بمباركة أمريكا، بمباركة العم سامْ السّام، تعيث إسرائيل قتلاً وسفكا وحرقا ومحوا للإنسان والمكان، للشجر والسكن، والمؤسسات المختلفة من مَشافٍ ومدارسَ، وملاجيء خيرية، ومساجدَ وكنائس. تعيث بكامل الغطرسة قتلا للأطفال والنساء والشيوخ والرجال، وتُجَوّع وتُعَطّش آلاف الفلسطينيين الغزيين، بل، وتقنص ـ كأنما في تداريب للرماية وهي ضاحكة مستبشرة ـ كل من اقترب من أكياس الطحين، من تلك التلال ـ المصائد التي أقامتها بمباركة وتخطيط جهنمي من أمريكا كأنما لتضع مكانا مكان مكان، وتحتل إنسانا بإنسان، وزمنا بزمان، وتشطب تاريخا بتاريخ معجون في الخرافة، في غفلة عنا؟ بل، بمرأى منا .. من أولئك الذين أوليناهم أمورنا، وأسلمناهم زمام قيادتنا، والتحكم في رقابنا ومصائرنا عَلَّهم يوصلوننا إلى بعض أحلامنا، إلى كرامتنا وآدميتنا، وإذا بهم يُمرِّغون أنوفنا في الرّغام، وينتهكون بصمتهم وجبنهم، بل وبتواطئهم، ما بقي فينا من عزة وأنفة وشموخ.
ويا لها من مفارقة تُبكي وتُدْمي العقل والقلب، وتفت في العزيمة والإرادة. مفارقة تتمثل في تيقظ ضمير الغرب، أقصد ضمير أبنائه وبناته الشرفاء ذوي الهمة والأخلاق والرفعة، أبنائه وبناته من مثقفين ومثقفات، محامين ومحاميات، قضاة وقاضيات، طلبة وطالبات، برلمانيين وبرلمانيات، وجمعيات اجتماعية وثقافية وبيئية، وأحزاب يسارية سياسية، ونقابات عمالية هنا وهناك وهنالك. مفارقة تتمثل في ما أشرت إليه، وتشير بإصبع منكسر، وقلب منفطر، وخاطر مندحر، وعقل منتثر، إلى ركود العرب والمسلمين وبلاهتهم، كأنهم أصيبوا بعيٍّ، وبحبسة، وشلل اعترى الرؤوس والجذوع والأطراف. فإذا نطقوا يكونون قد نهقوا، وعلت أصواتهم فوق مكبرات الصوت، فهم ظاهرة صوتية لا غير كما قال الأديب الراحل القصيمي. فأين الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والحكومات العربية، والأنظمة النائمة المستنيمة في الدمقس والحرير وهي ترى إلى الجوع ينهش ويفتك صغارنا ونساءنا الحوامل والعجائز والشيوخ والمرضى، والناس جميعا؟. أينهم؟ لقد عيل صبر العالم، وعِيلَ صبر الصبر، والحال أن الكل يشجب ويدين ويعري فاشية إسرائيل وعنصرية إسرائيل، وأكاذيب إسرائيل ومعها الغرب الرسمي المتواطيء كأنه يخاف أمريكا، ويسبح بحمد أمريكا وشراهة أمريكا للدم. ومباركة العدوان الإسرائيلي غير المسبوق في التاريخ الحديث. كيف يستمر الكيان الإسرائيلي الغاصب والمغتصب والمحتل لأرض ليست له منذ 1948، قاتلا، مجتثا ومقتلعا كل فلسطيني، ومن هو في عداد الفلسطيني، والداعم للفلسطيني، من دون أن يعاقب على أفعاله النازية العنصرية، والحال أن العدالة والقانون الدوليين قالا كلمتهما، شجباً للعدوان الإسرائيلي، معتبريْن أن ما يجري في غزة، جريمة حرب، وإبادة ممنهجة للإنسان الفلسطيني، واحتلال عنصري بغيض سواء لغزة، أو للضفة الغربية التي يعتزم العدو الإسرائيلي ضمها إلى “سيادته”، وهل له من سيادة على أرض ليست له، وإنما احتلها احتلالاً، واستوطنها استيطانا، وغرس فيها أنيابه غرسا، مسنودا بأنياب ومخالب الولايات المتحدة الأمريكية الدامية.
ماذا يجري في العالم وللعالم، والحال أن إسرائيل مدانة من قِبَل محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية، وجمعية الأمم المتحدة، ومجلس الأمن بأغلب ممثليه، وجامعات العالم قاطبة، وجمعيات العالم المختلفة، وأحزابه ونقاباته، وضمائر أحرار العالم في كل القارات؟
ماذا يجري؟ ولماذا تفلت من العقاب وهي المدانة والمجرمة، والقاتلة والمُجوِّعة، والمُعَطِّشة والسارقة، والناهبة، والمعتدية على فلسطين، وعلى جيران فلسطين؟ ألأنَّ لها ربّاً يحميها، اَلأنَّ لها أمريكا حاضنة وراعية ومُهَدْهدة وذابَّةً عنها الرياح والعواصفَ والصواعق والبروق والرعود؟
وإذنْ، لتَقُمْ الدول العربية والإسلامية بما ينبغي أن تقوم به: بدورها التاريخي، إلى جانب دول أوروبية صديقة ذات الضمير الحي، والعقل المستنير تلك التي لا تخدعها الأكاذيب، ولا تغليف الحقائق بالترهات الإعلامية المخدومة والمزورة، إذْ أن إسرائيل في هذا الباب ماهرة وضليعة، ولا أحد بمقدوره أن ينافسها في الكذب والمسكنة، وافتعال المذلة، والتاريخ والواقع الحالي خيرا شاهد على ذلك. وكيف لا تكذب وهي سيدة وامبراطورية الإعلام ملكها ورهن إشارتها؟
لِيَقُم العرب بدورهم في الذّبّ عن حياض غزة وأهل غزة، وإعادة غزة والضفة الغربية والقدس إلى أهلها.. إلى الفلسطينيين عربا مسلمين، وعربا مسيحيين. وإلاَّ، فإن التاريخ المستقبلي سيصمهم بالعار، ويَسِمُ وجودهم بالذل والخزي والغِسْلين؟
أصداء أصوات غافية .. أيها الغَزيّون: من يطعمكم من جوع، ويؤمنكم من خوف ؟

الكاتب : محمد بودويك
بتاريخ : 08/08/2025