقائيته لنوعية ما يقدمه من أفلام وهوسه بالكمال والمثالية، وامتازت سينماه بالتنوع والاهتمام بالتفاصيل وانتقاد الإنسان والتعرض لقدرياته، كان بارعًا في صنع عوالم غير معتادة تحتوي تصرفات غريبة من شخصياته.
وكان ستانلي كوبريك مهتمًا جدًا بترك الشخصية تكشف ذاتها أمام المشاهدين، ولا يحاول أن يتدخل في هذه العملية، تبدو شخصياته لطيفة للوهلة الأولى لكن حين يكتشف الجمهور حقيقتها يقع في حيرة، كان يؤمن بأن الحدس هو بيت القصيد.
وكان يقول ستانلي كوبريك إن المخرج يعمل مع عناصر عديدة يشكل الحدس منها ثلاثة أرباع عمله، فالناس تذهب للسينما للتجاوب مع الفيلم بواسطة مشاعره وليس للتحليل، الناس تذهب للسينما لتعيش تجربة مكثفة باختلاف صنف الفيلم، والخطيئة الكبرى هي حرمانهم من ذلك.
كان ستانلي كوبريك كثير الزهو بفيلمه أوديسا الفضاء باعتبار أنه هو الفيلم الذي قدم فيه تجربته البصرية الأعظم، فبالنسبة له هناك مساحات معينة لا تستطيع الكلمات التعبير عنها فالكلمات قيد عظيم، وحينها نلجأ للرسم أو الموسيقى.
يقول مارتن سكورسيزي عن أفلام ستانلي كوبريك: «جرأته في إصراره على التصوير البطيء، في مشهد الإغراء في لوليتا الذي يتابعه ببطء حتى يتحول إلى نوع من الغيبوبة، أفلامه تشبه رقص الباليه تناسق كبير بين الصورة والموسيقى وحركة الجسد لدى ممثليه».


الكاتب : n محمد السجيني

  

بتاريخ : 26/01/2019