أدب الخيال العلمي بين الرواية الغربية والرواية العربية

 

«إن عالم الواقع لا يكفي وحده لحياة البشر. إنه أضيق من أن يتسع لحياة إنسانية كاملة «. هكذا يقول الأديب المصري توفيق الحكيم، حكمة يتردد صداها لدى رواد أدب الخيال العلمي، إذ جعلوا منها قنطرة للعبور بين الأزمنة والأمكنة، بل ووصلوا إلى الفضاء في زمن كان فيه الوصول إلى القمر من المستحيلات، واخترعوا بمخيلتهم الواسعة تقنيات لم تخطر على البال، فأضحى بإمكان القارئ اكتشاف عوالم جديدة من خلال الرواية، تتجاوز واقعه الحسي.
كانت القارة العجوز موطن بروز النواة الأولى لهذا الجنس الأدبي، حيث وجد في إنجلترا أرضا خصبة ليتطور، وكانت البداية مع الروائية «ماري شلي»، ففي العشرينيات من عمرها ألفت روايتها الأولى في أدب الخيال العلمي، عنونتها بــ «فرنكنشتاين» وكان ذلك عام 1818. تحكي الرواية قصة شاب استطاع بعد بحث مضن، صناعة كائن عجيب، لكن سرعان ما ستنقلب الصناعة على الصانع، إذ تمرد عليه هذا الكائن ودخل معه في صراع، فقد تسبب في قتل أحد أفراد أسرته.
ودائما في بريطانيا، وهذه المرة مع الروائي الإنجليزي هربرت جورج ويلز، يسافر من خلال روايته «آلة في الزمن» الصادرة عام 1895 بقرائه، إلى عالم مستقبلي بعيد تولد فيه طبقتان اجتماعيتان غريبتان، الأولى سماها بـ «الإيلو» المتسمة بالغنى والغباء، أما الثانية التي سماها بـ «الموررولوك» فتمتاز بطابعها الهمجي والبعيدة عن سلوك البشر.
هذا الجنس الأدبي سيكتمل نموه، ويأخذ شكله الحديث في فرنسا، مع الروائي «جول فيرن «، حيث يعد بمثابة الأب المؤسس لهذا النمط الأدبي. فالعديد من مؤلفاته وجدها طريقها نحو الفن السابع. الكاتب استبق وصول أول إنسان إلى سطح القمر بحوالي قرن من الزمن، إذ صدرت له رواية سماها « من الأرض إلى القمر»، لتليها أعمال أخرى في نفس الإطار، كـ «عشرون ألف فرسخ تحت الماء» ؛»المدينة العائمة» ؛ تجارب دوكتور أوكس» واللائحة طويلة.
أما على المستوى العربي، فيعد العمل الأدبي «حي بن يقضان» لابن طفيل، أول عمل تظهر فيه شرارة الخيال العلمي في تاريخ الأدب العربي، ويتناول قصة طفل ولد في مكان لا بشر فيه، ليجد نفسه مجبرا على التأقلم مع الكائنات المتواجدة هناك، من أجل البقاء.
لكن البداية الفعلية لهذا الشكل الأدبي ستكون مع الكاتب المصري «مصطفى محمود»، وهو من رواد أدب الخيال العلمي في الرواية العربية، له العديد من الأعمال التي وظف فيها تقنيات أدب الخيال العلمي، ولعل أبرزها رواية، «العنكبوت»، تتلخص أحداثها حول شخص يشتغل على نظرية مفادها أن الإنسان يعيش ملايين المرات ويولد ملايين المرات.
نهاد منير إبراهيم شريف هو الآخر له انتاجات أدبية في هذا التوجه، كرواية «قاهر في الزمن» التي نشرت عام 1972، ومن خلالها حاز على العديد من الجوائز، كما تم تحويلها إلى فيلم في ما بعد. تدور أحداث الرواية حول صحفي يكتب عن تاريخ الفلك في مصر، وسيكتشف في يوم من الأيام عن بناية تجرى فيها أبحاث وتجارب سرية تهدد حياة البشرية.
غير بعيد عن مصر وفي بلاد الشام، تجربة أخرى أثرت الخزانة العربية في مجال الخيال العلمي، يتعلق الأمر بالكاتب السوري «طالب عمران»، له أعمال أدبية تنتمي لهذا الجنس الأدبي، من قبيل «العابرون خلف الشمس» التي أنتجت عام 1979، بالإضافة إلى رواية «ليس في القمر فقراء» عام 1983، وأعمال أخرى.
أما في ما يخص الساحة الأدبية المغربية، فالأعمال التي يحضر فيها جانب الخيال العلمي، هي قليلة، لكن هذا لم يمنع من بروز بعض التجارب كتجربة، الكاتب والإعلامي «أحمد إفزارن» الذي ألف العديد من القصص والروايات، وكانت البداية في الثمانينيات بمجموعة قصصية، اختار لها عنوان «غدا»، لتتوالى الابداعات كراوية «أبناء الشمس» و «قاع الدنيا» و»القادمون»، كلها تتمحور حول نظرة الكاتب للمستقبل البعيد بمنظار الأدب.
الكاتب «عبد السلام البقالي» المعروف في مجال الكتابة للطفل له أيضا تجربة في روائية تصب في مجرى الخيال العلمي، هي رواية «الطوفان الأزرق»، التي تتناول موضوع التغير المناخي وانعكاسه على كوكب الأرض.
نموذج مغربي آخر يغوص في بحر الخيال العلمي، يتعلق الأمر برواية»رائد 20 عام خارج الأرض» للكاتب «يوسف الشاطر»، الصادرة مؤخرا، وتتناول تيمة السفر عبر الزمن وفق النظرية النسبية لإنشتاين، وتوجت بجائزة «الهالة لأدب الناشئة واليافعين» في صنف أدب الخيال العلمي.

صحفي متدرب


الكاتب : عبد الصمد إسرى

  

بتاريخ : 15/05/2023