أسلمة المغرب .. حسب ما قيل 8 :مدينة ليكسوس كانت أقوى وأكبر من قرطاج

منذ البداية وجب أن نعترف أ ن كتابنا هذا ليس كتاب تاريخ محض، إنما هو محاولة يمكن إدراجها ضمن مجال الدراسات الثقافية التي حاول الأنجلوساكسون تطويرها – منذ ظهورها بعيد منتصف القرن الماضي – وذلك بدراسة مختلف الظواهر الثقافية اعتمادا على مناهج علوم مختلفة ومتعددة، كالتاريخ والأنثربلوجيا وعلم الاجتماع وعلم الأديان والآداب .
إنه محاولة للجواب على أسئلة مؤرقة .
لعل أهمها: لماذا تفتخر كل الشعوب بتاريخها وتنقب عما يمكن أن تجده عبر الحفريات الأركيولوجية ومختلف اللقيات حفظا لهويتها؟ إلا هذا البلد الأمين الذي يحاول في ثقافته الرسمية أن يحصر تاريخه بل والأحرى أن يوقفه في حدود القرن الثاني الهجري.
هل تَرى تلك الثقافة أن التحقيب هنا لا يهتم إلا بما يسمى الدولة الحديثة؟ الأوْلى، إذن، الحديث عن الدولة المغربية وليس الموريتانية Moros أو Mores أو المراكشية Moroeccos منذ سميت كذلك ، أو حين حاول الفرنسيون تأسيس مفهوم جديد للدولة الحديثة ومنح المملكة الشريفة اسم Royaume du Maroc للحديث عن المملكة المغربية وسموها على طريقتهم و بصياغتهم؟ وقالوا اختصارا Maroc، أو حين تم وضع أول دستور مغربي (محض) بعيد الاستقلال .
المشكل، من هذا المنظور ، هو مشكل هوية ثقافية تتعلق بمواطن مغربي يرى أن ماضيه لا يتجاوز تأسيس الأدارسة لإمارتهم ، أي قدوم المولى إدريس الأول رفقة خادمه إلى المغرب الأقصى ونزولهما ضيفين على قبيلة أوربة )إن كان النطق صحيحا ( و نتع رف من خلال التاريخ الرسمي على اسم زعيمها وابنته كنزة . معضلتنا أننا نلوك هذا في مقرراتنا ومناهجنا كنوع من الوحي المنزل دون طرح تساؤلات من قبيل: كم كان عمر سبط الرسول الأعظم إدريس بن عبدالله حين قدم إلى المغرب؟ أليس لديه أبناء؟ نتساءل هكذا ونحن نعلم أن أغلب القدماء كانوا يتزوجون وهم في سن معينة، أو على الأقل يتخذون جواري و يمارسون الجنس مع ما ملكت الأيمان .
معضلتنا أننا لا نعلم أبناءنا طرح الأسئلة من هذا النوع ! و ما زلنا ند رس في أقسامنا ك ما من المعلومات التي صارت متاحة بنقرة زر ، و لا نعل مهم طرق التحليل وآليات التفكير القائمة على العقل و المنطق .
مشكلتنا، أن أغلب المؤسسات تريد ترك الأمور على حالها .

 

1 ـ ميلا «Mela»

يقول: .. « .. سمي بالمحيط الأطلسي ذلك الذي يلامس غرب القارة . و إذا ما نحن انطلقنا من الأطلسي و أبحرنا تجاه بحرنا (البحر الأبيض المتوسط) ، لدينا إسبانيا جهة اليسار و موريتانيا (المغرب) جهة اليمين. وهي بداية أوروبا من جهة و أفريقيا من جهة أخرى . المولوشا (ملوية) la Mulucha هو علامة نهاية هذا الساحل و هو يبدأ من الرأس الذي يسميه الإغريق أمبلوزيا Amplosia و يسميه الأفارقة اسما مختلفا آخر ، لكن ، له نفس المعنى .
هنا توجد مغارة (مخصصة) لهرقل وما بعد هذه المغارة تينجا مدينة قديمة جدا أسسها ـ على ما يقال ـ آنتي، وقد بقي دليلا على ذلك درع مستدير الشكل من جلد الفيل وهو كبير جدا لدرجة أن لا أحد يستطيع استعماله في أيامنا هذه نظرا لكبر حجمه. وسكان البلد متيقنون أن الذي حمله هو آنتي، لذلك يبجلونه.
وعلى بعد، هناك جبل عال آخر مقابل في الجهة الإسبانية و يسمى أبيلا Abyla والثاني يسمى كالبي Calpè هما عمادي هرقل. وفيما يخص هذا الاسم تحكى بشأنه أسطورة:
إن هرقل هو من فرّق هذين العمادين المرتفعين، وكانا يجتمعان من قبل عبر سلسلة مرتفعات مترابطة. كان المحيط يتوقف هنا بهذه المرتفعات الجبلية، ثم بدأ يدفعهما بقوة.
طبعا، البلاد غير معروفة جدا ولم يصلنا عنها إلا القليل، فهناك مدن صغيرة حيث تعيش ساكنتها ، وهناك أنهار صغيرة تنبع من هذه البلاد ، وتعد تربته أهم من سكانه ..
ومن الأشياء التي يمكن الإشارة إليها أننا نجد جبالا عالية مرتبطة فيما بينها ومصطفّة بشكل مرتّب سلفا، وتسمى لعددها و تشابهها الإخوة السبع .
ثم هناك وادي تامودا Tamuada ومدن صغيرة: روسكادا Rusgada وسيكا Siga ومولوشا هو ذلك النهر الذي تحدثنا عنه والذي يحد سابقا مملكتي بوخوس Bocchus ويوكرثا Jugartha و لكنه لا يقسم اليوم سوى الشعبين ..
الكتاب 3 الفصل 10
ويبقى الساحل الخارجي لموريتانيا والزاوية القصوى لأفريقيا والتي تنتهي بقمة حادة يمنح نفس المواد التي كان يمنحها فيما قبل لكن بنسبة أقل، وعلى الرغم من أن تربته أكثر غنى وخصوبة فقد رأيتها تنتج بعض أنواع الحبوب بدرجة أكبر ليس فقط حين يتم زرعها بل تعطي بوفرة بعض الأنواع حتى و لو لم تزرعها ..
يقال أن آنتي كان ملكا على هذه الأرض، وكدليل على هذه الأسطورة تتم الإشارة إلى تل منخفض الارتفاع يشبه رجلا مضطجعا ، وتقول الساكنة أن ذلك قبره ..
تحفر الساكنة حفرا حتى يملأها المطر .. من هؤلاء الناس من يسكنون الغابات و هم أقل ترحالا ، بينما الذين تحدثنا عنهم سلفا يسكنون المدن . والمدن الكبرى ـ والتي لها نفس أهمية المدن الصغرى ـ توجد بعيدة عن ساحل البحر ك « كيلدا Gilda وليلي Volbilis وبريسيانا Prisciana ، وعلى البحر نجد سلا Sala وليكسوس Lixos وتروى، ليكسيس Lixus ..وأبعد من هذا توجد مستعمرة زيليس Zilis و نهر كنا Gna .
ومن النقطة التي انطلقنا منها رأس أمبلوزيا و الذي يستدير نحو بحرنا يحد ساحل المحيط الأطلسي ..
2 ـ بلين الأكبر (أوالقديم) Pline l’ancien
يقول:
1 ـ أسماء هذه الشعوب الإفريقية وأسماء مدنهم صعبة النطق إلا في لغاتهم ، وهم لا يسكنون سوى قرى محضة ..
2 ـ في أفريقيا نجد أولا، بلدا يسمى موريتانيا إلى أن جاء كاليكولا Caligula ابن جيرمانكوس Germanicus و صار إقليمين .. فالرأس الأقصى و يسمى بالإغريقية أمبالوزيا Ampalisia، كانت فيه من قبل مدن (ليسا Lissa و كوتا Cotta ) ما بعد عمادي هرقل . وفي يومنا هذا نجد تينجي Tingi (و أسست من طرف آنتي )، ومنذ أن جعلها كلود سيزار مستعمرة حملت اسم ترادوكتا جوليا..
3 ـ توجد على بعد 30 ألف خطوة (كحد أقصى) من بايلو أون بيتيك . وعلى بعد 25 ألف خطوة من تينجي وعلى ساحل المحيط توجد مستعمرة أوغست Auguste  المسماة جوليا كوسانتيا Julia ciusantia وعلى بعد 35 ألف خطوة من زيليس Zilis و ليكسوس وعمل منها كلود سيزار مستعمرة .. وهي محمية بسلطة الملك وتحت السلطة القانونية لبيتيك .. وهي تمثل بالنسبة للرعايا القدامى مكانا خرافيا، فهنا يموقعون قصور آنتي وصراعه مع هرقل وحدائق هسبريد و يلج إليها البحر عبر مجرى مشكلا ساحة شبه دائرية. ومن خلال هذه التفاصيل الجغرافية يفسرون اليوم تلك التنانين التي كانت تحرس الحديقة.
4 ـ وهذا المجرى يعانق جزيرة، وبالرغم من أنها منخفضة عن كل المنطقة المجاورة فهي لا تغرق حين يرتفع الماء. ولازال هناك مذبح لهرقل، لكن غابة التفاح الذهبي (موضوع الأسطورة) لم يبق منها شيء سوى بعض أشجار الزيتون الموحشة. وقد تتعجب مما اختلقه الإغريق من أساطير حول هذه الحدائق وحول نهر ليكسوس حتى أن كتابنا ألفوا في هذه الفترة تبعا لهذه المبالغات .. وإذا صدقنا ما يقولونه ، فمدينة ليكسوس كانت أقوى وأكبر من قرطاج و هي موجودة قبالتها وبعيدة جدا عن تينجي دون الحديث عن تلك المبالغات التي صدقها بنوع من الغباء كورنوليوس نيبوس .
5 ـ .. وعلى بعد 40 ألف خطوة من ليكسوس و داخل الأراضي، توجد مستعمرة أخرى لأغسطس (بابا Babba) وتسمى جوليا كومبيستريس. وثانية تسمى باناسا Banasa. وثالثة تسمى فالانتيا Valantia. وعلى بعد 75 ألف خطوة من فالانتيا توجد المدينة المحصنة لوليلي على نفس المسافة من البحرين (يقصد : البحر الأبيض المتوسط و المحيط الأطلسي).
من جهة أخرى على الساحل، وعلى بعد 50 ألف خطوة من سيبيس Subus توجد مدينة سلا Sala على نهر بنفس الاسم، وهي محاذية للأدغال المليئة بقطعان الفيلة، وأكثر من هذا بشعب الأوتولول peuple des Autololes، ويجب أن تجتاز هذه الأخيرة لتصل إلى جبل أطلس و هو الأكثر روعة في أفريقيا.
6 ـ وسط الرمال ـ كما يقال ـ ينتصب نحو السماء، قاس و عار، ومن حيثما نظرت ترى سواحل المحيط الذي أخذ منه اسمه، لكنه مغطى بأشجار سامقة ووارفة الظلال، وتسقى بينابيع دفاقة من الجهة التي تنظر إفريقيا، وينتج (أطلس) الكثير من أنواع الفواكه دون أن تُزرع لدرجة أن المرء يشبع نهمته و رغباته.
7 ـ نهارا لا ترى أية ساكنة بتاتا والسكون يعم المكان ، إحساس كالذي ينتابك في القفار وخوف أخرس يتملك الروح كلما اقتربت منه و ينتابك كلما نظرة إلى قمته المرتفعة فوق السحاب وتتجاوز هالة القمر ليلا ويلمع بألف قبس من نار، بينما أجيبان وساتير يملآنه رقصا مصاحبا لنغمات الناي والمزمار ونقرات الطبل والصنج..
هذا ما حمل إلينا كتّاب معروفون دون ذكر بطولات وفتوحات هرقل وبيرسي رغم أن المسافة التي تفصلنا عن أطلس كبيرة و مجهولة.
8 ـ حنّون ذاك الزعيم القرطاجي كتب مذكراته في أوج عظمة قرطاج وقد بلغه أمر استقصاء محيط أفريقيا، وأغلب الكتاب الإغريق واللاتين اعتمدوا على شهاداته وأخذوا عنه، ومن بين ما أخذوا أشياء تمس الأساطير، و بأنه هو من أسس العديد من المدن و التي لم يتبقّ منها لا ذكريات ولا أثارات .
9 ـ بينما كان سكبيون إمليان يحكم أفريقيا أصدر أمرا لبوليب المؤرخ للقيام بمهمة التعرف ـ بأسطول ـ على حدود هذا العالم. وأخبرنا: أن ما بين أطلس ومغرب الشمس توجد غابات مليئة بضواري أفريقيا حتى نهر أناتيس Anatis على مسافة 496 ألف خطوة. وما بين أناتيس وليكسوس 205 ألف خطوة.
وقال أكريبا Agrippa أنه من مضيق كاديس Cadix إلى ليكسوس Lyxus هناك 112 ألف خطوة ، وبعده يوجد خليج يسمى ساجيجي Sagigi، ومدينة على رأس مليلاشا Mulelacha، ونهري سابوبا Sabuba وسلات Salat، وميناء روتوبيس Rutubisعلى مسافة 224 ألف خطوة على ليكسوس Lixus . ثم رأس الشمس، ومينار ريصادير Rysaddir ..
.. نهر كوزينوس Quosenus .. شعوب السيلاتيت Selatites والمازات Masates. نهر مازاتات Masatat، نهر دارات Darat حيث تعيش التماسيح .
10 ـ .. ثم هناك خليج بمسàافة 1616 ألف خطوة منغلق برأس مكون من جبل براكا Braca والذي يمتد إلى مغرب الشمس و يسمى هذا رأس سورنتيوم Surrentium .. ثم نهر سالي Sale ..
.. ومن هناك (نجد) الإثيوبيون بيرورس Perores حيث يأتي بعدهم الفاروزيون Pharusiens وجيرانهم من الداخل هم الجيتول الداريين dariensGitules .
على الساحل نجد الإثيوبيين الداراتيت ونهر بامبوتوس وهو مليء بالتماسيح وأفراس النهر. ومن هنا تمتد سلسلة جبال تنتهي بجبل نسميه ثيون أوشيما Theon ochema. ومن هناك إلى رأس هسبيريوم مسافة عشرة أيام وعشر ليال من الإبحار ..
هذا الكاتب حدد أطلس وكل الكتاب يرون أنه في حدود موريتانيا .
11 ـ لأول مرة وتحث حكم كلود سيقاتل الرومان في موريتانيا حين قتل الملك بتولومي (ابن جوبا 2) من طرف كلود سيزار(كاليكولا) ، وكان إيديمون (المعتوق) Edemonl’affranchi يبحث عن الثأر و يطالب بدمه.
وإذا تتبعنا أثر البربر فليس من شك أن الوصول إلى أطلس شيء بدهي ـ ليس فقط من طرف تلك الشخصيات القنصلية والجنرالات الذين تمّ انتقاؤهم من طرف مجلس الشيوخ Senat)) ليقودوا تلك الحملات، ولكن هناك أيضا الفرسان الرومان الذين سيحكمون البلاد وقد نالوا شرف الوصول إلى أطلس .
12 ـ في هذا الإقليم ـ وكما قلنا سابقا ـ هناك خمس مستعمرات رومانية ، وإذا ما صدقنا ما يقال فإن جبال أطلس سيسهل الوصول إليها على ما يبدو، لكن هذا خاطئ بالمرة كما تثبت التجربة ذلك ، فالموظفون السامون حين يجدون صعوبة في إثبات هذا لا يجدون غضاضة في الكذب حرجا من جهلهم . و هكذا يسقط الآخرون في الخطأ اعتمادا على ما قاله الرؤساء (الكبار). ولهذا يَقِلّ استغرابي حين أعلم أن أصحاب (النظام الفروسي) (الجنرالات،القناصلة والفرسان) جاهلون لهذا حين يدخلون مجلس الشيوخ ، وما أستغرب له أكثر أن هذه الأشياء تبقى مجهولة بطريقة فنية (luxe) ..


الكاتب : عبد الله خليل

  

بتاريخ : 11/04/2022