أصوات فرنسية محترمة: مهتمة بتاريخ المغرب ومتعاطفة مع مصابه

  1. كتبت العديد من الشخصيات الفرنسية المحترمة، مقالات عن زلزال الحوز طبعته بروح التضامن أوإنصاف المغرب في قراراته، ومنهم جان فرنسوا كوتوا وجان بيير فان ستيفل

 

جان فرنسوا كوتوا:  لا ينبغي القطيعة مع الوطنية التضامنية ما بعد زلزال الحوز

بالنسبة لنائب رئيس منظمة «أطباء العالم»، الطبيب والباحث «جان فرنسوا كوتوا، فإن للمغرب القدرة على إدارة أزمة ما بعد الكارثة، دون الحاجة للجوء للمساعدة الدولية، حتى وإن تجاوز عدد الضحايا 3 آلاف شخص والآلاف من الجرحى، وما دام لا يرى فيها (المساعدة) حاجة أساسية له أو لا يرى لها ضرورة الآن.
في الواقع، فإن هذه الكارثة، التي أبان فيها المغرب عن بعد نظر استراتيجي شامل وقوي وواضح، قد أخذت إلى مستوى آخر بعد رفض المملكة مساعدة العديد من الدول من بينها فرنسا، والتي رفضت بسبب ظهور علامات كره المغاربة لهذه الدولة التي احتلتهم لسنوات عديدة. إن من شأن قبول يد العون (الفرنسية تحديدا) أن يخفف من حدة التوترات السياسية بين البلدان مهما بلغ مستواها ،بحسب رأي الكاتب، على غرار تقديم يد العون في زلزال «بام» في إيران سنة 2003 من قبل الولايات المتحدة، حيث تمنينا أن يكون الحال كذلك بين فرنسا والمغرب، نظرا لعلاقة الصداقة التي جمعتهما لعقود من الزمن.
في الحقيقة، فإن هذا الرفض المغربي، نابع من حقيقة ليست ذات علاقة مباشرة بالتوترات السياسية، بقدر ما لها علاقة من كوننا لم نتخل بعد عن نظرتنا للمغرب كأنه مستوطنة تابعة للحكم الفرنسي، أيضا لعدم اقتناعنا بأن المغرب بات قوة اقتصادية قارية لا يستهان بها، وأن علينا أن نرافقه كشريك وليس كتابع لنا ! أنه بات قادرا على حل مشاكله، وحتى إن كانت كوارث بيئية، بنفسه دون مساعدة أي دولة حتى وإن كانت فرنسا.
علينا أن نذكر، بأنه وخلال الساعات الذهبية للكارثة (الساعات الأولى الحاسمة بعد وقوعها)، كان المغرب (القوة الاقتصادية الخامسة إفريقيا) قادرا على تولي زمام الأمور في الوقت الذي كانت تستعد فيه قوى العالم لتقديم طلب المساعدة، ومتوفرا على كل المعلومات التي سيحتاجها لإيجاد حل سريع للتدخل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في منطقة صعبة الوصول لمسالكها الوعرة. ومع ذلك، تمكنت السلطات المغربية من نقل المصابين، تجهيز مستشفى ميداني ضخم ومتكامل، وتعبئة المستشفيات القريبة والبعيدة، ما مكن الأطباء والممرضين من الاعتناء جيدا بصحة المصابين والعمل بكفاءة ومهنية عالية ودون الوقوع ضحية التعب والضغط.

قطيعة مع البطولة الفانتازية.. لأجل هدف أسمى موحد!

لا يمكننا، كمراقبين دوليين، وعلى غرار نظرائنا المحليين، أن نتجاهل الدور الحيوي للفاعلين الجمعويين المحليين، للجيران والعائلات، المدعومين من قبل المؤسسات الوطنية، والذين وضعوا مجهودات ضخمة للحد من ارتفاع أعداد الوفيات كما قد يحدث في دول أخرى، ما جعلهم يمارسون القطيعة (بشكل مباشر و عفوي)مع سمات «البطولة الفانتازية».
بالرغم من أن الكارثة حقيقية، فإنها لا تقارن بتلك التي ضربت «تركيا» و «سوريا» نتجت عنها وفاة 50 ألف شخص،أو في «هايتي» سنة 2010 وموت 280 ألف شخص. نتيجة لكل هذه المآسي، وآخذين في الاعتبار إياها، رفض المغرب في بادئ الأمر تضييع وقت مهم في طلب المساعدة الأجنبية يمكن استغلاله لإنقاذ أرواح عدة. من هذه النقطة، سعى المغرب لتقبل المساعدة من دول قريبة له (سواء مجاليا أو سياسيا أو أخويا) ودون تأخير أو تأجيل عمليات البحث والانتشال، كما سمح لمنظمات دولية وغير حكومية (منها الفرنسية) بتقديم يد العون من ضمن خطة المساعدة.
إن المهمة الصعبة للمغرب الآن، تكمن في دمج المتضررين في الزلزال مع فئات أخرى هشة من المجتمع المغربي في ورش «الحماية الاجتماعية» المغربي، ومدهم بموارد غير محدودة ويسهل الوصول إليها، وخاصة مع خسارة الكثيرين منهم لكل شيء حرفيا، وتفاديا لما وقع في منطقة زلزال «تركيا» و سوريا» التي تعرف نسبة هائلة من المشردين والأفراد دون مأوى حتى بعد كل هذه المدة من وقوع الكارثة هناك.
إن الحل أمام المغرب، لمواجهة هذه الظرفية الصعبة، سيكون بتمكين منظمات المجتمع المدني المغربية من قنوات للتواصل مع نظيراتها الأجنبية لتوفير الدعم النفسي والمادي والمساعدات المالية، ولعلمها بمدى قوة الشعب المغربي ستكون سندا له يدعم هذه القوة التي بات يعرف بها دوليا، التي ستزداد بالتعاون والمبادرات الدولية – المغربية، ليكون على المنظمات الفاعلين المغاربة الاختيار بين الصالح الطالح منها، و لا خوف عليهم في هذه المهمة.

 

جان بيير فان ستيفل: مسجد تينمل.. جوهرة القرن الـ 12التي أزالها الزلزال

لم يتمالك «جان بيير فان ستيفل»، القائم على البعثة الجيولوجية الفرنسية – المغربية نفسه بعد أن وصل إلى مسامعه خبر قضاء زلزال المغرب على مسجد «تينميل، « الذي يعد جوهرة معمارية مغربية أصيلة تعود للقرن ال12، حتى بعد عمليات الترميم التي واكبت السلطات المختصة على تنفيذها لصيانته والحفاظ عليه.
يعلم الجميع، أن شدة زلزال الحوز (6.8 ريختر) من حيث أثره على مناطق ومدن المغرب كانت متفاوتة، وهذا طبيعي لكون بؤرة الزلزال كانت بعيدة عن بعض من المدن الرئيسية ك»الدارالبيضاء» و«الرباط» وغيرها بالرغم من كون سكانها قد أحسوا بأثر هزة الزلزال، وعلى غرار سكان المغرب، الذين تلقوا خسائر كبيرة في الأرواح المملتلكات، لم يسلم الجيولوجيون الخبراء في المجال من الخسائر الأثرية أدت لضياع العديد من المباني الأثرية.
أغلب تلك المباني الأثرية (التي تواجه وإن بقت قائمة خطر السقوط بفعل الثلوج والأمطار)، تقع في مناطق منعزلة هي وسكانها، يصعب الوصول إليها سواء لإغاثة السكان أو للإصلاح والتوثيق. نفس الأمر ينطبق على مسجد «تنمل»، المعلمة الأثرية التي انطلقت منها، خلال عام1120، الحركة القوية للموحدين على يد مؤسسها ابن تومرت (المتوفى سنة 1130)، والذين أسسوا لإمبراطورية جديدة في المغرب إبان الفترة ما بين 1147 و 1269ممتدة من المغرب وصولا إلى الأندلس العديد من بلدان المغرب الكبي ، كما في هذه القرية أيضا يوجد قبر «ابن تومرت» الذي تحولت به لمدينة للزيارة تحج إليها السلالة الحاكمة في المغرب.

معلمة أثرية موحدية ومغربية ذهبت أدراج الرياح!

إن المنشآت الأثرية التي بنتها هذه الإمبراطورية، يعرفها السياح حق المعرفة، من قبيل «الكتبية» التي تعد معلمة هوية بصرية مميزة لمراكش، كما الحال لـ»صومعة حسان» الضخمة في الرباط، أو «جيرالدا» في إشبيلية بإسبانيا التي استولى عليها الإسبان بعد احتلالهم المدينة سنة. 1248
تقع المعلمة الأثرية – نقصد مسجد تينمل – في أعالي جبال الأطلس (على بعد 75 كلم جنوب مراكش) أي في عقر دار ومنشأ فكرة الدولة الموحدية، هناك حيث بني هذا المسجد بتصميمه الفريد الذي يحاكي تلك الفترة المهمة من تاريخ المغرب استنادا إلى الثقافة المعمارية المميزة للمنطقة، حيث يكون هو وجبال الأطلس منظرا بهيا يسر الناظرين. بني المسجد، في فترة قريبة من وسط القرن الثاني عشر، ليكون ،بشكل غير مباشر، متحفا يحتوي في طياته على ما يمثل هذه الفترة من نقوش وهندسة معمارية وديكورات، كما تميز أيضا بداخله الفريد المستند إلى أقواس تمثل الهندسة المعمارية الموحدية، والتي تزين أهم ركن فيه وهو محراب الصلاة.
ولمسجد تنمل أبعاد متواضعة (طوله 48 مترا وعرضه 43.6 مترا) ويضم صحنا طوله 23.65 مترا و عرضه 16.70 مترا، وتتكون مواد بنائه بشكل رئيسي من الآجر وبلاط مصنوع من خليط من الرمل والتراب والجير والحصى. تنتظم قاعة الصلاة، في 9 بلاطات تتجه نحو العمق، مما مكن من تغطية المحراب والزوايا الجانبية بقبب مؤثثة كلياً بالمقرنصات التي تعد من بين أقدم المقرنصات في الفن الإسباني المغاربي .يشكل المحراب، الجزء الرئيسي في الزخرفة، ويبقى في نفس الوقت بسيطا وقويا، بفضل عقد منكسر ومتجاوز قليلا مصحوب بعقد ثان منكسر عالي الارتفاع، وثالث مغلف يزيد من قوة المجموع.
في حين، بقيت العناصر الثانوية مثل القبب الصغيرة والزخارف الزهرية والعقود ذات القويسات والنتوءات، محتشمة كي لا تؤثر على تركيز المؤمنين. وتنتشر العقود ذات القويسات بين أسكوب المجاز القاطع والأساكيب الأخرى: ويحيط عقدان مزينان بفصوص بسيطة بعقد ثلاثي الفصوص بكلتا جهتي المحراب، وبعقود ملساء ومنكسرة، كما اتبعت التيجان نفس المنطق في التوزيع، فجاءت غنية ومتنوعة في المحراب وفي المجاز القاطع، وبسيطة الشكل ومتشابهة في الأماكن الأخرى من المسجد.
وإذا كانت التزيينات الهندسية والزهرية قد تعايشت بشكل وافر، فإن الزخرفة الكتابية غير متواجدة سوى على بعض لوحات الجبس المخرم في قاعدة القبب، وهي سمة من السمات المميزة للفن الديني الموحدي .تنفتح 3 أبواب بشكل متناظر في كل جدار من الجدران الجانبية، في حين تم فتح باب صغير ليفضي إلى الصحن، وفتحتين ضيقتين على جانبي المحراب.ترتفع المئذنة على قاعدة مستطيلة (يبلغ طولها 9.50 أمتار وعرضها 5.50 أمتار) فقدت جزءها العلوي، وتبرز فوق المحراب.
لكل هذه السمات الجميلة، والإبداع المعماري المغربي الموحدي، يعتبر مسجد تنمل النموذج الأصلي للفن المعماري والهندسي والزخرفي الموحدي، لكنه كان إلى حين انهياره سريع التآكل بفعل العوامل المناخية ومرور قرون كثيرة على تشييده، ما دفع وزير الأوقاف و الشؤون الدينية رفقة مدير التراث الثقافي لإرسال بعثات مختصة لصيانة المسجد بشكل دوري، كما أعلن عن مهمة لبعثة مختصة في إطار برنامج شراكة علمي فرنسي – مغربي إلى الموقع خريف سنة 2022، حيث يقع على بعد 6 كلم فقط من بؤرة الزلزال الذي تمكن منه في نهاية المطاف، ومما كان يميزه من معمار وزخارف.
ينبغي أن يكون مآل مسجد تنمل، درسا توعويا لكافة الجيولوجيين والمختصين في علم الآثار المهتمين بالمباني الأثرية في المغرب والعالم، لكونه ليس المعلم الأثري الوحيد الذي يستوطن قرى جبال الأطلس، والذي يخاف عليهم من الزوال في صمت مع كل ما يحملونه من ذكريات وشواهد مهمة تخص تاريخ قرى تلك المنطقة التي كانت منعزلة وصارت منكوبة الآن.
إن الأولية الآن – وهذا أمر طبيعي ومفروغ منه – تعود لأسر ضحايا الزلزال من أصابهم أذى هذه الكارثة الطبيعية من قريب أوبعيد من سكان الأطلس، غير أننا نبتغي أن يطال الاهتمام أيضا كل معلم أثري قديم في المنطقة، أن يحظوا بشيء من العناية الدورية بعد إعانة سكان المنطقة، لكون تلك المعالم تمثلهم والمغاربة أجمعين، أيضا لأنها شاهد قديم – حديث العهد على إنجازات المغاربة تاريخهم على أرضهم وفي العالم.


الكاتب : المقدمي المهدي

  

بتاريخ : 21/09/2023