الخرافات والأساطير مجرد اعتقادات أو أفكار قائمة على مجرد تخيلات دون وجود مسبب عقلاني أو منطقي مبني على العلم أو المعرفة، وترتبط هذه الاعتقادات بفلكلور الشعوب أو بالأنماط العليا للتفكير، حسب التحديد الذي وضعه لها جيلبيرت دوران، حيث إنها عادة تمثل إرثًا تاريخيًا تتناقله الأجيال وقد تكون دينية أو أسطورية، أو ثقافية أو اجتماعية، وقد تكون شخصية ترتبط ببعض الأفراد الذين يصنعون خرافاتهم بأنفسهم، أو يدفعون الآخرين المحيطين بهم إلى صنعها والتكتل حولها.
يأبى الفراعنة ألا يغلقوا باب حكاياتهم حتى بعد رحيلهم عن عالمنا.. مازالت آثارهم تجوب العالم، تماثيل ملوكهم مازالت تحمل على الأعناق، تأبى عظمتهم التي صنعوها من آلاف السنين أن ترحل.. وربما جعلوا من مقابرهم وموتهم لغزاً آخر.. ورواية مرعبة أيضاً.. فحذارى أن يزعج أحدٌ ما ملوكهم النائمين طويلاً.. وحذارى أن يلمس أحدٌ مقتنياتهم الثمينة.. فإن فعلت ذلك، فربما ستلاحقك لعنة غاضبة.. «لعنة الفراعنة».
لعنة الفراعنة هي لعنة يزعم البعض وجودها في مقابر المصريين القدماء، وتؤثر على أي شخص يحاول إزعاج مومياء شخص مصري قديم أو أحد الفراعنة.
ويزعم كل من صدق بلعنة الفراعنة، أنها ألقيت بالفعل على أشخاص كثيرين أزعجوا مومياوات المصريين القدماء، وخاصة مومياوات ملوك الفراعنة، ولا تفرّق تلك اللعنة بين غزاة المقابر وبين علماء الآثار، وقيل أنها تسبب سوء الحظ، والمرض، وحتى الموت، ومع ذلك، المؤرخون غير متأكدين ما إذا كانت تلك اللعنات مجرد حكايات، أم إنها شيئاً حقيقياً، ومنذ إنتشار أخبار لعنة الفراعنة، تحولت تلك القصص إلى أفلام وروايات رعب كثيرة، فقد أظهرت الأفلام والقصص أن المومياوات المصرية إرتبطت بأمرين، الثروات الثمينة التي تجذب اللصوص والباحثين عن الكنوز، واللعنة السيئة التي تصيب كل من يحاول سرقة كنوز المومياوات، ولكن هوليوود لم تخترع مفهوم «لعنة الفراعنة».
ويرجع تاريخ الأساطير عن «لعنة الفراعنة» إلى القرن السابع الميلادي عندما فتح المسلمون مصر، ووقتها أذهلت الآثار المصرية العرب وسحرت عقولهم، ولكنهم لم يتمكنوا من قراءة الكتابة الهيروغليفية، غير أن بعض علماء المسلمين قد نجحوا في فك بعضاً من رموزها، ولكنهم سمعوا من أهل مصر عن لعنات المومياوات المصرية وأن المصريين القدماء قاموا بتأمين قبورهم بوسائل سحرية تفتك بكل من يزعجها، فحافظ العرب على المقابر الفرعونية والمومياوات لدرجة أنهم لم يستطيعوا الإقتراب منها.
حظت «لعنة المومياء» لأول مرة بشهرة واسعة علمياً بعد إكتشاف مقبرة الملك الشاب «توت عنخ آمون» عام 1922 في وادي الملوك بالأقصر في مصر.
فعندما فتح «هوارد كارتر» مقبرة الملك توت عنخ آمون، ليجد كنوزاً مخبأة لمدة 3000 سنة، أطلق العنان لشغف عالمي بمصر القديمة وأسرارها اللا منتهية.
تصدرت كنوز»توت عنخ آمون» المتألقة عناوين الصحف في كل مكان، خاصة بعد إفتتاح غرفة الدفن في 16 فبراير 1923، وكذلك إنتشار التقارير التي تشير إلى الوفاة الغريبة للورد كارنارفون، والذي مات بتسمم الدم وقد كان الممول الرئيسي لرحلات البحث وبعثات استكشاف مقبرة «توت عنخ آمون».
وفي حين أن لعنة الفراعنة مازالت تفتقر إلى دليل، إلا أن ذلك لم يفقدها القدرة على جذب الجماهير، والتي قد تكون الجماهير هي مصدرها في المقام الأول.
لكن «سليمة إكرام»، وهي عالمة مصريات في الجامعة الأمريكية في القاهرة، تعتقد أن مفهوم اللعنة كان موجوداً في مصر القديمة كنظام حماية قديم.
وقد لاحظت سليمة إكرام، أن بعض جدران المصاطب الهرمية في الجيزة وسقارة كانت مكتوبة في الواقع بشكل لعنات تهدف إلى ترويع أولئك الذين يدنسون أو يسرقون مكان الراحة الملكي.
قالت سليمة إكرام «إنهم يميلون إلى تهديد المدنسين لقدسية المكان بالعقاب الإلهي من قِبل مجلس الآلهة في معتقدات الفراعنة القدماء أو عقابهم بواسطة الموت بالتماسيح، أو الأسود، أو العقارب، والثعابين».
لعنة الملك
«توت عنخ آمون»
في 29 نوفمبر 1922، وجد عالم المصريات «هوارد كارتر» واللورد كارنارفون ممول البعثة، قبر الملك «توت عنخ آمون» الذي يحرسه على ما يبدو نقش يحمل تهديداً بالهيروغليفية يقول «الموت سيأتي على أجنحة سريعة لكل من يزعج سلام الملك»، ثم قاموا بفتح المقبرة في وقت لاحق، واكتشفوا هذا الفرعون الشهير جنباً إلى جنب مع ثروة هائلة ونادرة من الكنوز المصرية القديمة.
هوارد كارتر مع تابوت الملك
«توت عنخ آمون»
وقع الحادث الأول الذي أثار الشائعات المحلية عن لعنة الفراعنة في نفس يوم إفتتاح المقبرة، عندما عاد كارتر إلى منزله ووجد قفص طيوره محتلاً من قِبل أفعى الكوبرا، وهي رمز الملكية المصرية القديمة، أعلن كارتر عن هذه القصة لصحيفة نيويورك تايمز التي ما لبثت أن نشرت الأمر على أنه لعنة الفرعون المصري توت عنخ آمون حيث يرتدي رمز الأفعى الكوبرا فوق تاجه.
بعد ذلك بوقت قصير، أصاب مصير غريب أولئك الذين دخلوا المقبرة، فبعد ستة أسابيع من افتتاح قبر توت عنخ آمون، توفى اللورد كارنارفون، وبعد بضع ساعات من وفاته، أخذ كلبه المحبوب ينبح حتى مات بشكل غريب، وتبع ذلك جنون إعلامي دولي، وإنتشر الحديث عن لعنة الملك المصري توت على نطاق واسع.
اقترح السير «أرثر كونان دويل» مبدع شيرلوك هولمز وقتها أن وفاة اللورد كارنارفون قد نتجت عن العناصر التي وضعها كهنة «توت عنخ آمون» لحراسة قبر الملك، وزاد ذلك من إهتمام وسائل الإعلام بالأمر.
وإستمرت سلسلة الأحداث، فتوفى الأخ الغير الشقيق للورد كارنارفون بتسمم الدم، وقُتل الميلونير الجنوب أفريقي «وولف جويل» بعد أشهر قليلة من زيارته للمقبرة الملكية، ثم توفى الممول «جورج جاي جولد» بسبب حمى بعد ستة أشهر من زيارته للمقبرة أيضاً.
من بين الوفيات الأخرى التي نُسبت إلى اللعنة، وفاة السير «أرشيبالد دوغلاس ريد»، وهو أخصائي أشعة قام بعمل أشعة لمومياء الملك «توت عنخ آمون»، وقد توفى بمرض غامض.
كما أن A. C. Mace وهو عضو في فريق التنقيب مع هوارد كارتر، مات نتيجة التسمم بالزرنيخ ، و«ريتشارد بيثيل» سكرتير كارتر الشخصي مات مخنوقاً في سريره.
ومع ذلك لم تكن تلك الوفيات هي التي أدت إلى إنتشار الذعر على نطاق واسع بقدر ما فعله اعتقاد البعض بإن روح الملك توت عنخ آمون أصبحت تحوم حول مكان دفنه!
ففي عام 1925، ذكر عالم الأنثروبولوجيا «هنري فيلد « كيف أن صديق كارتر» السير بروس إنغهام « قد أُعطيت له هدية عبارة عن يد مومياء مصرية معصمها مزين بسوار على شكل الجعران المقدس، والذي يحمل كلمات «ملعونا للأبد ً بالنار، والغرق، والأوبئة من يحرك جسدي»، وبعد وقت قصير من تلقيه الهدية، إحترق منزل السير إنغهام وتبعه فيضان بعد أن أُعيد بناءه.
ولكن أشار المشككون في تلك اللعنة بأن الكثيريين ممن زاروا المقبرة قد عاشوا حياة طويلة وصحية، وقد أظهرت دراسة أن من بين 26 شخص كانوا حاضرين عند فتح المقبرة توفى 6 منهم فقط في غضون عقد من الزمان، كما أن «هوارد كارتر» – وبالتأكيد من الأحرى أن يكون كارتر هو الهدف الرئيسي للعنة- عاش طبيعياً حتى مات بعد 20 عاماً من إكتشافه مقبرة «توت عنخ آمون».
إلا أن أحد الجوانب المثيرة للإهتمام في نظرية اللعنة ، هو أن الحظ السيء لم يلاحق أولئك الذين زاروا المقبرة فحسب، بل أولئك الذين شاركوا بأي شكل من الأشكال في إزعاج الملك حتى بعد مرور عقود من الزمان.