منذ البداية وجب أن نعترف أ ن كتابنا هذا ليس كتاب تاريخ محض، إنما هو محاولة يمكن إدراجها ضمن مجال الدراسات الثقافية التي حاول الأنجلوساكسون تطويرها – منذ ظهورها بعيد منتصف القرن الماضي – وذلك بدراسة مختلف الظواهر الثقافية اعتمادا على مناهج علوم مختلفة ومتعددة، كالتاريخ والأنثربلوجيا وعلم الاجتماع وعلم الأديان والآداب .
إنه محاولة للجواب على أسئلة مؤرقة .
لعل أهمها: لماذا تفتخر كل الشعوب بتاريخها وتنقب عما يمكن أن تجده عبر الحفريات الأركيولوجية ومختلف اللقيات حفظا لهويتها؟ إلا هذا البلد الأمين الذي يحاول في ثقافته الرسمية أن يحصر تاريخه بل والأحرى أن يوقفه في حدود القرن الثاني الهجري.
وتشغل صنهاجة من جبال برقة إلى جبال نفوسة وونشريس ، وبعضهم يرتحلون مع زناتة. وتستقر غمارة في جبال الأطلس الصغير (يقصد جبال الريف) الواقعة على ساحل البحر المتوسط ، وتشغل من حدود سبتة إلى ذلك الطرف من موريتانيا الطنجية الذي يتاخم موريتانيا القيصرية .
وحكم من بين هذه القبائل الخمس، زناتة ومصمودة وصنهاجة عبر مختلف الأزمنة بلاد البربر ونوميديا و ليبيا عند انحطاط امبراطورية العرب، إذ لم يكونوا خاضعين من قبل سوى للرؤساء أو الشيوخ بكل جماعة تسمى قبيلة بعدما هزموا في مختلف الأزمنة من طرف الشعوب الأجنبية ..
فخلال حكم آل إدريس مؤسس مدينة فاس، اغتصب الحكم المكناسيون الزناتيون في الوقت الذي بدأ آل عبدالرحمن يحكمون إسبانيا (الأمويون، يقصد ربما عبدالرحمن الداخل) .
« .. وأقدر أيضا من هذه القبائل الخمس ملوك تونس وتلمسان، لأن بني زيان الذين كانوا يُدعَون أولاد بني عبدالواد هم من قبيلة صنهاجة ومن سلالة مغراوة، حكموا تلمسان إلى أن استولى الأتراك عليها .. وأما القبيلتان الأخريان، غمارة وهوارة، فإنهما استولتا على بعض الأقاليم وإن لم يكن لهما ملك، بحيث يظهر جليا أن جميع الملوك الذين حكموا إفريقيا منذ انحطاط الدولة العربية، كانوا من هذه القبائل الخمس .. ويتحدث مارمول عن شمال إفريقيا عموما، فتجده يصف مصر وإثيوبيا وبعض بلاد دول الساحل. كما فعل سابقه ليون الإفريقي، ونحن هنا نستشهد فقط بما يهمنا جغرافيا أي ما يحد المملكة المغربية الحالية وما يحيط بها من دول شقيقة.
«.. يقطن سكان السينغال على ساحل المحيط الغربي متحدرين من هناك شرقا إلى ممالح تغازي، وشمالا إلى حدود السوس وحاحا ودرعة التي يسميها المؤرخون العرب السوس الأقصى، ويتاخمون جنوبا بلاد كناوة، حيث توجد مملكتا ولاتة وتنبوكتو ..
.. وتبتدئ مواصل تركة في صحراء آير، وتمتد شرقا إلى صحراء توات وإقليمي تكورارين و ميزاب وجنوبا إلى صحراء أكدز .. وفي بعض الأحيان نجد ما جاء به مارمول لا يتوافق مع ما ورد في المصادر العربية (كالاستقصا للناصري مثلا)، وأحيانا، يختلفان تماما، وربما هذا راجع إلى النطق، أو المرور بين اللغات المختلفة عبر الترجمة . فلا ننسى أن الكتاب تُرجم من الإسبانية إلى الفرنسية ثم العربية ويعلم لله كيف كان الأصل وبأية لغة أو لهجة تمت كتابته .فسيتحدث عن قبيلة السكاكين وأولاد حداج مثلا عند حديثه عن القبائل العربية الوافدة وهو اسم لم أصادفه إلا عنده.
«.. إن السلالة الرئيسية لقبيلة السكاكين تسمى أولا حداج، وأشرفُهم الذين أتى بهم مولاي يعقوب المنصور رابع خلفاء الموحدين و أمير المسلمين من مملكة تونس، وأسكنهم بإقليم دكالة بمملكة مراكش وفي إقليم تادلا. فكانوا دائما ميالين للحرب … ويُطلق عليهم «شراكة»
لأنهم جاؤوا من الشرق ..
.. يعيشون في دواوير أو قرى مؤلفة من مائة أو مائة وخمسين خيمة ، منصوبة كلها بشكل دائرة ، ويُترك وسطها خاليا تُحبس فيه الماشية ..»
وهنا يمكن أن يتذكر من عاش في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي أن حديث البدو كان حول الخيمة و الحطة الذي يقصد بها المسكن في الشاوية ودكالة وبعض المناطق التي عمرتها قبائل بنو سليم وبنو هلال كعبدة .. والذين جاء بهم الموحدون من تونس.
وهكذا سيتحدث مارمول عن: أولاد عمران (لطالي) وعددهم 1500 فارس و 30 ألف راجل .. وأولاد عمران (دفتاتي) .. و أولاد عقو (المتفرقين في ثمانين دوارا) .. و أولاد سبيطة .. وأولاد بو عزيز ..
وكان يُنظر إلى هؤلاء ـ كما يقول مارمول ـ كأغراب، حتى قبل أن يحتل البرتغالي مدينة آسفي «.. وللانتقام من هذه الإهانة انظمّ أعراب المنطقة إلى البرتغاليين فأصبحوا بوسائلهم أقوى من الشرقيين وحاربوهم بضراوة ..
على كل حال . بدأ العنصر العربي والبربري يتداخلان ، فتداخلت الأنساب وتمزغ العرب وتعرب الأمازيغ فلم يعد بالإمكان معرفة هذا من ذاك و لم تعد اللغة مقياسا ولا منطقة السكنى إلا في بعض البوادي .
ونحن نعلم انتقال القبائل من منطقة إلى أخرى كلما صعد نجم أسرة وحكمت، فهجّرت البعض وأسكنت البعض الآخر في مناطق السهول وقرب المياه، وقد يفعل ذلك القائد أو الوالي أو خليفة السلطان نيابة عنه و دون أن يعلم أحيانا ..