الأبناك المغربية تربح كثيرا وتقرض قليلا

ديون الأسر تلامس 427 مليار درهم والقروض المتعثرة فاقت 70 مليارا

من 87 إلى 69 مليار درهم في 6 سنوات.. احتياطات CMR تنهار بصمت

صندوق الضمان الاجتماعي: بداية انزلاق تدريجي سيتفاقم بعد سنة 2038

 

رغم صعوبات الظرفية الاقتصادية، واصل القطاع المالي المغربي، خلال سنة 2024، إظهار متانة نسبية على مستوى الربحية والملاءة والسيولة، فيما كشفت المعطيات المجمعة من طرف بنك المغرب والهيئتين المشرفتين على التأمينات وسوق الرساميل، عن مفارقة صارخة بين ما تحققه البنوك من أرباح عالية وبين بطئها في ضخ التمويلات اللازمة داخل شرايين الاقتصاد الحقيقي. وفي المقابل، ما تزال صناديق التقاعد تواجه تهديدات بنيوية، تنذر باختلالات اجتماعية عميقة ما لم يتم تفعيل الإصلاح المنتظر بالعمق والسرعة اللازمين.
وأنهى القطاع البنكي السنة بأرباح صافية بلغت 15,7 مليار درهم، وهو رقم يترجم مردودية جيدة نسبيا، حيث بلغ العائد على الأصول 0,9% والعائد على الأموال الذاتية 9,5%. كما أظهرت البنوك مستويات قوية من الرسملة، مع معدل ملاءة إجمالي في حدود 16,2% ونسبة أموال ذاتية تبلغ 13,5%. وعلى مستوى السيولة، أنهت البنوك السنة بنسبة تغطية قصيرة الأجل في حدود 182%، متجاوزة بذلك بكثير الحد الأدنى التنظيمي البالغ 100%.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، سجل التقرير استمرار التباطؤ في دينامية الإقراض، حيث لم يتجاوز نمو القروض البنكية الموجهة للقطاع غير المالي 2,6%، بعد أن كان في حدود 2,9% سنة 2023. ويعود هذا التباطؤ بالأساس إلى ضعف القروض الممنوحة للمقاولات، ولا سيما العمومية، فضلا عن استمرار الحذر المفرط في تمويل القطاع الخاص. في المقابل، واصلت ديون الأسر منحاها التصاعدي، لتصل إلى 427 مليار درهم، بنمو قدره 3,8%، ما يمثل نحو 27% من الناتج الداخلي الخام، وهو مستوى يعادل تقريبا ما كان عليه قبل الجائحة.
وتظهر تفاصيل هذه المديونية تزايد الاعتماد على قروض الاستهلاك، مقابل ركود شبه تام في قروض السكن، التي تأثرت بتشدد شروط التمويل وتراجع دينامية السوق العقارية. وإلى جانب ذلك، تزايدت القروض العسيرة الأداء بشكل يثير القلق، حيث بلغ معدل التعثر لدى الأسر 10,4%، مقابل 11,1% لدى الشركات غير المالية، وهو ما يمثل نحو 70 مليار درهم من القروض المتعثرة.
وفي ظل هذه المعطيات، تطرح تساؤلات حقيقية حول طبيعة السلوك البنكي في المغرب، حيث تراكم المؤسسات المالية أرباحا كبيرة، لكنها تتسم بحذر مبالغ فيه في ما يتعلق بتمويل الاقتصاد. وتفضل البنوك توظيف السيولة المتاحة في أدوات مالية آمنة، مثل سندات الخزينة، أو التمركز في قروض الاستهلاك مرتفعة الفائدة، بدلا من توجيه تمويلات إنتاجية محفزة للنمو. ويرى خبراء أن هذا النمط يقوض الدور الوسيط للبنوك، ويضعف مساهمتها في دعم الاستثمار والتشغيل، خاصة في وقت تحتاج فيه البلاد إلى ضخ رؤوس أموال جديدة في القطاعات ذات القيمة المضافة.
أما قطاع التأمينات، فقد واصل منحاه الإيجابي، حيث بلغ رقم المعاملات الإجمالي 58,8 مليار درهم، بنمو قدره 5,1%، موزعا بين التأمينات غير المرتبطة بالحياة (+5,2%) وتلك المرتبطة بالحياة (+5%). وقد حقق القطاع أرباحا صافية بقيمة 4,4 مليار درهم، بزيادة 2,9% عن سنة 2023. واستقر عائد الأموال الذاتية في حدود 9,6%، بينما ارتفع هامش الملاءة إلى 354,7%، مدعوما بتحسن قيمة المحافظ الاستثمارية، عقب تراجع أسعار الفائدة وانتعاش سوق السندات.
في المقابل، ظل ملف التقاعد يشكل نقطة ضعف بنيوية ضمن المنظومة المالية، إذ لم تسفر التحسينات الظرفية، الناتجة عن الزيادات العامة في الأجور التي أقرها الحوار الاجتماعي ل 29 أبريل 2024، سوى عن تخفيف محدود لبعض مؤشرات العجز، دون أن تغير في واقع هشاشة الأنظمة على المدى الطويل. ويسجل النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد والصندوق المغربي للتقاعد، على وجه الخصوص، عجزا تقنيا وهيكليا متفاقما، إذ بلغ هذا العجز لدى الصندوق المغربي للتقاعد 6,1 مليار درهم سنة 2023، بزيادة قدرها 0,5 مليار درهم مقارنة بالسنة السابقة، فيما قفز العجز لدى النظام الجماعي إلى 4,9 مليار درهم، بزيادة 0,6 مليار درهم.
وقد نتج عن هذا العجز التراكمي استنزاف متواصل للاحتياطات، إذ تقلصت احتياطات الصندوق المغربي للتقاعد إلى 69 مليار درهم فقط، بعدما كانت تقدر بـ87,6 مليار درهم في 2017، بينما لم تعد هذه الاحتياطات كافية لتغطية أكثر من 4 سنوات من المعاشات. أما بالنسبة للنظام الجماعي، فإن احتياطاته تبلغ حاليا 117 مليار درهم، غير أن وتيرة استهلاكها تزايدت خلال السنوات الثلاث الماضية، ومن المتوقع أن تبلغ ذروتها سنة 2028 ما لم يعتمد إصلاح هيكلي عاجل.
ورغم استقرار مؤقت للوضعية المالية داخل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، المدعوم بتوازن ديمغرافي إيجابي في القطاع الخاص، إلا أن التقرير حذر من مخاطر خفية ناجمة عن ضعف التسعيرة وسهولة شروط الاستفادة، وهو ما يهدد، على المدى المتوسط، بتآكل مكتسبات الفائض. وتجدر الإشارة إلى أن احتياطات الصندوق بلغت 148 مليار درهم في نهاية 2023، إلا أن الدراسات الاكتوارية تكشف بداية انزلاق تدريجي قد يتفاقم بعد سنة 2038.
وفي ظل استمرار هذا الوضع، أكد التقرير على ضرورة تسريع تنفيذ إصلاح شامل قائم على نظام قطبي، ويؤسس لتسعيرة منصفة ومستدامة، كفيلة بامتصاص الالتزامات غير المغطاة وضمان استمرارية الأنظمة. كما أوصى بتوسيع قاعدة الانخراط، وملاءمة سن التقاعد، ومراجعة المعايير المعتمدة لاحتساب المعاشات.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 07/08/2025