أحيزون يغادر سفينة اتصالات المغرب بعد 27 عاما

 

في عالم الاتصالات بالمغرب، قلّما نجد شخصية ارتبط اسمها بالقطاع بقدر ما ارتبط اسم عبد السلام أحيزون، الرجل الذي قاد اتصالات المغرب لما يزيد عن ربع قرن، وشكل جزءًا من التحولات العميقة التي عرفتها البنية التحتية الرقمية للبلاد.
وُلد عبد السلام أحيزون سنة 1955 في مدينة تيفلت، وتلقى تعليمه العالي في فرنسا حيث تخرج سنة 1977 من المدرسة الوطنية العليا للاتصالات بباريس (Télécom Paris) بفضل تكوينه الهندسي المتين، انطلق في مسار مهني جعله أحد أبرز الفاعلين في قطاع الاتصالات بالمغرب.
بدأ أحيزون مشواره المهني داخل «اتصالات المغرب» في ثمانينيات القرن الماضي، حيث رآكم خبرة واسعة في القطاع التقني والإداري على حد سواء. سرعان ما صعد السلم الوظيفي حتى عُيّن مديرا عاما لاتصالات المغرب سنة 1998، وهي المرحلة التي تزامنت مع بداية تحرير قطاع الاتصالات في المغرب الذي قررته حكومة عبد الرحمان اليوسفي.
لم يكن أحيزون مجرد مدير عام، بل كان مهندسا استراتيجيا قاد اتصالات المغرب نحو تحولات كبيرة. ففي سنة 2001، أشرف على عملية خوصصة الشركة عبر تفويت % 35 من رأسمالها لمجموعة «فيفاندي» الفرنسية، وهو ما شكل نقطة تحول في تاريخ المؤسسة، حيث انتقلت من شركة عمومية إلى فاعل اقتصادي مندمج ضمن سوق الاتصالات العالمي.
تحت قيادته، لم تقتصر طموحات اتصالات المغرب على السوق المحلي، بل توسعت نحو القارة الإفريقية، حيث تمكنت المجموعة من التموقع بقوة في دول موريتانيا، مالي، بوركينافاسو، الغابون، ساحل العاج، بنين، الطوغو، النيجر وإفريقيا الوسطى، ما جعلها اليوم تعتبر من بين أكبر الفاعلين في قطاع الاتصالات بالقارة.
رغم التغيرات الكبيرة التي عرفها القطاع والتحديات المرتبطة بالمنافسة الشرسة، خصوصا مع دخول فاعلين جدد إلى السوق المغربي، استطاع أحيزون الحفاظ على مكانة اتصالات المغرب كفاعل رئيسي. وقد اعتمد في ذلك على استراتيجيات الاستثمار في البنية التحتية، توسيع خدمات الإنترنت والهواتف المحمولة، وتعزيز التحول الرقمي.
لكن رغم نجاحاته، لم يسلم أحيزون من الانتقادات، خاصة فيما يتعلق بمزاجه السلطوي الذي لا يقبل التفاوض أو الرضوخ، وهو العناد الذي أدخل الشركة في متاهات قضائية وقانونية كلفت ملايير الدراهم، خصوصا في قضية اقتسام البنية التحتية مع المنافسين.
أول أمس الثلاثاء 25 فبراير 2025، وبعد أزيد من 27 سنة من قيادته لاتصالات المغرب، غادر عبد السلام أحيزون منصبه، بعد قرار مجلس الرقابة بإنهاء مهامه وتعيين محمد بنشعبون خلفا له. ويأتي هذا القرار، الذي كان متوقعا منذ عدة أشهر، في وقت تغرق فيه اتصالات المغرب في سلسلة من الصراعات المكلفة التي كانت في غنى عنها، مما أدى إلى خسائر فادحة (أخرها تعويض لشركة وانا قدره 6.3 مليار درهم).
ولاشك أن هذه العقلية الاحتكارية و الممارسات المنافية لقواعد المنافسة هي التي كانت بشكل أو بآخر سببا من الأسباب التي دفعت الى الاستغناء عن خدماته، خاصة وأن المغرب مقبل على فتح القطاع في وجه تكنولوجيا الجيل الخامس استعدادا لمواعيده الرياضية القادمة وهو ما يحتاج إلى فاعلين أكثر «مرونة» و «رحابة صدر» من أحيزون الذي برحيله يسدل الستار على مرحلة مفصلية في تاريخ اتصالات المغرب، رغم أن بصمته في القطاع ستظل قائمة، سواء من خلال السياسات التي أرساها أو من خلال الكفاءات التي ساهم في تكوينها.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 27/02/2025