أكد عدد من المهنيين المشاركين في الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس أن أزمة اللحوم الحمراء في المغرب مرشحة للاستمرار لعدة أشهر، وربما لسنوات مقبلة، في ظل التراجع الحاد في أعداد القطيع الوطني، الذي انخفض من 32 مليون رأس سنة 2021 إلى أقل من 18 مليون رأس حاليًا، ما يعني فقدان أكثر من 14 مليون رأس من الماشية خلال فترة قصيرة.
وفي تصريح لجريدة «الاتحاد الاشتراكي»، أوضح هشام الجوابري، الكاتب الجهوي لتجار اللحوم الحمراء بالجملة بمدينة الدار البيضاء، أن هذا التقلص الحاد ألحق أضرارًا جسيمة بالقطاع، مشيرًا إلى أن الاستيراد ساهم جزئيًا في كبح ارتفاع الأسعار، التي كان من الممكن أن تصل إلى 300 درهم للكيلوغرام لولا هذا التدخل، حيث استقرت حاليًا في حدود 100 درهم. لكنه شدد على أن الأزمة لا تزال قائمة، وأن أي توقف عن الاستيراد سيؤدي مجددًا إلى ارتفاع الأسعار.
ودعا الجوابري الحكومة إلى تبني خطة وطنية واضحة لاستعادة الثروة الحيوانية الوطنية، مشددًا على ضرورة منع ذبح العجلات، كما هو معمول به بالنسبة للخرفان، بهدف تعزيز تناسل القطيع. كما طالب بإعادة هيكلة سياسة الدعم الموجه إلى الكسابين، واقترح أن يوجه الدعم مباشرة إلى الأعلاف من منبعها، مع توحيد أسعارها عبر مختلف مناطق المملكة، وسد الخصاص خصوصًا في الجهات المتضررة.
ورغم إهدار الحكومة لأكثر من 13 مليار درهم لدعم استيراد المواشي، فإن الأزمة ما زالت تراوح مكانها. إذ لم تفلح هذه التدابير في تغطية حاجيات السوق الوطنية من اللحوم الحمراء، وسط تراجع حاد في عدد رؤوس الماشية المعدة للذبح، الأمر الذي انعكس سلبًا على أداء المجازر الكبرى، التي باتت عاجزة عن تلبية الطلب المتزايد.
وفي الوقت الذي علّقت فيه السلطات الرسوم الجمركية ورخصت باستيراد اللحوم الطازجة والمجمدة وفق دفاتر تحملات أثارت انتقادات، وُجه الدعم المالي إلى عدد محدود من المستوردين المحسوبين على الأغلبية الحكومية. ورغم هذه الإجراءات، لا تزال الأسواق الوطنية تعاني من اختلالات حادة، وفشلت وزارة الفلاحة في تحقيق الأمن الغذائي المنشود.
وأشار المهنيون إلى أن الرهان على إسبانيا كمصدر لتوريد اللحوم لم يعد مجديًا، بفعل الارتفاع الكبير في أسعار القطيع الإسباني، ما دفع المستوردين إلى التوجه نحو بلدان أمريكا اللاتينية،خاصة الوروغواي والبازيل، حيث الأسعار أقل، وإن كان ذلك على حساب جودة اللحوم المتدنية و الضعيفة المردودية.
ويعزو مهنيو القطاع هذا التدهور إلى مجموعة من العوامل، أبرزها توالي سنوات الجفاف وغلاء أسعار الأعلاف، ما انعكس سلبًا على أداء سلسلة اللحوم الحمراء. فبينما كان المغرب، حتى سنة 2019، يغطي 98% من حاجياته من الإنتاج المحلي، أصبحت الحكومة اليوم تعتمد بشكل كبير على الاستيراد لسد العجز المتفاقم.
وشدد المهنيون على ضرورة مراجعة طريقة توزيع الدعم، والانتقال إلى دعم مباشر لمنتجي الأعلاف من المصدر، مع تبسيط المساطر الإدارية التي تثقل كاهل الكسابين وتمنعهم من الحصول على الدعم الحقيقي، في ظل إجراءات بيروقراطية لا تنسجم مع حجم الأزمة.