أرقام المندوبية السامية للتخطيط جاءت متناقضة مع أرقام البنك الدولي حول النمو بالمغرب

الحكومة فشلت للعام الرابع على التوالي في الوصول
إلى عتبة 4% التي وعدت بها

 

 

ما زالت “حكومة الكفاءات” عاجزة للعام الرابع على التوالي عن تحقيق وعدها بتحريك عجلة النمو الاقتصادي فوق 4 % ، حيث سجل الاقتصاد الوطني خلال سنة 2024 نموا بنسبة 3.8% وفق المندوبية السامية للتخطيط (وهو رقم يتناقض تماما مع أرقام البنك الدولي الذي أكد في آخر تحديث له بتاريخ 25 أبريل 2025 أن “نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للمغرب تراجع إلى 3.2% في عام 2024 بعدما سجل 3.4% في عام 2023، بسبب انكماش القطاع الزراعي بنسبة 4.6% في خضم موجة الجفاف للسنة السادسة على التوالي”).
غير أن قراءة متأنية للمؤشرات الماكرو اقتصادية والقطاعية تكشف عن اختلالات هيكلية تفرض إعادة النظر في السياسات التنموية التي اعتمدتها الحكومة الحالية. فوراء هذه الأرقام التي أوردتها المندوبية، تبرز تحديات عميقة تهدد استدامة النمو وتعرقل تحقيق تنمية اقتصادية متوازنة. ويشكل تراجع القطاع الفلاحي أحد أبرز مظاهر الهشاشة، حيث سجل انخفاضا حادا بلغ 4.8% هذه السنة بعد أن كان قد حقق نموا بنسبة 1.5% في العام السابق. ويعكس هذا التراجع ضعف القدرة على مواجهة التقلبات المناخية، فضلا عن محدودية الاستثمارات الموجهة لتحسين الإنتاجية الزراعية. كما أن تباطؤ نمو الصيد البحري من 6.9% إلى 2.6% يزيد من حدة البطالة في المناطق الساحلية، مما يفاقم مشاكل الفقر والتهميش. ولا يمكن فصل هذه المؤشرات السلبية عن غياب رؤية استراتيجية واضحة لإدماج الفلاحة في منظومة اقتصادية متكاملة قادرة على ضمان الأمن الغذائي وتوفير فرص شغل مستدامة.
أما على مستوى القطاع الثانوي، فقد سجل نموا نسبيا بنسبة 4.2% مدعوما بشكل أساسي بالصناعات الاستخراجية التي قفزت بنسبة 13%، وكذلك نشاط البناء والأشغال العمومية الذي ارتفع بنسبة 5%. لكن هذا النمو يبقى مرهونا بالموارد الطبيعية غير المتجددة، مما يجعله عرضة لتقلبات الأسواق العالمية. في المقابل، ظلت الصناعات التحويلية تعاني من ضعف التنافسية، حيث لم يتجاوز نموها 3.3%، وهو ما يؤشر على عجز السياسات الصناعية عن تحفيز التحول نحو أنشطة ذات قيمة مضافة عالية.
وفي القطاع الثالثي، الذي يفترض أن يكون محركا رئيسيا للاقتصاد في ظل التحولات العالمية نحو اقتصاد الخدمات، سجل تباطؤا ملحوظا بنسبة 4.6% مقارنة بـ 5% سنة 2023. وكان لتراجع أنشطة السياحة، ممثلة في الفنادق والمطاعم، أثر بالغ، حيث انخفض معدل نموها من 23.5% إلى 9.6%، مما يعكس ضعف الجاذبية السياحية وتراجع القدرة التنافسية لهذا القطاع الحيوي. كما أن تباطؤ أنشطة البحث والتطوير والخدمات المقدمة للمقاولات من 6.8% إلى 4.2% ينذر بضعف الابتكار، وهو ما ينعكس سلبا على إنتاجية الاقتصاد ككل.
من جهة أخرى، يشكل ارتفاع معدل التضخم إلى 4.1% تحديا إضافيا، حيث أدى إلى تآكل القوة الشرائية للأسر، خاصة مع تراجع نمو الاستهلاك النهائي للأسر من 4.8% إلى 3.4%. كما أن ارتفاع أسعار الواردات، التي نمت بنسبة 11.6%، زاد من العبء على ميزان الأداءات، مما أدى إلى تفاقم العجز التجاري. وقد تجلى ذلك في المساهمة السلبية للمبادلات الخارجية في النمو، التي بلغت 2.5 نقطة، مقارنة بـ 1.8 نقطة سنة 2023.
أما على الصعيد المالي، فقد تفاقمت الحاجة إلى تمويل الاقتصاد الوطني، حيث ارتفعت من 1% إلى 1.2% من الناتج الداخلي الإجمالي. ويعود ذلك أساسا إلى الفجوة بين معدل الاستثمار البالغ 30.1% ومعدل الادخار الوطني الذي لم يتجاوز 28.9%. وهذا الوضع يزيد من اعتماد الاقتصاد على التدفقات المالية الخارجية، مما يجعله أكثر عرضة للمخاطر المرتبطة بتقلبات أسعار الصرف وارتفاع خدمة الدين.
وعلى الرغم من ارتفاع الطلب الداخلي بنسبة 5.8%، فإن تحليله يكشف عن اختلالات في بنيته، حيث يعتمد بشكل كبير على الاستهلاك الحكومي (خاصة في نفقات تسيير الإدارة) الذي نما بنسبة 5.6%، في حين ظل الاستثمار الإنتاجي ضعيفا نسبيا. كما أن تراجع مساهمة الاستهلاك النهائي للأسر في النمو من 3 نقاط إلى 2.1 نقطة يعكس تدهورا في مستوى معيشة الأسر، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع فرص العمل اللائق.
كل هذه المؤشرات تسائل السياسات الحكومية التي ما زالت ترفض إعادة النظر في النموذج الاقتصادي القائم، الذي يبدو غير قادر على تحقيق تنمية شاملة ومستدامة. فالنمو الحالي، وإن كان إيجابيا من الناحية الرقمية، يبقى هشا بسبب اعتماده المفرط على قطاعات غير منتجة بدرجة كافية، وضعف اندماجها في سلاسل القيمة العالمية. كما أن غياب سياسات فعالة لتحفيز الابتكار، ودعم القطاعات الإنتاجية، وتحسين جودة الاستثمار، يجعل الاقتصاد الوطني عرضة للصدمات الخارجية، ويعيق تحقيقه لمعدلات نمو أعلى وأكثر استقرارا على المدى الطويل.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 11/06/2025