أرجوك، لا تشرب كثيرا

أحب في مستهل رسالتي أن أزف إليك خبرا سعيدا، أنت أول شاعر تعرفت عليه وأحببته. أظنك تبحث الآن عن الأمر الباعث على السعادة في الخبر الذي قلته… أليس كذلك؟

عزيزي لوركا،
قبل ثلاث سنوات، كان هنالك شاعر يشاركك نفس الولع، يجمع حقيبته بيد ويمسك بيده الأخرى كفّ شابة لا تعرفك ولا تود معرفتك، ولأن الشعراء يسعون دوما إلى جعل حياتهم قطعة قُدّت من قصائدهم، اصطحبها إلى بلادك، وحكى عن تفاصيل عزائك، تَحدّث عن مُحافظ المدينة الخرف، عن سارتر وسيمون دي بوفوار توأم الحب، سرد بسخاء تفاصيل تجهم غابرييل غارسيا ماركيز، عن فوكو وتشومسكي وأسماء أخرى تعذر علي نطقها منذ أصرت الطبيبة على ضم أسناني بالأسلاك، وحرماني من أحرف كثيرة كنت ألفظها، وأصبحت اليوم أبلعها.
يحكي الشاعر بينما تضع الشابة سماعات الأذن غير آبهة بكل الأسماء الباعثة على الاستفهام، تمضي وذراعها تتدلى كأنها تتعمد بترها، لا يعني لها شيئا أن تترك ذراعها معلقة على كتف شاعر، لكن يعنيها كثيرا أن يستفسرها عن الساعة والقناة التي تبث مسلسها التركي المفضل. ثم يسألها، هل أكتب لك؟ ولا تجيبه، قد تتفاعل معه أكثر لو أخبرها أنه سيبتاع هدية ثمينة في الفالانتاين القادم.
يحدثها عن أمانيه الوردية، كأن يأخذها إلى جبل ويطلق على الأعشاب المختلفة أسماء يشتهيها، يصرخ من أعلى القمة ويسرق قبلة خفيفة، ثم يُقر أن خجلها برتقالي. وأفهم أخيرا أنه مصاب بعمى الألوان، وأن الشابة لا يبكيها نظم الشاعر، ووفاة لوركا بالنسبة لها حدث عادي جدا، لقد مات قبله وبعده كثيرون.
تنطق الشابة بعد صمت طويل: ما معنى أن يكون لوركا شاذا جنسيا؟ ينفعل الشاعر ويشرح باسطا يديه حينا، وقابضا إياها حينا آخر، ولم ينتبه أن التي لا يعنيها حكيه سقطت منه سهوا.

صديقي لوركا،
لقد التقيت بالشاعر قبل أيام، غدت له اليوم حبيبة وابنة تشاركانه ولعه، يضمهما إليه كل ليلة ويلقي عليهما الشعر، يربيهما على أن الحب الذي لمّهما إليه أخيرا، كان في البدء سؤالا مستفزا طرحه ذات غروب على هامش ساحة شبه دائرية في مدينة، تطل من خلف المنعرجات، يقظة.
أحكي لك عزيزي لوركا، لأصدق بعد كل هذه المدة أنك فعلا مفقود، وليفهم الشاعر أن غرناطة لم يكن سوى اسم حانة تطل على شارع يعج بالبشر، كان يتردد عليها قبل أن تكتب له حبيبته: أرجوك، لا تشرب كثيرا.


الكاتب : حسناء أيت لحسن

  

بتاريخ : 08/03/2019