أزرق القفطان. كان بإمكانه أن يكون فيلما جميلا

 

بمجرد تلمسي للخيوط العامة لفيلم ازرق القفطان عند مشاهدته، قفز إلى ذهني الفيلم الفرنسي «حب» للمخرج النمساوي مايكل هانيكي. فالفيلمان معا، هما بمتابة مقاربة سينمائية لمشاعر العلاقة العاطفية بين زوج وزوجته. و الهدف منهما معا أيضا، هو التعبير عن مدى سمو مشاعر الحب الإنساني. و ما يدفعني لهذا القول، إن الفيلمين يشتركان مجموعة من القواسم: أولا أنهما يتمحوران حول علاقة عاطفية بين زوجين. ثانيا أن الزوجة في الفيلمين مصابة بمرض فتاك. ثالثا أنها تموت في النهاية. رابعاً أن كلا الفيلمين يهدفان إلى كسب تعاطف المشاهد مع الزوجين. خاصة مع الزوجة المريضة.
الواضح أن المخرجة بذلت مجهودا واضحا في مغربة الفيلم الفرنسي. و أضفت عليه أصالة مغربية دون أن تكون على حساب تلك القيمة الإنسانية لتلك العلاقة العاطفية. حيت رمت بالقفطان النفيس و الغالي الثمن، في القبر ليتمرغ فيه الدود، بعد أن أخذ من زوجها وقتا طويلا جدا، و احتسى العديد من فناجين القهوة، و دخن العديد من السجائر من أجل صناعته.
اعتمدت المخرجة أسلوبا سرديا هادئا إلى حد بعيد، لتجعلنا كمشاهدين نتلمس خيوط علاقة عاطفية صامتة بين زوجين مغربيين. و إن لم تستطع أن تتخلص من قميص الزوجة، باعتبار أن الزوجة تحملت آلام المرض الفتاك من جهة، و تحملت حالة الشذوذ الجنسي لزوجها من جهة أخرى. و ميزتها بهيبة و أفردت لها مساحة شاسعة في الفيلم. إلا أن النهاية في الفيلم (إلباس الزوجة الميتة القفطان الأزرق النفيس) يعطي توازنا في موقفها من الزوجين و يحررها من إنحيازها النسوي. و يحرر أيضا فيلمها من يافطة سينما المرأة.
لا تتمثل الأصالة المغربية في الفيلم فقط في الزي (القفطان), و لا في جمالية الغناء الشعبي في شمال المغرب، و جمالية رقصات الأجساد المنسجمة مع تلك الموسيقى و غنائها و إيقاعاتها. بل يذهب إلى أبعد من ذلك ليلامس الجانب الروحي في شخصية الزوجة عندما تستعين بالصبر و الصلاة في تحمل آلام المرض الفتاك من جهة، و تحمل حالة الشذوذ الجنسي التي يعيشها زوجها. و هنا إنزلق الفيلم إنزلاقا إبداعيا كبيرا لوث كل جماليته و أصالته المغربية و أفسد بالتالي كل تلذذ بمشاهدته. إذ دمر كل مجهود جمالي بناه لإقناعنا بالتعاطف مع شخصيتي الزوجين، و خاصة الزوجة.
ملامسة الجانب الروحي في شخصية زوجة تستعين بالصبر والصلاة في تحمل آلام المرض الفتاك، و في نفس الوقت تدخن المخدرات (القنب الهندي)، و الأكثر من هذا، أنها تدخنه في مقهى شعبي مليء بالرجال فقط، و الأنكى من هذا و الأمرّ، أن تمارس الجنس بالشكل الذي شاهدناه مع زوجها، (….) و الذي يمارس هو الآخر الشذوذ الجنسي مع الشواذ، و يصور الفيلم ذلك كله بوضوح، أسقط الفيلم في تناقض فكري و إبداعي كبير و سافر. و أفقده أية إمكانية في أن يكون موفقا أو جميلا.
مصدر هذا التناقض، هو أن صياغة فكرة الفيلم تمت بناء على تصور حول الواقعية السينمائية، بعيد عن الواقع المغربي. و يتناقض مع ما نحمله كمشاهدين مغاربة في تصورنا حول واقعنا.
فأن يواضب المغربي على الصلاة طاعة لربه، و في نفس الوقت يتناول ما حرمه ربه، فهذا تناقض واضح. و حتى إن كانت هذه الحالة قائمة، فلن تكون إلا استثنائية و معزولة جدا. و التطرق إليها سينمائيا، في حاجة إلى تبرير موضوعي يخلص الفيلم من التناقض.
فيلم ازرق القفطان صنع بمهارة و إحترافية، و بلغة سينمائية اتسمت بالكثير من النعومة و الرقة. وكان بإمكانه أن يكون موفقا و جميلا، عندما أبرز الخصوصيات المغربية كجزء من جسد الرواية و السرد. بل كان بإمكانه أن يكون تحفة سينمائية مغربية عند ملامسته الجانب الروحي لشخصية الزوجة مينة، لكنه أخفق إخفاقا شديدا و وقع أرضا عندما حرر شخصياته إلى درجة الإنحراف. فتحرر شخصياته بذلك الشكل أسقط الفيلم من عليائه كما يقال. و أسقط معه مهارة و إحترافية الصنع. و لم نعد نرى أو نشعر برقة و نعومة لغته السينمائية.