وكما لو أن الجفاف يتّحد مع قساوة الطبيعة، فقد توّقفت السماء عن ريّ أراضٍ «تقتات» من الفلاحة البورية، وانتهت بذلك أحلام القرويين في الزراعة إلى كابوس خلص إلى حصد الخسائر بدل درّ الأرباح، إلا أن فراغ السماء والأرض من الماء سيدفع بالقرويين إلى الاعتماد كليًا على مياه صنابير بعيدة عنهم، تتطلب هي الأخرى دوابا تقطع عشرات الكيلومترات لجلب ماء الشرب للاستعمال اليومي، فأين غابت مياه دكالة التي كانت تكسوها بالخضرة طيلة السنة، بداية بالقمح ومرورا بالشمندر السكري وانتهاء بالخضر، لشركة مكلفة التي أخبرت الفلاحين بإمكانية قطع مياه السقي في أي وقت؟
توقف مدّ فلاحي خط أزمور هشتوكة بمياه أم الربيع
لم ينتظر الفلاحون بالولجة الموجودين بالمنطقة الواقعة بين أزمور وهشتوكة، الكثير حتى توقفت الجهات التي تزودهم بمياه السقي عن مدهم بهذه المادة، بسبب نقص حاد في الموارد المائية في محطة الضخ بنهر أم الربيع. وأصبح تخوف فلاحي المنطقة حقيقة عندما توقفت مضخة الري عن تزويدهم بالمياه، رغم أن بعض الحقول مزروعة منذ مدة بالبطاطس، والطماطم، والفلفل، والباذنجان، والجزر، والفاصوليا، واللفت وغيرها، إضافة إلى الزراعات الكلئية كالذرة، والفصة، والبرسيم.
هذا الوضع جعل فلاحي المنطقة يعتمدون على بعض الآبار في سقي ما تبقى من هذه الحقول، علما بأن وكالة الحوض المائي لأم الربيع ووزارة الفلاحة والصيد البحري مطلعتان على الوضعية الحالية للمشروع، إلا أن التوقف عن تزويد المنطقة بمياه السقي، يبقى خارجا عن إرادتها، بحكم ظرفية الجفاف الذي تعرفه المنطقة للسنة الخامسة تواليا ،لأن تراجع المياه بمحطة الضخ، ستكون له عواقب وخيمة على الفلاحين المرتبطين بالمشروع الفلاحي، إذ سيتكبّدون خسائر فادحة، عقب توقف عملية السقي، وتوقف المستفيدين من المياه عن الوفاء بالتزاماتهم المالية اتجاهها.
اتفاقية من أجل الماء
وتقدر المساحة التي كانت تستفيد من عملية السقي بحوالي 1850 هكتارا، يستغلها حوالي 420 فلاحا ممن يتوفرون على الشروط المفروضة من قبل المسؤولين على المشروع. ومعلوم أن مشروع نقل المياه من نهر أم الربيع إلى منطقة الولجة، قديم جدا، ووقعت بشأنه ثلاث اتفاقيات للشراكة، بين القطاعين العام والخاص في 19 دجنبر 2013 في الرباط، همت بناء واستغلال نظام الري في المنطقة الساحلية الواقعة بين أزمور وهشتوكة، وشرع العمل به في يوليوز 2020. وتم تفويض هذا المشروع عبر عقد للشركة الجديدة دكالة للمياه، واتفاقية للتمويل العمومي واتفاقية للتزود بالماء، وقعها وزيرا الفلاحة والصيد البحري والاقتصاد والمالية والوزيرة المكلفة بالماء، ومدير وكالة الحوض المائي أم الربيع، والرئيس المدير العام لشركة دكالة للمياه، وتم التنصيص، أثناء التوقيع، على أن المشروع سيساهم في الحد من الاستغلال المفرط للفرشات المائية، وسيمكن من تحسين جودة المياه الجوفية.
كما أشارت الاتفاقية، الموقعة سنة 2013 إلى أن المشروع يهدف إلى جلب 15 مليون متر مكعب من المياه السطحية، انطلاقا من وادي أم الربيع، من أجل الحفاظ على نظام السقي في مساحة إجمالية تصل إلى 7000 هكتار، 3200 منها قابلة للري، مستغلة من قبل حوالي 600 فلاح. وخصص للمشروع آنذاك غلاف مالي ب 366 مليون درهم من قبل الخواص. ومولت الدولة البنيات التحتية للمشروع بما قيمته 321 مليون درهم، أي ما يعادل 88 في المائة من الكلفة الإجمالية للاستثمارات الأولية
فكيف تم تغييب معطيات الجفاف عندما كان وزير الفلاحة آنذاك يوزع ما يشبه «الوهم» على فلاحي دكالة؟ أم أن المغرب الأخضر قضى على الأخضر واليابس؟
تراجع مساحة زرع الشمندر السكري بعد تقليص مدة السقي
يعتبر المغرب من الدول الرائدة عالميا في صناعة السكر، خاصة على المستوى الإفريقي من خلال زراعة الشمندر السكري، هذا ويشكل مصنع سيدي بنور لشركة كوزيمار المغرب، مكانة هامة إذ يحقق نسبة %20 من الإنتاج الوطني، كما بإمكانه تلبية الحاجيات الوطنية لما يقارب %50، إلا أن انخفاض حقينة السدود وتراجع معدلات تساقط الأمطار لسنوات متتابعة، أرخيا بظلالهما على الأراضي السقوية المخصصة لزراعة الشمندر السكري، علما بأن سد المسيرة الذي هو ثاني أكبر السدود المائية بالمغرب، ظل يعتبر أهم مصدر مائي لحوض دكالة، حيث يؤمن حاجيات عدة مناطق بجهة الدرالبيضاء سطات.
لقد تم تخصيص المخزون المائي الحالي للسدود الكبرى للمملكة في تأمين حاجيات الماء الصالح للشرب بالنسبة للمناطق المزودة، انطلاقا من هذه السدود، خاصة مع ندرة المياه وفي ظل الظرفية الحالية التي تعرف طلبا متزايدا على الماء بسبب تدابير النظافة في بعض المنشآت الصناعية والخدماتية، إضافة إلى عملية سقي المناطق الخضراء ولو جزئيا، بعد مذكرة وزير الداخلية بمنع سقيها.
إن ندرة المياه تجعل الموسم الفلاحي لقطاع الشمندر السكري أمام تحديات كبيرة، وفي هذا الصدد كشف مصدر مقرب من شركة كوزيمار المغرب، للاتحاد الاشتراكي، أنه تم غرس ما يناهز 10000 هكتار، يرتقب من خلالها إنتاج ما يقارب 700 ألف طن، بمعدل 70 طن للهكتار، مشددا في ذات الصدد على أن التحدي المائي هو البارز، واصفا أن الموسم الحالي هو «أقل من المتوسط». تجدر الإشارة، إلى أن مشروع محطة لتحلية مياه البحر بإقليم الجديدة، يشكل أملا كبيرا لديمومة الريادة المغربية في مجال الإنتاج الفلاحي وضمان الأمن المائي، حيث تم الشروع في الخطوات الإجرائية لمشروع تحلية مياه بحر بقدرة استيعابية تصل إلى 300 مليون متر مكعب، حيث تعد هذه المحطة الأكبر على المستوى القاري المتواجد نواحي جماعة المهارزة الساحل، بكلفة مالية تناهز 10 ملايير درهم.
المؤسسات المؤتمنة على الماء مسؤولة عن ندرته أيضا
تعتبر المؤسسات الساهرة على تطبيق قوانين الماء، ومن بينها وكالة الحوض المائي أم الربيع والسلطات المحلية والمنتخبة، مؤتمنة وملزمة بتطبيق القوانين حرصا منها على المحافظة على منابع الماء وفرشته ومخزونه، لأن ندرة وشح الماء من أشرس المواجهات التي يمكن أن تقع على وجه الأرض. ويعتبر مشكل استنزاف الفرشة المائية، والاستغلال المفرط والعشوائي لها أمرا لا يمكن السكوت عليه، لأن مستقبل دكالة الفلاحي يدفعنا إلى طرح أسئلة من قبيل، هل فعلا ستتعرض الفرشة المائية بمنطقة دكالة إلى الاستنزاف؟ من يتحمل مسؤولية الانتشار العشوائي للآبار المحدثة بالعديد من المناطق والجماعات الترابية بإقليمي سيدي بنور والجديدة؟
تقليص ساعات السقي الزراعي يتسبب في انتشار آبار الري
مع ندرة التساقطات أصبح الحديث عن مشكل استنزاف الفرشة المائية مطروحا بحدة وسط جميع الأطراف المتداخلة في مشكل الماء، سواء المتعلق بالسقي أو بالشرب، خاصة أمام تراجع احتياطي وصبيب المياه الجوفية، وذلك راجع إلى الانتشار السريع للآبار المرخصة من طرف مؤسسة وكالة الحوض المائي أم الربيع أو التي تم حفرها بعيدا عن أعين السلطة التي لا تنام!!!
وتعرف منطقة دكالة، تراجعا مخيفا على مستوى مياه السقي، يتحدد في تراجع ساعات توزيعها على الفلاحين لري منتوجاتهم الزراعية، حيث تقلص زمن السقي بشكل قوي. ويرجع ذلك أساسا إلى تراجع احتياطات المخزون المائي بشكل مهول بسبب قلة التساقطات المطرية. إلا أن تراجع ساعات السقي أثر على مستوى الإنتاج والجودة، مما دفع بفلاحي دكالة إلى اللجوء لطلب تراخيص حفر الآبار لاستعمالها كبديل للسقي، لكن انتشارها سيعود عليها بالكارثة إن لم يتدارك وضع بعضها حيث فاق عددها العدد المسموح به.
إن استنزاف الفرشة المائية بالوتيرة الحالية، قد يجعل الإنسان مهددا في حياته، ولن يجد حتى شربة ماء، بالتالي إن جفت دكالة من الماء، فعلينا انتظار وترقب طامة كبرى في المغرب، لأن جفاف دكالة يعني تراجعا في المحاصيل الزراعية من الخضروات ـ الحبوب ـ القطاني ـ الفواكه، وتراجعا كذلك في عدد رؤوس المواشي من الأغنام ـ الأبقار، وانقراض الدواجن، وجفاف الفرشة المائية بمنطقة دكالة يعني خصاصا مهول في المواد الاستهلاكية الفلاحية على جميع المستويات.