«أحداث الربيع العربي وأصداؤها في الرواية» : «الملتقى الوطني للنقد الأدبي» يدعو إلى اعتماد 6 مارس يوما وطنيا للنقد الأدبي

 

أسدل الستار على فعاليات «الملتقى الوطني الأول للنقد الأدبي»، الذي احتضنته مدينة خنيفرة، من 6 إلى 8 مارس 2020، في ضيافة «مركز روافد للأبحاث والفنون والإعلام»، والذي أجمع جل المهتمين بالشأن الثقافي على نجاحه، في التنظيم والتمكن من استقطاب واستضافة الكثير من النقاد والمبدعين والشعراء، من مختلف الجهات، والذين تفاعلوا مع التظاهرة إلى حين اختتامها بعدد من التوصيات التي أكدت «الحرص على استمرار الملتقى الوطني للنقد الأدبي بخنيفرة»، مع «اعتماد يوم السادس مارس من كل سنة يوما وطنيا للنقد الأدبي والاحتفاء به»، فيما دعت إلى «طبع النصوص والمداخلات في كتابٍ لحفظ ذاكرة الملتقى، مع صيغ تؤرخ للمشاركين توثيقا وجماليا».
ودعت التوصيات بالتالي إلى «استثمار النصوص الإبداعية – للمشاركين في الملتقى- في المقاربات النقدية المقدّمة في الندوات»، مع «تنظيم مسابقة حول الكتابة النقدية يتم الإعلان عن نتائجها ضمن فقرات الملتقى»، و»التركيز على الندوات خلال برمجة فقرات الملتقى، بحيث تشغَل جميع أيامه»، إلى جانب «التفكير في ورشات يستفيد منها المبدعون حول المحور الذي يشتغل عليه الملتقى»، والتشديد على «تخصيص صالونات للقراءات الإبداعية خلال الملتقى بحيث يكون جمهورها متخصصا». وقد سعى هذا الحدث الثقافي إلى تعزيز المشهد الأدبي من خلال إنشاء جسر آخر للحوار، وتقريب وجهات النظر بين الروائيين والنقاد في اتجاه مساءلة الأعمال السردية.
الملتقى الأول الذي حمل شعار: «أحداث الربيع العربي وأصداؤها في الرواية»، واختير الناقد د. عبدالمالك أشهبون عريسا له، جرى افتتاحه بكلمة لرئيس مركز روافد، القاص والناقد ذ. حميد ركاطة، أكد فيها على أن «تنظيم ملتقى النقد الأدبي بخنيفرة يندرج ضمن تصوّر عام لمشروع ثقافي متدرّج يتبناه مركز روافد، بعدما توفرت له نسبيا بعض شروط الاشتغال، ويعتبر الأول من نوعه بشمال إفريقيا»، مع المراهنة على جعله «موعدا للنقاد والمبدعين على السواء، والاحتفاء سنويا بجنس أدبي محدد»، بالإضافة إلى تنظيم مجموعة من الموائد النقدية المتخصصة، والورشات لفائدة التلاميذ، والمهتمين بالنقد عموما.
كما لم يفت ذ. ركاطة إبراز ما يميز طبيعة الملتقى النقدي كذلك، ومن ذلك أنه «سيهتم بمختلف الأشكال التعبيرية الأخرى، مع العمل، خلال القادم من الدورات، على تنظيم مسابقة وطنية في الكتابة النقدية»، وعن شعار الدورة أوضح أن مركز روافد يروم «الانفتاح على تجليات هذه الأحداث في التلقي النقدي، والتخييل الروائي، وأن أرضية الملتقى تضمنت مجموعة من المواقف والأسئلة التي تمحورت حول مدى تفاعل الروائي العربي مع «أحداث الربيع العربي».
وبعد اعلان الشاعرة نعيمة قصباوي، بأسلوبها الجميل، عن انطلاق أشغال الملتقى، وتناوب كلمات بعض الشركاء، مثل مديرية التربية الوطنية والمركز الثقافي، اختار مركز روافد أن تكون «المقدمة» عبارة عن قراءات شعرية وقصصية، قام بتسييرها القاص ذ. عبدالواحد كفيح، وشارك فيها عدد من المبدعين، خاطب فيها فتح الله بوعزة نفسه ب «وحدك يا أنا»، وقرأت مليكة معطاوي في «ملامح بلا وجه والنجوم الكئيبة خلف المرايا» ، ثم نعيمة قصباوي التي صدحت أنفاسها بعدم وجود أي «شريك للوطن» ، فيما تقدم القاصون محمد العتروس، حسن الرموتي، عبدالكريم عباسي وعلي بنساعود بأجمل وألذ النصوص الحكائية.
وفي اليوم الثاني، تم عقد الجلسة النقدية الأولى تحت عنوان «الرواية واضطرابات الواقع العربي»، سيرها الناقد حسام الدين نوالي، بمشاركة د. عبدالمالك أشهبون الذي قام بعملية تشريح دقيقة لجدلية الروائي والتاريخي في الكتابة الرواية، وكيف يمكن الحديث عن أحداث الربيع العربي من الزاوية الابداعية عوض الزاوية السوسيولوجية، ما دامت الرواية هي الفن الأرحب الذي يوفر للروائي فضاء أوسع للتعبير الروائي عن رأيه ورؤاه .
وفي نفس السياق، وبرؤية الناقد المتخصص، أبرز د. أشهبون أنه «ليس كل من كتب حول الربيع العربي هو روائي ناجح بالضرورة، فربما كان حبيس الوضع والحدث، عكس ما يتطلبه العمل الروائي الحكائي»، ومن هنا امتدت قراءة المتدخل لتشخيص «الخلط القائم بين الرواية والتأريخ ومشكل عدم التمييز بينهما»، ثم الكتابة الروائية وعلاقتها بالبناء الحكائي، وعنصر التوثيق وعلاقته بالتقنية الروائية، وسؤال تمثل الواقع ومدى تحويله إلى التخييلي والجمالي.
أما الناقد د. خالد الموساوي، فانطلق في مداخلته القيمة من بعض الروايات المغربية التي تناولت حراك 20 فبراير، ومنها رواية عبدالإله بلقزيز، ليؤكد «مدى استطاعة العمل الروائي أن يتيح للكاتب فضاء للاعتراف والذوبان في نسق ما يجري من حركات بنيوية وتنبؤات بما قد يحدث بسلاسة إبداعية»، ومن مساءلة للذات من الخلفية الوجودية في ارتباطها بكبت المعاناة والتطلع للواقع والأمل في التغيير، فيما لم يفت المتدخل قراءة بعض الفقرات من روايات مختلفة كنماذج لأرضية مداخلته، مع مقارنة البداية والنهاية فيها، وتحليل نقدي ونفسي للتمرد الداخلي الذي يتجادل بين نفسية الروائي والرغبة في إخراج هذا التمرد إلى الانخراط في التيار الكاسح.
ومن جهة أخرى، تناول د. خالد الموساوي حضور التاريخ في الرواية، وما تحاول الرواية انتقاءه من التاريخ، ومما عمدت السلطة إلى إلغائه وعدم توثيقه وتدوينه، بشكل أو بآخر، فيما انتقل بورقته للحديث عن «الواقع الممتد تحت قبضة السلطة رغم وجوده خارج أماكن الاعتقال»، قبل تطرقه للهزات التي شهدتها بعض المناطق العربية التي لم يسجل بها أي قمع بدني «إلا أن الحقيقة تكمن في وجود صيغ أخرى للقمع».
وفي مساء ذات اليوم، كان الجميع على موعد مع أشغال الجلسة النقدية الثانية: «التلقي النقدي  للرواية العربية» (عبد المالك أشهبون نموذجا)، تقدم لتسييرها القاص والناقد ذ. حميد ركاطة، حيث استهلها العراقي د. علي القاسمي بورقة حول الناقد عبد المالك أشهبون، انطلاقا من نشأته وحياته وكتاباته، إلى حين أضحى «أول ناقد عربي خص العتبات النصية وملحقاتها في مجموعة من الأعمال والدراسات والأبحاث النقدية التي جمعت بين ما هو سيري وما هو أكاديمي»، حيث استعرض خلاصات لمجمل هذه الأعمال وبنياتها وقيمها الفنية والجمالية، وما يميزها من انتقاد لمظاهر الاستبداد مقابل رؤى تحررية للفكر العربي من أجل الديمقراطية.
ومن جهته، شارك د. محمد الفتحي في مداخلته بورقة حول «العنوان والعتبات»، بالإشارة إلى القاسم المشترك الذي يجمع بينهما في مجمل أعمال ودراسات د. أشهبون النقدية، مع طرح مجموعة من الأسئلة تتعلق بالكيفية التي يتناول بها د. أشهبون قضايا «العنوان وامتداده للنص»، ووفق أي جهاز مفاهيمي؟، وهل يتوقف في تناوله عند حدود العنوان والعتبات؟، وألم يستنفد هذا الخطاب راهنيته؟، أو كيف يقرأ د. اشهبون هذا الخطاب ويبني استراتيجيته الحجاجية ويتبنى خطابا مضمرا للعتبات؟، ليخلص إلى كون الناقد أشهبون يتوزع اشتغاله بين حقول نقدية متعددة ومناهج مختلفة وتناول جديد لمقاربات السرد وسجالات اللسانيات والعلوم الانسانية.
ونظرا لظروف شخصية حالت دون حضوره، شارك د. عبدالواحد المرابط، بمداخلة تلتها دة. مالكة معطاوي بالنيابة، تحت عنوان «المقامات من منظور بنيوي، قراءة في كتاب تطريز الحكاية في المقامة لعبد المالك أشهبون»، رسم فيها تاريخ النقد الأدبي من خلال مراحل كبرى ، في ارتباط جميعها بعلاقات زمنية متباينة تلخص بالنص الأدبي، فيما ركز د. المرابط على كتاب «تطريز الحكاية في المقامات» للدكتور أشهبون، وقدم خلاصات في شأن مضمونه من خلال رفض ما دأب عليه القدماء من احتفاء بلاغي بالمقامة، مقابل السعى إلى فتح آفاق جديدة في مقاربة عوالم المقامة.
وفي حفل متميز، جرى الاحتفاء بعريس الدورة، الناقد د. عبدالمالك أشهبون، عبر مشاركة أصدقائه الكُتاب، د. عبدالسلام المساوي، د. نورالدين السفياني وعلي بنساعود، بشهادات في حقه، من خلال «نوستالجيا مشتركة» استعرضت في مجملها سيرة د. عبدالمالك أشهبون، ومراحل حياته الدراسية والجامعية والفكرية، وحركته في زمن ظهر المهراز والنضال اليساري ودروب فاس والكتابة والبحث، وأحلامه الصغيرة والكبيرة وعشقه للموسيقى والرواية، ووفائه لأصدقائه القدامى وابتسامته ومواقفه الساخرة.
وتزامنا مع «اليوم العالمي للمرأة»، بادر «مركز روافد للأبحاث والفنون والإعلام» إلى صنع «لحظة احتفاء وتكريم» على شرف المرأة المغربية، عبر قيام أعضائه بتقديم «وردة حمراء» لكل امرأة حاضرة، مع تنظيم حفل موسيقي بقيادة ذ. يوسف الرشيد وذ. محمد بوقنبوع اللذين رحلا بالجميع في أجواء احتفالية رائعة، فيما لم يفت الشاعرة والحقوقية فاطمة الزهراء فيزازي التقدم بكلمة متميزة بالمناسبة دعت من خلالها للعمل سويا من أجل صناعة غد وتغيير، وتشكيل مجتمع متوازن تسوده الحداثة والحرية والكرامة، حتى تحتل فيه المرأة المكانة التي تستحقها ضد مظاهر التمييز والقهر والعنف والدونية.


الكاتب : خنيفرة: أحمد بيضي

  

بتاريخ : 16/03/2020