أشهر الأساطير والخرافات جزر تظهر وتختفي 4-

الخرافات والأساطير مجرد اعتقادات أو أفكار قائمة على مجرد تخيلات دون وجود مسبب عقلاني أو منطقي مبني على العلم أو المعرفة، وترتبط هذه الاعتقادات بفلكلور الشعوب أو بالأنماط العليا للتفكير، حسب التحديد الذي وضعه لها جيلبيرت دوران، حيث إنها عادة تمثل إرثًا تاريخيًا تتناقله الأجيال وقد تكون دينية أو أسطورية، أو ثقافية أو اجتماعية، وقد تكون شخصية ترتبط  ببعض الأفراد الذين يصنعون خرافاتهم بأنفسهم، أو يدفعون الآخرين المحيطين بهم إلى صنعها والتكتل حولها.

من المثير للاهتمام أن جزيرة ساندي كانت تظهر على الخرائط الحديثة مثل أطلس Times of the World، والذي يطلق عليه Sable Island، وأطالس National Geographic، وحتى ظهرت على Google Earth، لذا فإن هذا المكان بدا حقيقياً ومعروفاً لقرون عدة، ومع ذلك، حدث شيء غريب في عام 2000 م، عندما كانت مجموعة من عشاق الراديو يبحثون عن مواقع بعيدة يرسلون منها إرسالاً للراديو، وصادفوا جزيرة ساندي على الخرائط الحديثة، ومن ثمّ فكروا أنها موقعهاً مثاليا لإرسال إشارات الراديو خاصتهم، وعندما ذهبت المجموعة إلى المكان الذي من المفترض أن يكون جزيرة ساندي، لم يتمكنوا من العثور على أي جزيرة في المكان، قطعة اليابسة تلك لم تكن موجودة مطلقاً.
بعد 12 عاماً قام فريق من الباحثين الأستراليين برحلة استغرقت 25 يوماً عبر بحر كورال الشرقي، حيث كان من المفترض أن تكون جزيرة ساندي، وقد أظهرت لهم الرسوم البيانية عمق المياه في المنطقة والتي وصل عمقها إلى أكثر من 1300 متر (4300 قدم) في نفس الموقع بالضبط الذي افترضت الخرائط العلمية وجوجل إيرث أن الجزيرة هناك.
عندما حلل الفريق المخططات البيانية التي تعتمد فقط على قياسات العمق، لم تكن هناك أي جزيرة مدرجة في هذا الموقع ، في الواقع لم يكن هناك حتى جبل تحت الماء في تلك المنطقة، وهذا يعني أن الجزيرة لم تكن حتى مغمورة تحت الماء بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر، لذا فكان الأمر محيراً للغاية.
بعد هذا البحث كان هناك إجماع على أن جزيرة ساندي لم تكن موجودة على الإطلاق من قبل، ولكنها تمكنت فقط من إبقاء وجودها على خرائط بحرية قديمة لم يتم تصحيحها حتى العصر الحديث بالأقمار الصناعية المتطورة وتكنولوجيا رسم الخرائط.
ولكن تم طرح العديد من النظريات أيضاً لمحاولة شرح لغز جزيرة ساندي، مثل فكرة أن الجزيرة اختفت بسبب ارتفاع منسوب سطح الماء أو النشاط التكتوني، ولكن الأدلة الدامغة اعتماداً على القياسات تُشير إلى انه من غير المرجح أن الجزيرة كانت موجودة في المقام الأول، لم تكن موجودة أبداً!
ولكن ما يشتت العقل هو كيفية تمكن البحّارة من رصد الجزيرة لفترة طويلة على مر السنوات، وكيف ظهرت على الخرائط حتى وقت قري؟!
إحدى النظريات التي تفسر رؤية البحارة للجزيرة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر هو أنهم كانوا يشاهدون قطعاً صخرية ناتجة عن ثوران بركاني من تحت سطح البحر تطفو فوق الماء، وتلك الظاهرة قد تسبب وهم بوجود جزيرة في ذلك المكان، وما يدعم تلك النظرية هو حقيقة وجود نشاط بركاني في تلك المنطقة بالفعل.
أما بالنسبة لنظرية الخطأ في رسم موقع الجزيرة في الخرائط.. فيُعتقد أن السفينة Velocity التي كانت من أوائل السفن التي رسمت خريطة لموقع الجزيرة ووضعها كميزة شائعة في المخططات والخرائط المختلفة، قد أخطأت في موقعها، بحيث من الممكن أن يكون الطاقم أخطأ في التعرف على شيء آخر على مرمى البصر واعتقدوا أنه جزيرة وهذا الخطأ تم نسخه في وقت لاحق في الخرائط الأخرى دون أن يقوم أي شخص بالتحقق من الأمر.
ومع ذلك، بالنسبة لجميع النظريات، فإن الإجابة الدقيقة الملموسة عن ما حدث في جزيرة ساندي ما زالت بعيدة المنال، فبغض النظر عن سبب اختفاء جزيرة ساندي، أو على الأرجح قدرتها على البقاء بعناد على الخرائط والرسوم البيانية لفترة طويلة دون أن يلاحظ أحد أنها لم تكن موجودة بالفعل، فقد تمت إزالتها حاليًا من برنامج Google Earth ولن تظهر في الإصدارات المستقبلية للخرائط الجغرافية الوطنية National Geographic.
تلك الأحداث الغريبة قد تسرد واقعاً لمقدار ما نعرفه في بعض الأحيان وما لا نعرفه، ما الذي يوجد حقاً وما نتخيله أحياناً، ومدى ثقتنا العمياء في الخرائط والرسوم البيانية المتاحة لدينا ،فمن يدري ما الذي اختفى حقاً من الكتل الأرضية الأخرى على خرائطنا أو ما إذا كان بعضها لم يكن موجوداً أصلاً؟!
فما سبب اختفاء الجزر في البحار والمحيطات؟ وما الذي جعل تلك الجزر تتلاشى؟
كان هناك الكثير من النظريات المطروحة حول السبب في تلك الظاهرة، وإحدى تلك النظريات كما ذكرنا من قبل مع حالة جزيرة ساندي هو وجود خطأ ببساطة أثناء تحديد ماهية شيء ما في البحر، أو رسمها تبعاً لإحدثيات خاطئة دون مراجعة أو تصحيح من الرحلات التالية.
نظريات أخرى تقترح أن ما نراه كجزيرة ما هو إلى نتاج لنوع من الوهم البصري أو السراب المسمى «Fata Morgana» حيث يحدث تشوه في شكل الأجسام البعيدة مثل القوارب والسواحل والشعاب المرجانية، بحيث يصعب تمييزها بسبب انكسار الضوء عند مروره في طبقات هواء مختلفة الحرارة، لدرجة أنه يتعذر التعرف على تلك الأجسام فتبدو إما أقرب أو أكبر بكثر مما هي عليه بالفعل.
نظريات أخرى تعتقد في فكرة وجود تلك الجزر بالفعل، ولكن غمرتها الفيضانات أو اختفت بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر أو النشاط التكتوني أو بعض الكوارث.
أما الأفكار الأكثر بعداً والأقل ترجيحاً التي تفسر تلك الظاهرة، فترى أن تلك الجزر تم تدميرها عن قصد لبعض الأهداف الشائنة، أو أن الجزر قد عبرت إلى عالمنا من أكوان موازية عن طريق الثقوب السوداء القريبة ، أو أن الكائنات الفضائية قد أخفت الجزر لتستخدمها كقاعدة لها أو حتى قاموا بنقلها بعيداً لأغراض معينة لا يمكننا فهمها.
ونظراً لأن التاريخ مليء بعدد كبير من تلك التقارير حول الجزر الوهمية التي اختفت بجميع أشكالها وأحجامها من جميع أنحاء العالم، فمن المحتمل عدم وجود تفسير عالمي واحد لكل تلك الحالات الغامضة، بل ربما يكون هناك مزيج من العديد من تلك التفسيرات، لذا يبدو أننا لن نتمكن أبداً من حل هذه الألغاز، ولكن في مكان ما هناك بين تلك الأمواج قد تكمن الإجابة التي نسعى إليها.
شيءٌ واحد يبدو أكيداً.. هو أنه سواء كانت تلك الجزر الغامضة هي مجرد أخطاء أو أوهام أو ضحية لكوارث الطبيعة أو مؤشرات على وجود قوى خارجية خارج نطاق معرفتنا العلمية الحالية، فإنها رغم ذلك تجسد الخيال، وتذكرنا بإن المشهد الذي نعرفه دوماً لكوكبنا ليس دائماً واضح أو محدد كما اعتقدنا دائماً، كما ذكرنا البحر بإنه سيظل بطرق كثيرة غامضاً كما كان دائماً.


بتاريخ : 20/06/2020