من أغرب الأحجار الكريمة في العالم، جوهرة تمتلكها سيدة وتحتفظ بها في قطعة قماش المخمل داخل صوان بيتها، الجوهرة التي نتحدث عنها عبارة عن جمجمة مخيفة يزيد وزنها على خمسة كيلوجرامات، محفورة في كتلة من الكوارتز البللوري النقي. ويقال إنها تنتسب إلى حضارة مفقودة. عينا هذه الجمجمة عبارة عن منشورين، يقال إن المستقبل يطل منهما.
فمنذ أن تم اكتشاف هذه الجمجمة بين أطلال مدينة قديمة بأمريكا الجنوبية حاول العديد من الباحثين أن يتوصلوا إلى معرفة أصل هذه الجمجمة البللورية، وسعوا للحصول على شهادات ثابتة حول الظروف التي عثر عليها فيها، والى قياس ملامحها، ونسبها الغامضة بالفرجار، واختبار سطحها اللامع الناعم ملليمترا.. ملليمترا.. بل انهم سلطوا الأضواء الملونة على كتلتها البللورية النقية بحثا عن حكمة ضوئية تكمن في كيانها ولم تثمر هذه البحوث نتائج ما .
مشكلة لعمال النظافة
وأشهر الجماجم البللوية جمجمتان كل منهما في حجم الجمجمة البشرية، تستقر إحداهما داخل صندوق زجاجي، أعلى الدرج في متحف الإنسان التابع للمتحف البريطاني بالقرب من ميدان بيكاديللي بلندن. وهذه الجمجمة تسبب مشكلة للمسؤولين عن المتحف البريطاني، فعمال النظافة في المتحف رفضوا تنظيف القاعة مساء، إلا إذا وضعت قطعة من القماش الأسود فوق الجمجمة البللورية، تحجب عنهم نظراتها القوية القاسية.
والمتاحف تحرص دائما على أن تضع بالقرب من كل ما تعرضه بطاقة تحمل تفاصيل المعلومات المتصلة به، وعلى العكس من ذلك فإن البطاقة المثبته إلى جوار الجمجمة البللورية تبدو غامضة البيانات، بالنسبة لتاريخها، ذلك أن البطاقة تكتفي باحتمال رجوعها إلى أصول آزوتية، في مراحل الاستعمار المبكرة. والحقيقة أن ذلك التاريخ ليس أكثر من تخمين قام به خبراء المتحف لان تاريخ الجمجمة البللورية لا يعرف عنه أي شيء تقريبا.
لقد أشترى المتحف هذه الجمجمة من محلات «تيفاني» لبيع المجوهرات بنيويورك، مقابل مبلغ 120 جنيها إسترلينيا عام 1898، ولا أحد يفي المتحف البريطاني يعرف من أين حصلت عليها محلات تيفاني.. بالرغم مما يقال حول كونها بين الأسلاب التي استولى عليها من المكسيك المستعمرون الأوائل، وأنها بقيت بحوزة أحد الجنود خلال القرن التاسع عشر.
تحت المذبح القديم
أما الجمجمة الأخرى فتملكها امرأة تدعى آنا ميشيل هيدجيز.. والقصة التي تروي طريقة حصولها على الجمجمة، غريبة ومختلطة .
كان ميشيل هيدجيز بريطانيا يهوى المغامرات، تجول في أنحاء أمريكا في أوائل القرن العشرين، يلعب القمار مع أصحاب الملايين، ويمتطي الخيل على طريقة الكاوبوي، ويحارب في صفوف بانشوفيللا أثناء الثورة المكسيكية. وفي رحلة من رحلاته قابل مجموعة من الرجال في أحد فنادق اونتاريو، وكان بصحبة هؤلاء الرجال فتاة صغيرة يتيمة أسمها آنا جوبيون، فتبناها، وحملت اسمه بعد ذلك.
الفتاة آنا هي التي اكتشفت بعد ذلك الجمجمة البللورية. ففي عام 1927، كان ميتشيل هيدجيز يشرف على عملية تنقيب أثري بمدينة لوبا انتوم في هندوراس البريطانية، وكان قد اكتشف تلك المدينة لأول مره قبل ذلك بعدة سنوات، عندما كان يبحث عن أتلاتنس أو القارة المفقودة . فقد كان هيديجيز يعتقد أنها تقع في تلك المنطقة .
في يوم ميلاد آنا السابع عشر، كانت الفتاة تتجول بلا هدف في أنحاء المدينة، فلاحظت شيئا تحت المذبح القديم، لقد كان ذلك النصف العلوي للجمجمة البللورية. وبعد ذلك بثلاثة أشهر، وعلى بعد أقدام من الموقع نفسه، عثرت على الفك السفلى للجمجمة، وكان قد انفصل عن الجمجمة.
ووفقا لرواية الفتاة، فإن والدها أعطى الجمجمة لسلطان المنطقة التي يسكنها بعض شعب المايا وقالت « لقد كانوا يصلون للجمجمة البللورية، وأخبروا والدها أن هذه الجمجمة هي السهم الذي كانوا دائما يلوذون به عندما يطلبون الشفاء من مرض ما.. وعندما يواجهون الموت».
وعندما غادرت بعثة ميشيل هيدجيز الاستكشافية المدينة القديمة في عام 1927 بعد العثور على الجمجمة.. قرر أهالي المدينة إهداء الجمجمة البللورية إلى هيدجيز إعرابا عن امتنانهم بما قدمه إليهم من دواء وملابس.
سلسلة الوقائع الغامضة
منذ اليوم الأول لاكتشاف الجمجمة، بقيت مصدرا للكثير من الخلط والتناقض، فبالإضافة إلى عدم معرفة شيء واضح عن أصلها، فإن الظروف الدقيقة للعثور عليها بقيت واضحة، بالكامل، وعلى الرغم من ثبوت حقيقة أن آنا عثرت عليها عند مذبح معبد لوبا انتوم، إلا أن الأسئلة قد ثارت حول ظروف العثور على ذلك الأثر الفريد
قال أحد المعلقين، كيف يظهر أكبر حجر كريم في العالم فجأة وسط عملية كشف أثرية عادية دون أن يثير ضجة؟
ثم كيف فشلت آنا في العثور على الفك السفلي إلا بعد ثلاثة أشهر؟ ثم كيف لم تصدر أية إيضاحات أو تذكر أية تفاصيل عن ميشيل هيدجيز نفسه، أو عن أعضاء البعثة؟
هذا الغموض الذي يحيط بظروف العثور على الجمجمة، قاد بعض الباحثين إلى تصور أنه لم يعثر عليها أصلا في تلك المدينة، وأنها قد وضعت عمدا أمام المذبح القديم حتى تجدها آنا .
وهم يستندون في هذا إلى أن الفتاة كانت في يوم عيد ميلادها السابع عشر، قد شفيت بالكاد من نوبة ملاريا، وكانت تعاني من حالة اكتئاب. ولهذا فليس من المستبعد أن يخفي والدها الجمجمة عمدا في ذلك المكان حتى تجدها الفتاة، ويزول عنها الاكتئاب، وفي هذه الحالة يحتمل أنه عثر عليها أو وصلت إليه في إحدى رحلاته إلى المكسيك…
هذا بالإضافة إلى أن الموقف المعلن من جانب المستكشف الكبير من ذلك الأثر يبدو غريبا.. ففي مذكراته التي نشرها عام 1954، تحت عنوان «الخطر.. طريقي»، وكان ذلك قبل وفاته بخمس سنين، كتب فقط عدة أسطر فقط للموضوع، وحتى هذه الأسطر القليلة لا تحمل الكثير من الوضوح وقد جاء ذلك في معرض الحديث عن إحدى رحلاته إلى إفريقيا عام 1948، يقول: «وأخذنا معنا أيضا الجمجمة المشؤومة التي كتب عنها كثيرا. أما كيف وصلت إلى حوزتي، فلدي من الأسباب ما يمنعني من الكشف عن ذلك .
الجمجمة مصنوعة من الصخر البللوري النقي، ووفقا للعلماء لابد أن إنجازها اقتضى 150 سنة من العمل الجاد، فتواتر الرجال على صناعتها جيل بعد جيل، يعملون طوال أيام حياتهم في صبر، ويحكمون كتلة الصخر البللوري الضخمة بالرمال، حتى خرجت الجمجمة الكاملة من بين أيديهم.
إن عمر هذه الجمجمة لا يقل عن 3600 سنة، ووفقا لإحدى الأساطير، كانت تستخدم عن طريق كبير الكهنه في مايا خلال بعض الطقوس الخاصة جدا. ويقال إنه عندما كان الكاهن يرغب في إنهاء حياة شخص ما، فإن الجمجمة كانت تقوم بذلك .
لقد وصفت هذه الجمجمة في الأساطير بأنها التجسيد الكامل لجميع الشياطين…!».
على كل حال تنفي آنا ميشيل هيدجيز بشدة فكرة الدفن المتعمد عن المذبح.
وقام عالم الأجناس البشرية دكتور مورانت بدراسة تفصيلية مقارنة على الجمجمتين، وظهر تقريره في مجلة «مان» التابعة للمعهد الملكي للدراسات البشرية.
يشير تقرير مورانت إلى التشابه الشديد بين الجمجمتين في جميع التفاصيل التشريحية. وأن الفارق الأساسي بينهما هو أن جمجمة المتحف البريطاني من قطعة واحدة بينما الفك السفلي للأخرى منفصل.
ويقول مورانت إن كلا الجمجمتين منقولة عن جمجمة امرأة .. وهو يقول في دراسته «من الصعب أو من المستحيل القول بأن كلا من الجمجمتين لم تجيء من نفس الأصل. ويبدو أنهما صورتان لجمجمة واحدة «. ولكن ما زال العلم حتى اليوم غير قادر على تحديد عمر البللورات.

