أزمة المؤشر تتواصل وتسديد الديون المتراكمة شرط أساسي لاستفادة المتضررين من التغطية الصحية.. الحكومة تحرم فئات هشّة عريضة من الحق في الصحة وتفرمل استفادتها من مشروع الحماية الاجتماعية

 

تتواصل محن العديد من الأسر المغربية التي تنتمي إلى الوسط الاجتماعي الهش منذ شهر أبريل الفارط بسبب تبعات التحيين التلقائي للمؤشر الذي يعتمد كأساس للاستمرار في الاستفادة من الدعم الاجتماعي ومن التغطية الصحية في إطار ما يُعرف بـ “أمو تضامن”، إذ بعد مرور حوالي سبعة أشهر على مرور هذه الخطوة التي فرضت على المعنيين أداء اشتراك شهري إن هم أرادوا الاستفادة من الولوج المشروط إلى الصحة، وذلك في إطار تصنيف جديد يحمل اسم “أمو الشامل”، وبعد أن تم الإقرار بوجود “هفوات” أسقطت العديد من الفقراء ومن المصابين بأمراض خطيرة ومزمنة من لائحة الاستفادة المجانية، فإن قرار المراجعة والتدقيق في الشكايات التي تم التقدم بها لم يفضيا إلى معالجة هذا الإشكال الذي تتخبط فيه أسر بأعداد جد مهمة، التي وجت نفسها مثقلة بديون عليها أن تسددها من أجل الاستفادة من الحق الدستوري في الصحة.
وكشفت الأرقام المتداولة عن وجود هوّة شاسعة بين ما تم تسطيره من سقف يجب بلوغه بالنسبة لعدد المستفيدين من التغطية الصحية الإجبارية وبين الواقع الحالي، الذي يكشف عن استمرار معاناة فئات عريضة مع الأمراض ومع صعوبات العيش التي تحرمهم من كسب قوتهم اليومي فبالأحرى تسديد اشتراكات شهرية من أجل الولوج إلى الخدمات الصحية مجانا. وكشف العديد من المواطنين لـ “الاتحاد الاشتراكي” بأنهم حرموا من الصحة في المستشفيات العمومية طيلة الأشهر الفارطة، ومن بينهم مرضى يعانون من أمراض السرطان، والسكري، والضغط الدموي، والكلي، وغيرها، الذين يمكن أن تتفاقم وضعيتهم الصحية في أي لحظة، ويمكن أن يؤدي بهم ذلك إلى تبعات جد وخيمة.
وفي الوقت الذي تلتهم فيه الأمراض المزمنة نسبة 52 في المائة من مصاريف التغطية الصحية الإجبارية، والتي تشمل 3 في المائة من المؤمّنين، وفقا لمصادر طبية، فإن تدهور الوضع الصحي للعديد من المواطنين بسبب توقف العلاج وعدم منح البعد الوقائي الأهمية اللازمة له، سيرخي بتبعاته ليس على صحة وسلامة المواطنين فقط، بل كذلك على الصناديق الاجتماعية التي ستكون مضطرة لتسديد مصاريف أكبر من أجل التكفل بعلاج مرضى وصل وضعهم الصحي إلى مراحل متقدمة، مكلّفة وخطيرة في نفس الوقت. وأبرز متضررون للجريدة في هذا الإطار، أنهم اصطدموا بضرورة تسديد حوالي 1200 درهم فأكثر إن هم أرادوا الاستفادة من جديد من التغطية الصحية، مع ضرورة انتظار سقف زمني آخر يتمثل في ثلاثة أشهر، لتفعيل الخدمة.
وأوضح مواطنون للجريدة بأن بعض الأسر يعيش إلى جانب أفرادها أقارب يعتبرون جزء منها بسبب ظروف اجتماعية واقتصادية، حيث كشفت إحدى الحالات في هذا الإطار على سبيل المثال لا الحصر، أن أسرة تعيش في غرفة بسطح أحد المنازل الشعبية بالدار البيضاء، يوجد بها زوجان مسنّان مصابان بأمراض مزمنة متعددة، مع شقيقة الزوجة مطلقة والمصابة بالسرطان، كانوا ثلاثتهم يستفيدون من نظام المساعدة الطبية “راميد”، قبل أن يتم نقلهم تلقائيا إلى “أمو تضامن”، ثم قيل لهم بأن تعديلا طرأ على المؤشر يتعين معه الانتقال إلى “أمو شامل” وتسديد الاشتراك، الذي تم تسديده بعد أشهر من التوقف بمساعدة محسنين، لكن وبعد ثلاثة أشهر حين تم طرق أبواب المستشفى العمومي لاستكمال رحلة العلاج، اتضح أن الشقيقة التي تعيش معهم، هي أيضا مطالبة بتسديد اشتراك خاص بها، لتكون هذه الأسرة الصغيرة “المفككة اجتماعيا” مطالبة بأداء اشتراكين في الشهر الواحد، علما بأنه لا مورد مالي لها، إن هي أرادت الولوج إلى الصحة.
وتعتبر هذه الحالة واحدة من بين حالات كثيرة، تتواجد بمختلف المدن المغربية، تبين بأن الحكومة وبسبب “خوارزميات” نظامها المعلوماتي المعتمد في تصنيف الأسر الهشة والفقيرة، قد حرمت الكثير من المواطنين من الولوج إلى الصحة، ضدا عن فلسفة الورش الملكي للحماية الاجتماعية، ووضعت لذلك شروطا تعجيزية ليست للجميع القدرة على توفيرها، وعوض الانكباب على معالجة هذا الوضع وإيجاد حلول تحفظ كرامة المغاربة المقصيين من التغطية الصحية وتضمن ولوجهم للصحة بشكل عادل ومتكافئ، فإنها تواصل رفع ورقة المؤشر كمحدد لذلك وللحصول على الدعم، في الوقت الذي أوقفت فيه برامج دعم أخرى سابقة، تم طيّ صفحتها باعتماد السجل الاجتماعي الموحد.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 03/12/2024