أطفال السنة أولى إعدادي / جحيم مادة الاجتماعيات

في الوقت الذي يجمع فيه كل المتدخلين في الحقل التربوي، على تدني المستوى التعليمي ببلادنا،
نجد المقررات، وكأنها موضوعة لتلاميذ من كواكب أخرى مستواهم الدراسي غاية في الجودة .
بداية لا بد من التذكير بسن تلاميذ هذا المستوى، إنه في أحسن الأحوال لا يتجاوز اثني عشر ربيعا، يزيد
أو ينقص قليلا، لا يزال معظمهم مسكونا باللعب ومولعا بالأفلام الكرتونية والألعاب الإلكترونية.
فالفهرس يشغل أربع صفحات جد مكثفة، موزعة بين مادة التاريخ والجغرافيا والتربية على المواطنة،
في تناقض صارخ مع المقاربة بالكفايات، التي من أبجدياتها تهيئة التلاميذ للحياة وتنمية قدراتهم على التفكير والنقد، وليس شحن رؤوسهم بالتواريخ وأسماء الشخصيات والأماكن بشكل مبالغ فيه. للتدليل على ذلك سأقتصر على مادة التاريخ.
مجموعة من الأسئلة تناثرت شظاياها، عند استعراض ركام المصطلحات التي يعج به هذا المرجع. ففي نهاية المطاف لا يجد معها التلميذ غير حفظها حفظا، ليتم رد البضاعة إلى أهلها، بدون إدراك معانيها ولا فهمها ولا استيعاب شيء منها.
فأنى لطفل في سنهم أن يستوعب كل ما يتعلق بحضارة بلاد الرافدين والدول التي تعاقبت عليها والاشتغال على وثائق تاريخية تتعلق بالكتابة المسمارية واكتشاف قانون حمو رابي!؟  هذا المحور لوحده يدعونا للتساؤل عما إن كان واضعوه على بينة من أمر ما يقررون و لمن يقررون، أم الحكاية كلها تتعلق بوزن الكتاب وحجمه وعدد صفحاته، يمكن لجان تأليفه من الحصول على نصيبهم من الكعكة كل موسم دراسي، أما لما نضيف إليه ما يتعلق بحضارة مصر القديمة (مراحل تطورها، الاشتغال على وثائق
تهم جوانب من حياة المجتمع المصري القديم، جوانب من تاريخ فلاحته، جوانب من تطور الهرم المصري القديم)، تليها الحضارة الإغريقية (موطنها ومراحل تطورها، اكتشاف مقومات النظام السياسي في أسبرطة بتعقيداته المعروفة، التعرف على خصائص النظام السياسي والمواطنة في أثينا، التعرف على الألعاب الأولمبية والهدف من تنظيمها).
أتصور حال الأستاذ وهو يعرض هذه الدروس الموغلة في القدم لتلاميذ هذا المستوى. إنه الخبال. وليس هذا وحسب فلما ننتقل إلى المحور الثاني المتعلق بالمغرب القديم، يتناولون فيه تاريخ الفينيقيين والقرطاجيين (موقع فينيقيا وموقع قرطاج والمغرب القديم ومراحل تطورها في العصر القديم، التعرف على أسباب وصولهم إلى المغرب وكذا النتائج، التعرف على بعض المؤثرات القرطاجية على الحرفوالعادات المغربية في العصر الحاضر). وفي المغرب القديم أيضا يدرسون الممالك الأمازيغية وحربها ضد الرومان (موطنها ومراحل حكمها، تاريخها في شمال إفريقيا، اكتشاف أسباب احتلال الرومان للمغرب القديم، مقاومة الأمازيغ للرومان). والطامة الباب الموالي يتعلق بالديانات في الحضارات
القديمة بين التعدد والتوحيد، فالعنوان لوحده كاف ليخلق لدى هؤلاء الأطفال توابع و زوابع ما لها من حدود، إذ المطلوب منهم أن يتعرفوا على موطنها في الحضارات القديمة ومراحل ظهورها).
المحور الثاني خاص بنشأة الدولة الإسلامية (تعرف موطن ومراحل نشأتها في عهد الرسول (ص)،
اكتشاف جوانب من تاريخ الدعوة الإسلامية، الاشتغال على نصوص تاريخية تهم نصوص التنطيمين السياسي والروحي للدولة الإسلامية، مقابلة بين التاريخين الميلادي والهجري).
إطلالة خفيفة على كتاب التلميذ، صفحاته تعج بالوثائق والخرائط والنصوص التاريخية بلغتها القديمة.
بالمثال يتضح المقال. بالصفحة 44 مثلا بأحد هذه الكتب درس نشأة الدولة الإسلامية نجد “أدعم تعلمي” عبارة عن نص يتحدث عن حياة الجاهلية. فبجانب عبادة الأصنام، وقطع الأرحام، ووأد البنات، كانت لهم صفات حميدة كالكرم و الشهامة والإيثار. فأنى لطفل في هذا المستوى وفي سنه أن يستوعب هذا التباين والتناقض؟ بنفس الصفحة نشاط “أكتشف جوانب من تاريخ مرحلة ظهور الرسول (ص) الوثيقة
4 تتعلق بشجرة الرسول من جهة أمه آمنة وأبيه عبد الله. ما الذي يفيده هذا التتبع لهذه الأسماء الغريبة عن ما هو متداول في محيطه من أسماء مثل عبد مناف وعبد شمس وغيرها. بجانب هذه الشجرة نص تاريخي مقتطف من سيرة ابن هشام يتحدث عن السقاية و الحجابة والرفادة واللواء يعقب هاتين الوثيقتين مجموعة أسئلة تطلب منه أن يقرأ الشجرة ويستخرج الفرع القرشي للرسول (ص)، السؤال الثاني أن يربط بين الشجرة والنص التاريخي ويستخلص النشاط الذي كان يمارسه الفرع القرشي، السؤال الثالث أن يستخرج من النص والخريطة الموارد الاقتصادية لقريش. في نفس الصفحة نشاط ثان بعنوان “أكتشف جوانب من تاريخ الدعوة الإسلامية الوثيقة 1 خط زمني لأهم مراحل الدعوة من 610 إلى 632 أي من بدء نزول الوحي إلى حجة الوداع، مرورا بالعهد المكي والعهد المدني وإرساء دعائم الدولة الإسلامية وتختتم الصفحة بصور لغار حراء وغار ثور والمسجد النبوي مكتوب عليه الآية “إنك ميت وإنهم ميتون”.
فهل كان من الضرورة تكديس كل هذا الركام من الوثائق في صفحة واحدة. هذا نموذج واحد و إلا فالمرجع كله على هذا النحو. حتى إذا انتقلنا إلى مادة الجغرافيا فالأمر يزداد تعقيدا، إذ عليه أن يتدرب على رسم الإحداثيات الجغرافية ويميز مكوناتها وتحديد موقع المغرب وإفريقيا ويكتشف مفهوم الكون و المجموعة الشمسية وبتتبع دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس وقس على هذا المنوال وصولا إلى آخر درس يتعلق إلى دينامية السكان وتوزيعهم والتدرب على تمثيل البنية السكانية وكثافتهم و أنشطنهم، أضف إلى كل ما سبق دروس التربية على المواطنة (الكرامة، الحرية، المساواة، العدل، التضامن و الديموقراطية). وأين المواد الأخرى كلها في حجم هذه المادة أو أكثر، رياضيات وعلوم الحياة والأرض و الفيزياء والكيمياء و التكنولوجيا والفنون التشكيلية واللغات وغيرها؟
أليست هذه مجازر “تربوية” ترتكب في حق أطفالنا على حداثة سنهم؟ فهل يمكن الحديث عن بناء الدروس أفقيا بمعية التلاميذ في مواد هذه برامجها ومقرراتها بهذا التعقيد وهذا الكم المبالغ فيه، في ظل غياب شبه كلي للقاعات المتخصصة ووسائل الإيضاح وبنيات تحتية من شأنها تسهيل العملية التعليمية التعلمية؟


الكاتب : بوسلهام عميمر

  

بتاريخ : 08/04/2021