أشغال، تصوير، بنية تحتية مهترئة وأشياء أخرى : غياب الحكامة يغرق الدار البيضاء في الفوضى

تعيش مدينة الدارالبيضاء مرة أخرى حالة من الفوضى المستمرة فصولها، وكأن قدر البيضاويات والبيضاويين أن تظل المعاناة لصيقة بهم لسنوات والتي تختلف حدتها ووقعها بتعاقب الفصول، بسبب عوامل متعددة تكشف بأجمعها عن غياب الحكامة في تدبير يوميات العاصمة الاقتصادية من طرف القائمين على الشأن المحلي، من منتخبين تواروا إلى الخلف وبات دورهم مقتصرا على عقد الدورات الاستثنائية للمصادقة على قرارات معينة، ومسؤولين بعضهم يقف موقف المتفرج والبعض الآخر ينتظر التعليمات، بل إن حتى الخطوات المتعددة التي قام بها والي الجهة مهيدية خلال الأشهر السابقة لم تؤت أكلها وظلت معها شوارع وأحياء وأزقة المدينة مفتقدة للجمالية المبشّر بها، مكرسة لغياب عدالة مجالية بين أحياء «الوسط» ودروب «الهامش»، ومتسببة في عسر مروري مزمن صلّب شرايين محاورها المرورية المختلفة.
يعتبر شارع الزرقطوني من بين العلامات الشاهدة على سوء تدبير واضح، فرغم أشغال إعادة تهيئته التي امتدت لمدة ليست بالهيّنة، فهذا المحور الطرقي ظلت الكآبة لصيقة به ولم تتحقق فيه أي جمالية تبرر زمن وميزانية وطريقة تدبير الأشغال التي عرفها، في ارتباط بجزء من شارع المقاومة انطلاقا من تقاطعه مع محج محمد السادس، بل إن منسوب الغرابة الكبيرة سيرتفع عند سكان المدينة وزوارها بعد أن تم إغلاق الممرات تحت أرضية من هذا التقاطع إلى غاية مدارة أوروبا، تحت مبرر التهيئة من جديد، مما أنهك مستعملي الطريق، خاصة وأن العملية تزامنت مع شهر رمضان الأبرك؟
معضلة لا يعرفها هذا الشارع فقط بل تتقاسمها مختلف المحاور الطرقية الأخرى التي يجد مستعملوها أنفسهم يراوغون البالوعات والحفر التي لاينتهي عددها، المتسببة في الحوادث المختلفة، من سيدي مومن والبرنوصي نحو عين السبع، إلى «كارنو» وشارع باحماد، مرورا بدرب السلطان، ثم الاتجاه نحو سباتة وسيدي عثمان أو صوب عين الشق، دون إغفال درب غلف والمعاريف فالحي الحسني وغير ذلك. فنفس الخارطة المرورية، مع بعض الاستثناءات المعدودة على رؤوس الأصابع، تسود المدينة، عنوانها أرضية لا تتطور بل تتقهقر وتتهاوى في عدد من الأحياء، وحفر منتشرة في كل مكان، بما في ذلك الأزقة المجاورة للقصر الملكي!
ولأن العقم طال السير والجولان وبات مرضا مزمنا في الدارالبيضاء، فإن الطريق السريع هو الآخر يعتبر المرور منه يوميا بمثابة جحيم، بما أن التكلس يصيب محاوره من البرنوصي إلى مخرج القطب المالي، في الاتجاهين معا، ويصبح الكل تحت رحمة القدر في انتظار ساعة الفرج للوصول إلى الوجهات المختلفة، سواء للعمل أو للدراسة أو غيرهما.
هذه الأعطاب المتعددة التي تُفاقم من حجم التوتر والقلق ومنسوب الضغط النفسي وترفع درجات المشاق أمام سكان مدينة، تحولت أزقتها إلى برك آسنة وضايات وأودية للمياه العادمة بعد التساقطات المطرية الأخيرة، التي توغلت إلى داخل المنازل والبنايات، وصار عدد كبير منها عبارة عن مستودعات للشحن والتفريغ وللتسابق بين شاحنات الوزن الثقيل، التي انهزمت أمام أوراش البناء المزاجية، والأراضي العارية التي تحولت إلى مطارح، والنفايات الهامدة، وجحافل المتسولين والحمقى الذين يهيمون في الشوارع والمشردين، وفوضى العربات المجرورة بالدواب رغم قرار المنع، واندفاع عدد من المتهورين من سائقي «التريبورتورات»، وهواة الاستعراض بالدراجات النارية، وغيرها من عناوين «السيبة»، لم تكن كافية بالنسبة للبيضاويين والبيضاويات فتم الترخيص بـ «مصادرة» حركة السير والجولان في عدد مهم من المحاور الطرقية إلى غاية كتابة هذه السطور، من أجل تصوير فيلم سينمائي أمريكي، كان من الممكن مناقشة أصحابه لتأجيله إلى ما بعد رمضان، حتى لانزيد الاختناق المروري اليومي ضغطا أكبر، ولا نفرض على السائقين كثرة الالتفافات المؤدية إلى مزيد من الاختناقات صباح مساء، في شوارع وأزقة تعاني في «الوضع الطبيعي»: تصلّب الشرايين.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 19/03/2025