أحمد بوكوس: ما فائدة الباحثين والنخب المثقفة إن لم توظِّف أبحاثها لتغيير وضع ما؟

استضافت فقرة «محاورات « بالمعرض الدولي للنشر والكتاب، يوم الخميس الماضي، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أحمد بوكوس، الذي حاوره عبد السلام خلفي.
في مستهل اللقاء كان لابد من تقديم نبذة مختصرة عن الضيف، وكما جاء على لسان مقدم اللقاء فإن ساعة واحدة لن تكفي للإلمام والحديث عن مساره الأكاديمي والنضالي والمهني الطويل، فأحمد بوكوس قامة فكرية متميزة حازت مكانة متقدمة داخل الحركة الأمازيغية بأبحاثه العديدة حول اللغة الأمازيغية.
ويعتبر بوكوس أول من أدخل درس الأمازيغية إلى الجامعة المغربية، من مؤلفاته: «اللغة والثقافة الشعبيتان بالمغرب»، «الأمازيغية والسياسة اللغوية والثقافية بالمغرب2003»، «اللغات والثقافات في المغرب: رهانات رمزية.»»الألسنية الاجتماعية المغربية»، «الأمية والتنمية المستدامة بالمغرب».
أما عن مساره النضالي فهو من أوائل الذين وضعوا اللبنة الأولى في مسار الحركة الثقافية الأمازيغية، وطرحوا سؤال الأمازيغية على المستوى المغربي المغاربي وعلى المستوى الدولي، منطلقا من المرجعية اليسارية، قبل أن ينسحب بوكوس شيئا فشيئا ويؤسس أول جمعية على الصعيد المغربي: « جمعية البحث والتبادل الثقافي»، كما ساهم في تأسيس الجامعة الصيفية بأكادير سنة 1979.
في مداخلته، سيتناول أحمد بوكوس موضوع البحث في حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية، وخصوصا مجال اللسانيات، قائلا إنه بعد أن قضى عددا من السنوات في الجامعة كباحث سيطرح جملة من الأسئلة التي يراها أساسية:
سؤال المعرفة والنسق، أو المعرفة داخل سياق معين، وهذا السياق هو السياق الوطني، لكن، يضيف، أن «عامل العولمة أساسي يتحكم اليوم في التغيرات التي نعيشها ونجهلها والتي تمتثل لها إنتاجاتنا اللغوية وإنتاجاتنا الثقافية، وبالتالي فموضوع علاقة اللغة بالثقافة يستحق منا كل الاهتمام، لأن هناك منظرين في مجال علم اللسانيات يعتبرون أن هذه الأخيرة هي علم البنى اللغوية بشكل مجرد عن السياق المجتمعي والثقافي الذي يعيش فيه متكلمو هده اللغة أو تلك، وهولاء اللسانيون يهتمون اهتماما حصريا وقصريا بالبنيات اللغوية»، مؤكدا في هذا الصدد «أن المفارقة الأولى التي نجدها عند اللسانيين تتمثل في السؤال التالي : هل بإمكاننا نحن اليوم، بخصوص اللغة الأمازيغية،أن ننظر للأمازيغية كمعطى مجرد عن واقع معين وعن متكلمين وعن ناس منخرطين في عملية التواصل، مع العلم أن عملية التواصل هذه لها بالضرورة وقع على نوعية هذا التواصل وأدواته وغاياته؟»، ومشيرا إلى أن البعض يقول إنه لا توجد علاقة للغة بالثقافة، لكن السوسيولوجي ليفي ستراوس، يورد بوكوس، وضع تحليلا مفاده أن العلاقة وطيدة بين اللغة والثقافة، وأن اللغة هي مجرد مكون للثقافة.
أما الأمر الثاني، يقول بوكوس، فيخص علاقة اللغة والثقافة بالذات والهوية الفردية، إذ يرى أنه منذ بداية اشتغاله في حقل الثقافة الأمازيغية وعندما طرحت المسألة المتعلقة بالهوية الأمازيغية، اعتبر أن هذه الأخيرة هوية صافية، وهي الهوية المغربية بأكملها، وهي» الأس والأصل والمنتهى».
وهو ما أدخله في تصادمات مع زملاء آخرين يعتبرون أن الهوية العربية هي كذلك هوية صافية وهي الأصل، وأن الأمازيغية هي جزء من الهوية المغربية العربية الصرفة، فالعلاقة بين اللغة والثقافة في المجتمع المغربي سؤال محوري لأنه ليس مجرد سؤال نظري، والجواب عنه له تداعيات على المستوى الإيديولوجي وعلى المستوى السياسي كذلك، لأن من يدافع عن الهوية الأمازيغية الصرفة يتموقع في خانة معينة من الناحية الإيديولوجية، ونفس الشيء لمن يدافع عن الهوية العربية، وفي غالب الأحيان ينعدم الحوار بين التيارين، وكل تيار ينعت الآخر بالانغلاق والتزمت والماضوية وأنه يسعى إلى تشتيت وتمزيق الشعب المغربي والوحدة المغربية، وهي الرؤى التي تغيرت في السنوات الأخيرة، حيث تبين أن الصالح العام يفرض علينا أن ننظر للهوية المغربية على أنها مكونة من جانب يتعلق بالعربية وجانب يتعلق بالأمازيغية، وقد وضع الفصل الخامس من الدستور حدا لهذا الجدل.
وعن علاقة اللغة والثقافة بالسلطة ومؤسساتها، قال بوكوس إنه عادة ما ينظر المثقف إلى نفسه ككائن يفوق جميع النخب الأخرى التي تتعايش معه في فضاء الإبداع والبحث، ويعتبر أن أي مثقف له إسهام في مؤسسة من المؤسسات إلا و تنزع منه صفة الباحث لأنه في ذهن عدد من المثقفين فإن المثقف لا يمكن أن يكون كذلك إلا إذا اشتغل بنفسه ولنفسه وأن يمتلك بالضرورة نظرة نقدية للمكونات الأخرى للحقل الثقافي وللمؤسسات المنتجة للثقافة، وهذه من الأمور، التي اعتبر بوكوس، أنه ليس من السهل تجاوزها، إذ من الصعب أن يكون المثقف منعزلا عن محيطه، خاصة مع زملائه المشتغلين معه.
أما عن سؤال المعرفة أو الأسئلة التي تطرح علاقة اللغة بالثقافة بالسلطة وبالمجتمع وبالمؤسسات، فقد أكد المحاضر أنه سؤال محوري لابد للباحث أن يحسم فيه، مستحضرا المحيط ومسوغات الفكر السائد في هذا المحيط، متطرقا في نفس السياق إلى أسئلة المنهج أو منهج الاستكشاف، أو إشكالية الموضوعية في المقاربة العلمية في الدراسات الاجتماعية والإنسانية، مقرا أنه اكتشف مع منهاج بورديو النقدي أفقا جديدا يمكن للباحث أن يستفيد منه ويتجاوز التناقضات البديهية اللاعلمية، كما أنه استفاد من مساهمات عبد الكبير الخطيبي الذي جاء بمقترحات مهمة منها النقد المزدوج.
في ما يتعلق بالنجاعة الاجتماعية للباحث والبحث، اعتبر بوكوس، أن الباحث موظف يقتات من ميزانية الدولة كباحث أو أستاذ، لكن السؤال ما الفائدة من هذا البحث ومن هذه الفئة الاجتماعية المسماة النخبة المثقفة إن لم يكن الأمر يتعلق بتوظيف البحث لتغيير وضع ما؟ مشيرا الى التعالق المتلازم بين البحث والعولمة المهددة للغات والثقافات الهشة، متسائلا : كيف التعامل معها هل برفضها، رغم أنها أصبحت معطى واقعيا، رافضا في هذا السياق الرؤى المنادية بالمحلية وداعيا إلى ضرورة التلاقح بين إيجابيات العولمة وإيجابيات الثقافات المحلية، وهذا ما يصب في ثقافة الغد التي تلائم مفهوم تحالف الحضارات.


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 18/02/2020